جديد الرسائل

الاثنين، 19 سبتمبر 2022

(4) اختصار درس الشرح الحثيث

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


«مُوَطَّأُ مَالِكٍ»

قال الشافعي رَحِمَهُ اللهُ: (لَا أَعْلَمُ كِتَابًا فِي العِلْمِ أكْثَرَ صَوَابًا مِن كِتَابِ مَالِكٍ)، وجاء عن الشافعي أيضًا بلفظ: ما كتاب بعد كتاب الله أنفع من موطأِ مالك!

أخرجه الخطيب رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في «جامعه» (1564).

وفي رواية (أصح كتابًا) وهذا إنما قاله قبل البخاري ومسلم، فلا يشكل مع كون ما نعتقده أنَّ  أصَحَّ الكتب بعد كتاب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى «صحيح البخاري ومسلم» بالاتفاق.

 وقد أُلِّفت مؤلفات في زمان الإمام مالك، ولكن الموطأ أجلها وأعظمها. وألف ابن أبي ذئب «الموطأ»، ولم يُعْثَر عليه، وكذلك عبدالله بن وهب- وهو من تلاميذ الإمام مالك-، له «الموطأ».

ولمكانة «موطأ مالك» طلب الخليفة من الإمام مالك أن يَجْمَعَ الناس على كتابه، ويصير القضاء والفُتيا والعمل عليه في الدولة العباسية، فأبى وقال: إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا وَاطَّلَعُوا عَلَى أشْيَاءَ لَم نَطَّلِعْ عَلَيْهَا؛ وهذا يدل على تواضعه وإنصافه.

و«الموطأ» هيأ الله له من اعتنى بالتعليقات عليه والشروحات. ومن أجود شروحات «الموطأ» كما قال ابن كثير: «التمهيد» و«الاستذكار» لابن عبد البر.

و«التمهيد» على ترتيب شيوخ الإمام مالك، يسوق الأحاديث ويشرح ويذكر الاختلاف في وصل الحديث وإرساله، أو وصل الحديث وانقطاعه، أو رفْع الحديث ووقفه.

وأما «الاستذكار» فهو على نفس ترتيب «موطأ مالك» لم يغيِّر فيه شيئًا، واهتم في «الاستذكار» بالمسائل الفقهية، وبذكر أقوال الفقهاء.

هذان المرجعان من أهم المراجع لطالب العلم وللمكاتب.

ومع هذا ففي «الموطأ» من الأحاديث المرسلة والمنقطعة والبلاغات، وقد وصل بلاغات الإمام مالك ابن عبد البر إلا أربعة أحاديث لم يعثر على وصلها، وقد صلها السيوطي في رسالة كما قال والدي في «مراجعة تدريب الراوي»، وكذلك ابن الصلاح في رسالة «وصل بلاغات الموطأ».

ـــــــــــــــــــــــــــ

إِطْلَاقُ اسْمِ الصَّحِيحِ عَلَى «سنن الترمذي»

كان الحاكم والخطيب يسميانه بـ«الجامع الصحيح»، وهذا تساهل منهما؛ فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُنْكَرَةٌ كما قال الحافظ ابن كثير، والشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ قد أفرد «صحيح سنن الترمذي»، وأفرد «ضعيف سنن الترمذي»، وأما التسمية بـ «جامع الترمذي» هذا لا بأس، فهو يسمى جامعًا؛ لأنه جمع الفقه والعقيدة والسيرة والرقائق والآداب وغير ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــ

إِطْلَاقُ اسْمِ الصَّحِيحِ عَلَى «سنن النسائي»

أطلق أبو علي ابن السكن والخطيب البغدادي اسم الصحيح على «سنن النسائي» وهذا  تعقبه الحافظ ابن كثير، وقال: (فِيهِ نَظَرٌ)، فليس كل ما في «سنن النسائي» صحيحًا.

وقال سعد بن علي الزنجاني عن «سنن النسائي»: وَإِنَّ لَهُ شَرْطًا فِي الرِّجَالِ أشَدَّ مِن شَرْطِ مُسلِمٍ. كما في «تذكرة الحفاظ». وهذا تعقبه الحافظ ابن كثير، وقال: غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ والسبب (فَإِنَّ فِيهِ رِجَالًا مَجْهُولِينَ: إِمَّا عَيْنًا أوْ حَالًا، وَفِيهِمْ المَجْرُوحُ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفةٌ وَمُعَلَّلَةٌ وَمُنْكَرَةٌ).

«سنن النسائي» المراد بها عند الإطلاق «السنن الصغرى»، ويقال: «المجتبى»، وهي مختصرة من «السنن الكبرى».

 وسبب تأليفه للصغرى: أن النسائي لما صنف «الكبرى» أهداها لأمير رملة، فقال له: أكل ما فيها صحيح؟ قال: لا، قال: ميز لي الصحيح من غيره، فصنف له «الصغرى»، وظاهر هذا أن ما في «سنن النسائي الصغرى» صحيح.

وقد سئل والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ: هل كل ما في «المجتبى» صحيح عند النسائي؟ فأجاب: نعم، إلا ما نبَّه عليه. «مراجعة تدريب الراوي».

ـــــــــــــــــــــــــــ

 «مُسْنَدُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ»

قال الحافظ أبو موسى المديني عنه: كل ما فيه صحيح، وهذا تعقبه الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ، وقال: (قَولٌ ضَعِيفٌ).

الحافظ ابن حجر رحمه الله ألف «القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد»، ونفى أن يكون فيه موضوعات، وقد جزم الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أنه يوجد فيه موضوعة وقال: (فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعِيفةً، بَلْ ومَوْضُوعَةً، كَأَحَادِيثِ فَضَائِلِ مَرْوٍ، وَعَسْقَلَانَ، وَالبَرْثِ الأحْمَرِ عِندَ حِمْصٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ)، ولكن الموضوعات فيه قليلة، وقد أخرج بعضًا منها ابن الجوزي في «الموضوعات». وإن كان وهِمَ في إدخال بعض منها في الموضوعات.

و«مسند الإمام أحمد» مع كبره وسعته قد فاته بعض الأحاديث، أما قول: (إِنَّهُ لَم يَقَعْ لَهُ جَمَاعَةٌ مِن الصَّحَابَةِ الَّذِينَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» قَرِيبًا مِن مِائَتَيْنِ) فهذا ليس صحيح.

ـــــــــــــــــــــــــــ

الْكُتُبُ الْخَمْسَةُ وَغَيْرُهَا

قال الحافظ أبو طاهر السِّلفي: (إِنَّهُ اتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهَا عُلَمَاءُ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ) هذا ليس بصحيح فيما يتعلَّقُ بـ «سنن الترمذي، وأبي داود، والنسائي»؛ ولهذا الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ يقول: (تَسَاهُلٌ مِنْهُ).

قال العراقي في «التقييد والإيضاح»(62): وإنما قال السلفي: بصحة أصولها.

قال العراقي رَحِمَهُ اللهُ: ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحًا. اهـ.

وقد تعقب الحافظ ابن حجر في «النكت على ابن الصلاح»(488) شيخه العراقي، وقال: وما تضمنه من الإنكار ليس بجيِّد؛ إذ العبارتان جميعًا موجودتان جميعًا في كلام السلفي، وأنه ينبغي حمل كلامه أن مراده معظم الكتب الثلاثة يحتج به.

و «السنن» الثلاثة كما قَالَ ابنُ الصَّلَاحِ: وَهِيَ معَ ذَلِكَ أَعَلَى رُتْبَةً مِن كُتُبِ المَسَانِيدِ. والسبب في هذا أنهم يذكرون عن كل صحابي ما يقع لهم من حديثه.

المسند هو: ذكر أحاديث كل صحابي على حِدَةٍ، وما ينتقي صاحب «المسند» غير متقيدين بأنْ يكونَ حديثُهُ محتجًّا بهِ، بخلاف أصحاب «السنن» فإنهم ينتقون.

ـــــــــــــــــــــــــــ