جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 18 أغسطس 2022

(43)اختصار دروس شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

قال الله تَعَالَى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن:  29]. وقال: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء:  2] روى البخاري (7522) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ، وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، أَقْرَبُ الكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ»

نستفيد: الإيمان بأن الله عَزَّ وَجَل يحْدِث من أمره ما يشاء، فهذه الأدلة تُثبت الأفعال الاختيارية لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا لا يقتضي أن يكونَ الله حادثًا، قال تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)﴾[الحديد].

كما لا يقتضي التشبيه؛ ولهذا الإمام البخاري يقول: «وَأَنَّ حَدَثَهُ لا يُشْبِهُ حَدَثَ المَخْلُوقِينَ»، واستدل بقوله تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.

 وقد ردَّ شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ على الذين قالوا: كل حادث مخلوق، بما حاصله:  

أن الحادث قد لا يكون مخلوقًا، وهذه هي صفات الله الفعلية التي تتجدد حسب مشيئة الله عَزَّ وَجَل وحكمته، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ومنه القرآن كلام الله، الله عَزَّ وَجَل يقول: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ أي: تجدَّدَ نزوله، وكان بعد أن لم يكن، وينزله الله عَزَّ وَجَل مفرَّقًا حسب حكمته وحاجة العباد.

وقد يكون الحادث مخلوقًا، وهو ما يوجد من الكائنات كالمطر، والنبات، والعافية، والأمراض، والعقوبات.. إلى غير ذلك. يراجع كلام شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ كما في «مجموع الفتاوى»(6/320).

وهذا قول أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات الاختيارية لله عَزَّ وَجَل، ويقال: الأفعال الاختيارية، فالصفات الاختيارية تتعلق بمشيئة الله عَزَّ وَجَل، وهذه الصفات حادثة، بمعنى: يفعلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حسب مشيئته وإرادته.

وهذا بخلاف أهل الكلام من معتزلة وأشاعرة وغيرهم فهم ينفون الأفعال الاختيارية، ويؤولون أيضًا الصفات الخبرية كاليد، والوجه، وقد فسِّرت عندهم اليد بالنعمة، والوجه بالثواب، وبعضهم يقول بالتفويض.

ويسمون الصفات الاختيارية(حلول الحوادث، ويقولون: لا تقوم به الحوادث) وهم يعنون: نفي الصفات الاختيارية.

وسبب نفيهم للأفعال الاختيارية، قالوا: لأنها تقتضي الحدوث، وكل من قام به حادث فهو حادث، وهذا فيه ردٌّ للأدلة الكثيرة في إثبات الصفات الاختيارية.

وقد ناقش هؤلاء النفاة ووضَّح المراد ابن أبي العز رَحِمَهُ اللهُ في «شرح الطحاوية» (80)، وخلاصة ما ذكره رَحِمَهُ اللهُ: أنه إذا قال القائل: (الحوادث لا تقوم بالله عَزَّ وَجَل)، يُستفصل منه، فيُسأل القائل: ما المراد بهذا؟

 فإن قال: المراد تنزيه الله أن يحل في ذاته شيء من المخلوقات فهذا صحيح؛ لأن الله سبحانه عالٍ على خلقه بائن منهم، أو أراد لا يحدث له وصف متجدد، أي: لا يحدث له وصف متجدد بعد أن لم يكن فهذا حق؛ لأن الله عز وجل متصف بصفاته أزلًا وأبدًا، فجنس الصفة أزلي، لكنها تتجدد حسب مشيئة الله، فهي حادثة.

 أما إذا أراد نفي الصفات الاختيارية- وهذا هو مرادهم بنفي حلول الحوادثفهذا كلام باطل، مع أن هذا التعبير-حلول الحوادث- لم يرد في الكتاب ولا في السنة، فتركه أولى.

الحاصل في المسألة: أننا نثبت الصفات الاختيارية لله عَزَّ وَجَل، وأنها تتجدد حسب مشيئة الله عَزَّ وَجَل وحكمته، وأن أهل الكلام يردون الصفات الاختيارية، مع كثرتها، قال تَعَالَى: ﴿يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)﴾ [آل عمران: 40].