السعي بين الصفا والمروة
قول جابر في حديثه الطويل في حجة الوداع: («ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: ﴿إِنَّ الصَّفَا والمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ﴾ [البقرة: 158] «أَبدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» إلى قول: «حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى المَروَةِ)
فيه من الفوائد:
-استحباب قراءة الآية: ﴿إِنَّ الصَّفَا والمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ﴾، وقول: «أَبدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» إذا من الصفا.
واقتصار الصحابي على هذا القدر من الآية يحتمل الاكتفاء بها، ويحتمل إكمال الآية إلى آخرها، كما ذكر هذا الشيخ ابن عثيمين.
وصنيع والدي رَحِمَهُ اللهُ يدل على إكمالِها؛ فقد ذكر في «إجابة السائل»(141): فعند صعودِكَ على الصفا تقرأ قوله تعالى، وذكر الآية بتمامها.
-ظاهره أن يؤخر قول: «أَبدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» بعد قراءة الآية. وهذا يكون في أول شوط عند الصفا فقط.
- أن السعي يكون بعد الطواف، وهذا شرط عند جمهور أهل العلم، فلو قُدم فلا يجزئ عند جمهور أهل العلم، واستدلوا بفعل النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بالطواف مع قوله صلى الله عليه وسلم: «لِتَأخُذُوا مَنَاسِكَكُم». رواه مسلم (1297) عن جَابِر.
ولكنه قد ثبت عَن أُسَامَةَ بنِ شَرِيكٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَعَيتُ قَبلَ أَن أَطُوفَ أَو قَدَّمتُ شَيئًا أَو أَخَّرتُ شَيئًا، فَكَانَ يَقُولُ: «لَا حَرَجَ لَا حَرَجَ» رواه أبو داود (2015)، وهو في «الصحيح المسند» (20) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وهذا الحديث يدل على جواز البدء بالسعي قبل الطواف، وقد ذهب إلى ذلك عطاء، وهو قول والدي رَحِمَهُ اللهُ، وذهب إليه الشيخ ابن باز رَحِمَهُ اللهُ غير أنه قال في العمد: الأحوط ألا يفعله، كما في «مجموع الفتاوى»(16/140). وقول الإمام أحمد أنه يجزئه إن كان ناسيًا، وإن كان عمدًا لم يجزئه. وخصَّه الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «الشرح الممتع»(7/274) بالحج دون العُمرة.
والذي فعله النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بالطواف، هذا هو السنة، ولكن من حيث الجواز «افعَل وَلَا حَرَجَ».
-ونستفيد: أنه يُبدأ في السعي بالصفا قبل المروة، وهذا شرط في صحة السعي، فلو بدأ بالمروة لا يجزئه.
-ونستفيد من سعي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الطواف أن القارن ومثله المفرِد لهما تقديم السعي بعد طواف القدوم.
وهذا يُجزئ عن السعي بعد طواف الإفاضة، والأفضل للقارن والمفرد السعي بعد طواف القدوم؛ تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
-وفيه استحباب الصعود على الصفا، وأما الوجوب فنهايته حد عربات العجزة.
واستحباب الصعود للرجل دون المرأة؛ تستُّرًا وحِشمةً.
-وفيه أنه إذا صعد على الصفا يستقبل القبلة، ويحرص على رؤية البيت، ولكن الآن بسبب الحواجز فالكعبة لا ترى.
-وفيه توحيد الله وتكبيره، أي: يقول: لا إله إلا الله الله أكبر، ثم يقول هذا الذكر: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ..»الخ واستظهر هذا الطيبي، ومحتمل أن يكون قوله: «فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ» مجمل ثم أتى بتفسيره: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ..»الخ، وقد جزم بهذا الثاني الصنعاني في «سبل السلام»(1/632).
-وفيه أنه يدعو الله بعد هذا الذكر ثلاثًا، وأما الدعاء فيقوله مرتين.
ومنهم من قال: يكرر الدعاء ثلاثًا واستدلوا بعموم حديث «وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا» رواه مسلم (1794) عَنِ ابنِ مَسعُودٍ.
-لم يُذكر في حديث جابر رفع اليدين في الدعاء عند الصفا والمروة، ولكنه ثبت في أدلة أخرى، وهذا من المستحبات.
عن أبي هريرة في وصف حج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فَلَمَّا فَرَغَ مِن طَوَافِهِ، أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى البَيتِ، وَرَفَعَ يَدَيهِ، فَجَعَلَ يَحمَدُ الله وَيَدعُو بِمَا شَاءَ أَن يَدعُوَ. رواه مسلم (1780). وبوب عليه الإمام ابن خزيمة في «صحيحه» رقم(2758): (بَابُ رَفعِ اليَدَينِ عِندَ الدُّعَاءِ عَلَى الصَّفَا).
-وفيه السعي الشديد بين الصفا والمروة في بطن الوادي في جميع الأشواط السبعة، وهو الآن بين علمين أخضرين.
وفي هذا المعنى ما روى النسائي رَحِمَهُ اللهُ (2980) عَنِ امرَأَةٍ قَالَت: رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَسعَى فِي بَطنِ المَسِيلِ، وَيَقُولُ: «لَا يُقطَعُ الوَادِي إِلَّا شَدًّا»، وهو في «الصحيح المسند» (1657) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وقد بوب والدي رَحِمَهُ اللهُ في «الجامع الصحيح»: (باب السعي السريع في الوادي الذي بين الصفا والمروة).
ثلاثة فروق في الرمَل عند الطواف، والسعي بين الصفا والمروة:
· أن الرَّمَل في الطواف يكون في الثلاثة الأوَل، بخلاف السعي فيكون في كل شوط.
· الرمل في الطواف يكون في جميع الأشواط الثلاثة الأول، بخلاف السعي ففي جزء منه-وهو ما بين العلمين الأخضرين-.
· الرمل في الطواف يكون أخف من السعي، وأما السعي فيسن فيه الإسراع.
وسبب الرمل في السعي: التأسي بهاجر رَحِمَهَا اللهُ، كما ثبت في «صحيح البخاري»(3364) عن ابن عباس وذكر قصة هاجر وسعيها بين الصفا والمروة، ثم قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَذَلِكَ سَعيُ النَّاسِ بَينَهُمَا».
-وفيه أنه يُفعل في المروة كما فُعِلَ في الصفا من الصعود واستقبال القبلة والذكر والدعاء.
فإذا انتهى من آخر شوط عند المروة فلينصرف، ولا يقف للدعاء.
-وفيه دليل أن الذهاب من الصفا إلى المروة يعد شوطًا، وهناك قول آخر يحسب له مرة واحدة من الصفا إلى الصفا، والصحيح أنه يحسب له شوط من الصفا إلى المروة، والحديث دليل على هذا.
-وفيه أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سعى ماشيًا.
-لم يُذكَر في الحديث أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سعى على طهارة، ولكن عائشة رضي الله عنها ذكرت: أَنَّ أَوَّلَ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَم تَكُن عُمرَةً. رواه البخاري (1614)، ومسلم (1235).
فدلَّ هذا أن السنة أن يسعى على طهارة، أما أنه يشترط أو يجب فليس كذلك، حتى جمهور أهل العلم يرون أنه لا يُشترط الطهارة للسعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول جابر في حديثه الطويل في حجة الوداع: « فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَو أَنِّي استَقبَلتُ مِن أَمرِي مَا استَدبَرتُ لَم أَسُقِ الهَديَ، وَجَعَلتُهَا عُمرَةً، فَمَن كَانَ مِنكُم لَيسَ مَعَهُ هَديٌ فَليَحِلَّ، وَليَجعَلهَا عُمرَةً»، إلى قوله: «فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُم وَقَصَّرُوا، إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَن كَانَ مَعَهُ هَديٌ».
-فيه أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حج قارنًا.
-وفيه أن القارن إذا ساق الهدي فليس له أن يحوِّلَ نسكه إلى عمرة.
-هذا الحديث من الأدلة على فسخ الحج إلى عمرة لمن لم يكن معه هدي، وهذا قول ابن عباس، وذهب إليه الإمام أحمد، وهو قول الشيخ الألباني، وقول والدي رَحِمَهُم اللهُ.
وأكثر أهل العلم على المنع، وأجابوا عن أدلة الفسخ بأنها خاصة بالصحابة، ولكن الأصل العموم.
ومن أحرم مفردًا فينبغي له أن يفسخ حجه؛ وهكذا القارن الذي لم يسق الهدي، يستحب له أن يفسخ نسكه ويتحلل بعمرة؛ لأجل أن يكون حجه تمتعًا.
- نستفيد منه أن التمتع أفضل من الإفراد والقران، إلا لمن ساق معه الهدي فالقران أفضل كما قال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ.
-وفيه التعليم بالفعل.
-وفيه أن عليًّا عند قدوم النّبِيّ صلى الله عليه وسلم للحج لم يكن موجودًا.
-وفيه دليل أن من قال: لبيك كإهلال فلان، فإنه ينعقد، لكن هذا لا يكون إلا مع فقيه سنِّيٍّ، هذا لا بأس به.
-وفيه أن فاطمة رضي الله عنها حجت متمتعة.
-وفيه كما قال النووي: إِنكَارُ الرَّجُلِ عَلَى زَوجَتِهِ مَا رَآهُ مِنهَا مِن نَقصٍ فِي دِينِهَا؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَأَنكَرَهُ.
-فيه بيان صفة العمرة: إحرامٌ، وطوافٌ، وسعيٌ، وحلقٌ أو تقصير.
-وفيه أن المتمتع يستحب له التقصير، وأنه يترك حلق الشعر للحج، إلا إن كان هناك فرصة لطلوع الشعر.
-وفيه أن المتمتع يحل له كل ما حرم إذا حلَّ من العمرة من محظورات الإحرام.
-وفيه أن القارن إذا ساق الهدي لا يتحلل يبقى محرمًا حتى ينحر.
-وفيه أن جملة هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان مائة.