جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 2 يناير 2022

(58)سنينٌ من حياتي مع والديْ وشيخي مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله

 

عدمُ تأخيرِ الدعاءِ إذا طُلِبَ منكَ

كان والدي رَحِمَهُ الله إذَا طُلِبَ منه الدُّعاءُ لأحَدٍ يدعُو مباشرةً، ولا يؤخِّرُهُ لوقتٍ آخرَ.

قلت: ونذكِّرُ أنفسَنا بثلاثة من الأدلة في استحباب ذلك:

عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي، أَلَا تَثْبُتُ، فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ المَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. الحديث، وفيه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ». قال: وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ». فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا».رواه البخاري (4323)، ومسلم (2498).

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَادِمُكَ أَنَسٌ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ». رواه البخاري (6344)، ومسلم (2480).

عن حنظلة بن حِذْيَم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،الحديث وفيه: فَدَنَا بِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي بَنِينَ ذَوِي لِحًى وَدُونَ ذَلِكَ وَإِنَّ ذَا أَصْغَرُهُمْ فَادْعُ اللهَ لَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: «بَارَكَ اللهُ فِيكَ أَوْ بُورِكَ فِيهِ».

 قَالَ ذَيَّالٌ- أحد رواة الإسناد-: فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالإِنْسَانِ الوَارِمِ وَجْهُهُ أَوْ البَهِيمَةِ الوَارِمَةِ الضَّرْعُ فَيَتْفُلُ عَلَى يَدَيْهِ، وَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَقُولُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَيَمْسَحُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ذَيَّالٌ: فَيَذْهَبُ الوَرَمُ.  رواه الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى (34/ 262).

ومعنى: وَيَقُولُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. أي: يضع يده عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ. فهذا من إطلاق القول على الفِعْل.

والشاهد من هذه الأدلة: مبادرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الدعاء إذا طُلِبَ منه وعدم تأخيرِهِ.

فرحم الله والدي وغفر له، كيف كان دقيقًا في فهم النصوص، حريصًا على العملِ بها.