جديد الرسائل

الخميس، 20 يناير 2022

(39)اختصار دروس شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «احْتَجَّ آدَمُ، وَمُوسَى ، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَكَلاَمِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» رواه البخاري ومسلم.

اختلف العلماء عن هذا اللقاء والتحاور بين هذين النبيين، هل هو في البرزخ أو في السماء؟ والذي جزم به ابن عبدالبر رَحِمَهُ اللهُ في «التمهيد» (18/16) أن التقاء روح هذين النبيين في عليين بعد الوفاة.

« أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَكَلاَمِهِ » فيه فضيلة لنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام.

اختلف أهل العلم في معنى قول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» من ذلك قول بعضهم:

-أنه حجَّه؛ لأنه أبوه.

-أن الذنب كان في شريعة واللوم في شريعة.

-أن آدم قد تاب من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ولا يجوز لومه.

وقد ناقش هذه الأقوال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ في «شفاء العليل» (39-40) وردها.

من فوائد الحديث:

-المناظرة والمحاجة لظهور الحق.

-وَفِيهِ إِبَاحَةُ مُنَاظَرَةِ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ وَالْأَصْغَرِ لِلْأَسَنِّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلِازْدِيَادِ مِنَ الْعِلْمِ وَتَقْرِيرًا لِلْحَقِّ وَابْتِغَاءً لَهُ. «التمهيد»(18/15) لابن عبد البر.

-قوة الحجة وصولتها، فالغلبة للحق وللمحق.

-وَفِيهِ الْأَصْلُ الْجَسِيمُ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَكَلٌّ يَجْرِي فِيمَا قُدِّرَ لَهُ وَسَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ. «التمهيد»(18/15).

-هذا الحديث ليس فيه حجة للمتلاعبين الذين يذنبون ثم يحتجون على تصويب فعلهم بالقدر.

ولو كان الاحتجاج بالقدر على الذنب سائغًا؛ لتعطلت الحكمة من إرسال الرسل مبشرين ومنذرين، فهذا الحديث ليس فيه حجة لهم، فإن نبي الله آدم قد تاب من ذنبه.

والذي اختاره شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ في اعتراض موسى على أبيه آدم عليهما الصلاة والسلام أنه لامه لكونه أخرج نفسه وذريته من الجنة، أي: أنه كان السبب في إخراجهم من الجنة، ولم يلمه على مخالفة الأمر وهو النهي عن الأكل من الشجرة.

-أن أبانا آدم كان في جنة الخلد.

-أن الجنة كانت موجودة قبل أبينا آدم، وهذا من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الجنة قد خلقها الله تَعَالَى وأعدَّها لأوليائه. خلافًا للمعتزلة فإنهم ينفون هذا ويقولون: وجودها الآن عبث.

-وفيه إثبات صفة الكلام لله عَزَّ وَجَل.

-وَفِيهِ كما في «الفتح»: اسْتِعْمَالُ التَّعْرِيضِ بِصِيغَةِ الْمَدْحِ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ آدَمَ لِمُوسَى: «أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ» إِلَى آخِرِ مَا خَاطَبَهُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى عُذْرِهِ وَعَرَفَهُ بِالْوَحْيِ، فَلَوِ اسْتَحْضَرَ ذَلِكَ مَا لَامَهُ مَعَ وُضُوحِ عُذْرِهِ.

-وَأَيْضًا فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِمُوسَى فِيهِ اخْتِصَاصٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَوْ لَمْ يَقَعْ إِخْرَاجِي الَّذِي رُتِّبَ عَلَى أَكْلِي مِنَ الشَّجَرَةِ مَا حَصَلَتْ لَكَ هَذِهِ الْمَنَاقِبُ؛ لِأَنِّي لَوْ بَقِيتُ فِي الْجَنَّةِ وَاسْتَمَرَّ نَسْلِي فِيهَا مَا وُجِدَ مَنْ تَجَاهَرَ بِالْكُفْرِ الشَّنِيعِ بِمَا جَاهَرَ بِهِ فِرْعَوْنُ، حَتَّى أُرْسِلْتَ أَنْتَ إِلَيْهِ وَأُعْطِيتَ مَا أُعْطِيتَ، فَإِذَا كُنْتُ أَنَا السَّبَبَ فِي حُصُولِ هَذِهِ الْفَضَائِلِ لَكَ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَكَ أَنْ تَلُومَنِي؟!

-وَفِيهِ كما في «الفتح» أيضًا: أنه يغْتَفر للشَّخْص فِي بعض الْأَحْوَال مَالا يُغْتَفَرُ فِي بَعْضٍ كَحَالَةِ الْغَضَبِ وَالْأَسَفِ الْغَضَبِ.الخ.