بسم الله الرحمن الرحيم
اختصار الدرس الخامس من الأمثال في القرآن
﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)﴾ [العنكبوت: 41].
هذه الآية الكريمة لها نظائر في القرآن في ضعف من يعتمد عليه المشركون من المعبودات سوى الله. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) ﴾ [مريم: 81-82]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) ﴾ [يس: 74-75]. وَقَالَ: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) ﴾ [هود: 101].
فهؤلاء لا يحصل لهم إلا ضد ما أرادوا من الذلة وعدم النصرة وعدم الشفاعة، فهي لا تملك لعابديها نفعًا ولا ضرًّا، وإنما يزدادون بها ضعفًا.
هذا المثل الذي في سورة العنكبوت يفيد ضعف الذين يلجأ إليهم المشركون، وأن هذا يشبه العنكبوت التي اتخذت بيتًا واهنًا، لا يقيها من حر ولا برد ولا ضرر، فما اتخذوهم أولياء وعبدوهم من دون الله في غاية الضعف لا تملك لعابديها نفعًا ولا ضررًا، كما أن بيت العنكبوت في غاية الوهاء والضعف، فكيف يترك من بيده النفع والضر والتدبير والخلق والإحياء والإماتة، ويعتمد على ضعيف حقير.
من فوائد هذه الآية:
-تشبيه المعقول بالمحسوس.
- أنه لا بيت أوهن من بيت العنكبوت يصير هباء من أدنى لمسة.
-أن المؤمن متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.
-تجهيل المشرك في عقيدته وعبادته، إذ لو علم أن هذه المعبودات من دون الله لا تنفع ولا تضر ولا تغني عنه شيئًا، وأنها لا تزيده إلا ضعفًا وهلاكًا لما أشرك بالله.
- الآية فيها دليل على بطلان الشرك.
أركان التشبيه في الآية:
المشبَّه: المشركون الذين يتخذون أصنامًا يعبدونهم من دون الله.
المشبَّهُ به: العنكبوت، وقيل: نسج العنكبوت. وهذا نقله أبو حيان عن الزمخشري ثم تعقَّبه، كما في «البحر المحيط» (8/358).
أداة التشبيه: الكاف.
وجه التشبيه: من حيث التعب وإجهاد النفس من غير نفع ولا فائدة.
سؤال: كيف نفى الله عن المشركين علمهم بوهن بيت العنكبوت بقوله: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ وهم يعلمون ذلك؟
أجاب عنه ابن القيم في « الأمثال»، وقال: (فَالجَوَابُ: أَنَّهُ سُبحَانَهُ لَمْ يَنفِ عَنهُم عِلمَهُم بِوَهَنِ بَيتِ العَنكَبُوتِ، وَإِنَّمَا نَفَى عِلمَهُم بَأَنَّ اتِّخَاذَهُم أَولِيَاءَ مِنْ دُونِهِ كَالعَنكَبُوتِ اتَّخَذَت بَيتًا، فَلَو عَلِمُوا ذَلِكَ لَمَا فَعَلُوهُ، وَلَكِن ظَنُّوا أَنَّ اتِّخَاذَهُم الأَولِيَاءَ مِنْ دُونِهِ يُفِيدُهُم عِزًّا وَقُوَّةً، فَكَانَ الأَمرُ بِخِلَافِ مَا ظَنُّوا).
إذًا نفي العلم ليس المراد به علمهم بوهن بيت العنكبوت، وإنما معرفة ضعف الذين اتخذوهم من دون الله أولياء.
وهذه الآية بعدها قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [العنكبوت: 42]. وفيها تأكيد للآية التي قبلها فهي تدل على أنما يعبد من دون الله –أي: من غير الله-ليس بشيء، فكيف يعبد الإنسان شيئًا ليس بشيء، ويترك عبادة ربه الذي بيده الخلق والرزق والملك والنفع والضر.
ثم ذكر سبحانه آية تليها فيها الحث على تدبر الأمثال، قال سبحانه: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]. أي: المثل السابق وغيره من أمثال القرآن. وفي هذه الآية: أهميَّة ضرب الأمثال، وأن المقصود من ضرب الأمثال: التوضيح والتقريب للأفهام، وأن الأمثال لا يعقلها إلا العالمون بالله.
وهي من أدلة فضل العلم وأهله.