جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 17 ديسمبر 2021

(35) نصائح وفوائد

 

العزيمة وترك التسويف

إن شرعنا الحكيم يحثنا على العزيمة، و ترك التسويف في الأعمال، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾ [آل عمران: 133]. [الأنبياء: 90].

ونبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يحثنا على الهمة والعزيمة، ويحذرنا من التسويف في الأعمال، روى البخاري (6412) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ».

وروى الإمام مسلم (2664) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ» الحديث.

احرص على ما ينفعك، ابذل الجهد في منافعك ومصالحك الدينية والدنيوية، وفيه الحث على ترك التسويف في الأعمال الصالحة.

وقد كان النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الذي هو أُسوتنا وقدوتنا-أكمل الناس عبادةً، وأشدهم مسارعة إلى الخير، روى البخاري (851)عَنْ عُقْبَةَ بن الحارث، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: «ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ».

«تِبْرٍ» التبر: الذهب. «فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي» أي: يشغلني.

وهكذا كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يربي الصحابة على المسارعة إلى الخير، وترك التسويف في الأعمال، ومن هذا:

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا [المائدة: 93] الآيَةَ». رواه البخاري (2464ومسلم (1980). مباشرة كفَّ الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم عن شرب الخمر، وما ترددوا طرفة عين، أو قالوا: نشرب هذا الكاس ثم نتوب.

وثبت عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31] شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا» رواه البخاري (4758).

يعني: مبادرة فورًا إلى الحجاب من غير تسويف، ومن غير مشاورة، هذا دين الله عَزَّ وَجَل، هذا حق الله عَزَّ وَجَل، هذا لا يكون فيه مشاورة. تقولين: أنا أشاور، وهذا أيضًا من التسويف في الأعمال.

حياة الصحابة حياة جد وعزيمة، حياة عالية وهمم رفيعة، رجالًا ونساءً، حتى إنهم كانوا يتسابقون في البِشارات الخيرية ولا يتأخرون ولا يسوِّفون، فإن البشارة بالخير من أجلِّ القربات والطاعات، ففي قصة توبة كعب بن مالك عندما تخلف عن غزوة تبوك جاء الصحابة يبشرونه، قال: «سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ» رواه البخاري ومسلم.