جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

(3) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اختصار الدرس الثالث من الأمثال في القرآن

قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾ الآية [يونس:24].

﴿ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ الباء سببية، أي: بسببه.

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا قال ابن جرير رَحِمَهُ الله في «تفسيره»(12/150): يَعْنِي: ظَهَرَ حُسْنُهَا وَبَهَاؤُهَا. اهـ.

﴿وَازَّيَّنَتْ أي: بجميع الألوان: الأخضر، الأحمر، الأصفر، الأبيض، الأسود، من كل الأصناف والألوان.

﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا أي: أيقن، فالظن يأتي بمعنى اليقين. ويأتي بمعنى: ترجيح أحد الطرفين.

﴿ أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيْهَا أي: على حصادها والانتفاع بها.

﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أي: هلاكها بسبب برد، أو حرٍّ شديد، أو مطر، أو صاعقة، أو ريح شديدة، أو جراد، أو بما شاء سبحانه.

﴿ كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِأي: كأن لم تكن بالأمس. قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ الله في تفسير سورة يونس: وَهَكَذَا الْأُمُورُ بَعْدَ زَوَالِهَا كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ.

﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ قال ابن كثير رَحِمَهُ الله في «تفسيره»(4/260): قَالَ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ أَيْ: نُبَيِّنُ الحُجج وَالْأَدِلَّةَ، ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فَيَعْتَبِرُونَ بِهَذَا الْمَثَلِ فِي زَوَالِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِهَا سَرِيعًا مَعَ اغْتِرَارِهِمْ بِهَا، وَتَمَكُّنِهِمْ بِمَوَاعِيدِهَا وتَفَلّتها مِنْهُمْ، فَإِنَّ مِنْ طَبْعِهَا الْهَرَبَ مِمَّنْ طَلَبَهَا، وَالطَّلَبَ لِمَنْ هَرَبَ مِنْهَا. اهـ.

وخص به سبحانه أهل الفكر، كما قال ابن جرير رَحِمَهُ الله في «تفسيره» (12/151): لِأَنَّهُمْ أَهْلُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأُمُورِ وَالْفَحْصِ عَنْ حَقَائِقِ مَا يَعْرِضُ مِنَ الشُّبَهِ فِي الصُّدُورِ. اهـ.

شبه الله الحياة الدنيا بالماء أو بنبات الأرض على قولين للمفسرين التي ظهرت بهجتها ونضجت ثمارها، حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها، وفي النهاية أتاها أمر الله فذهبت من بين أيديهم بعد ما كانت لها مناظر عجيبة، قد ملأت قلوبهم فرحًا وعيونهم سرورًا، فكذلك حالة الدنيا أيامها قليلة ومآلها إلى الزوال والفناء، بغتة كأن لم تكن.

فهذا حال الدنيا تحلو في النفس وتَغُرُّ بزخارفها، ولكنها أيام يسيرة ثم تفنى، وكأن لم تكن.

أركان التشبيه في هذه الآية: المشبه: الدنيا، وأداة التشبيه: الكاف ﴿ كَمَاءٍ ﴾، والمشبَّه به: نبات الأرض الذي كان بهجة للناظرين ثم صار حصيدًا، وقيل: المشبه به: الماء. ووجه التشبيه هنا بين الدنيا والنبات أو الماء على القول الآخر: أن هذا النبات أو الماء لا يبقى على حالة واحدة، ما هي إلا أيام قليلة ثم يزول ويذهب، وكذلك حال الدنيا ما هي إلا أيام قليلة ثم تذهب وتفنى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعض فوائد هذه الآية (24):

·         سرعة زوال الدنيا وفنائها.

·         قصر الأعمار، فإذا كانت الدنيا سريعة الفناء فكيف بالأعمار التي هي ما بين الستين إلى السبعين، كما هو الغالب في أعمار هذه الأمة، حتى إن المفرطين في أعمارهم كأنهم لم يلبثوا في هذه الدنيا إلا عشية أو ضحاها أو يومًا أو بعض يوم، فلا نغتر بالحياة الدنيا.

·         التزهيد في الدنيا وعدم الاغترار بها، فمهما أقبلت وتزينت فمآلها إلى الفناء، وقد جعل الله زينة الدنيا وزخارفها اختبارًا وابتلاءًا لنا (أيهم أحسن عملًا).

·         الحث على التأمل في الحياة الدنيا، وأنها دار سفر ودار ممرٍّ نعبر عليها إلى دار القرار، وهذا مما يجعل في القلب الحذر من الركون إلى الدنيا والوثوق بها.

·         ومن الفوائد ردع الظالم المفسد من ظلمه وبغيه، فالأيام قليلة والأعمار يسيرة، يذهب الإنسان وليس معه إلا ما قدم.

·         الحث على تقصير الأمل، وابن آدم بطبيعته طول الأمل، فالأمل بعيد ولكن الأجل قريب، وإن من أعظم الأسباب التي تبعث على طول الأمل: حب الدنيا، والتقدم في السن، يقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَزَالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الأَمَلِ» رواه البخاري (6420ومسلم (1046) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

·         أن الدنيا بعدها أُخرى، فالدنيا مزرعة للآخرة، فيجب أن نعرف ما وراء هذه الدنيا، وأن وراءها آخرة وجنة أو نار.

·         فيه الحث على التفكر في آيات الله وفي الأمثال المضروبة.

·         وفيه قدرة الله عَزَّ وَجَل فإنه يحيي الأرض بعد موتها ويبسها.

·         الرد على منكري البعث من الملاحدة والكفرة، فالذي يحيي الأرض بعد موتها قادر سبحانه على البعث والنشور.

·         عجز ابن آدم أمام قدرة الله عَزَّ وَجَل.