جديد الرسائل

الأحد، 23 مايو 2021

(4)من أحكام الجنائز

 عَدَمُ قَبولِ التَّوبَةِ عند  حضورِ الموت

قال الله تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ[النساء:18].

ويُشكل على هذا الحديث الآتي:

عَنِ سعيد بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ وهو: المسيب بن حزْن، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالا يُكَلِّمَانِهِ، حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ» فَنَزَلَتْ: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ [التوبة: 113]. وَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56].رواه البخاري(3884 ومسلم(24).

والجواب عنه أن قوله: «لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ» قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»: الْمُرَادُ قَرُبَتْ وَفَاتُهُ وَحَضَرَتْ دَلَائِلُهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ وَالنَّزْعِ، وَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الْمُعَايَنَةِ وَالنَّزْعِ لَمَا نَفَعَهُ الْإِيمَانُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ[النساء:18]، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ مُحَاوَرَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ.

 قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ الْحُضُورَ هُنَا عَلَى حَقِيقَةِ الِاحْتِضَارِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَا بِقَوْلِهِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ أَنْ تَنَالَهُ الرَّحْمَةُ بِبَرَكَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وقال الحافظ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في « فتح الباري» (8/506): يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ انْتَهَى إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، لَكِنْ رَجَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَلَوْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ بِخُصُوصِهِ، وَتَسُوغُ شَفَاعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِمَكَانِهِ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ: أُجَادِلُ لَكَ بِهَا وَأَشْفَعُ لَكَ، وَيُؤَيِّدُ الْخُصُوصِيَّةَ أَنَّهُ بَعْدَ أَنِ امْتَنَعَ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ وَقَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكِ الشَّفَاعَةَ لَهُ، بَلْ شَفَعَ لَهُ حَتَّى خُفِّفَ عَنْهُ الْعَذَابُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِصِ فِي حَقِّهِ. اهـ.

ونستفيد ما تقدم: الحث على التوبة من الذنوب قبل فواتِ الفُرصَة.