◆◇◆◇◆◇
قراءة الفاتحة في صلاة الفريضة
قراءة الفاتحة واجبة في كل الركعات وهذا قول الجمهور، لحديث المسيء صلاته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» وفي آخره «وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» رواه البخاري (757)، ومسلم (397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وقوله: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» هذا مُفَسَّر بسورة الفاتحة في حديث «إِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ» رواه أبو داود (859) عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ.
وخالف أبوحنيفة وجماعة وقالوا: لَا تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ أَبَدًا. ودليلهم قول الله: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾ [المزمل: 20]. وحديث: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ». وتقدم الدليل على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأيضًا للحديث «لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» رواه البخاري (756)، ومسلم (394) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
والحنفية عندهم لا يلزم القراءة في الركعتين الأخريين، وقالوا: إن شاء قرأ، أو سبح، أو سكت. ويرده ما تقدم قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن قال: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ»، ثم قال: «وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا».
◆◇◆◇◆◇
قراءة سورة بعد الفاتحة في ركعتي الفجر والأوليين من باقي الصلوات
أكثر العلماء على الاستحباب وذلك لأن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة، كما في حديث أبي قتادة قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي العَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» رواه البخاري (759)، ومسلم (451).
وأما من حيث الوجوب فلا يجب، فلو اقتصر على الفاتحة أجزأه، لكنه خالف الأفضل، والدليل عن جابر في قصة معاذ بن جبل في تطويله في القراءة، وفيه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لِلْفَتَى: «كَيْفَ تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ؟» قَالَ: أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا دَنْدَنَتُكَ وَلَا دَنْدَنَةُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي وَمُعَاذًا حَوْلَ هَاتَيْنِ» الحديث رواه أبو داود (793).
وأيضًا من الأدلة: أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ». مفهوم الحديث: أنه تحسَب له الصلاة إذا اكتفى بأم القرآن.
◆◇◆◇◆◇
قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأُخريين
أكثر العلماء على أن ذلك غير مستحب. قال ابن رجب في «فتح الباري»(7/79) وهذا هو الصواب؛ لحديث أبي قتادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المتفق عليه: «وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
وقال بعض أهل العلم باستحبابه ودليلهم حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الذي رواه مسلم (452) قال: «كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ ﴿الم تَنْزِيلُ﴾ السَّجْدَةِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ».
ولكن حديث أبي سعيد ليس بصريح في الزيادة على الفاتحة في الأخريين، والله أعلم.
وقد سألت والدي رَحِمَهُ الله عن هذه المسألة، فقال: لا يقرأ غير الفاتحة؛ لأن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يقتصر على قراءة الفاتحة في الركعتين الأخريين، واستدل بحديث أبي قتادة المتقدم.
وأجاب عن حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه محتمل أن يكون النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رتَّل الفاتحة حتى طالت القراءة.
◆◇◆◇◆◇
تطويل القراءة في الركعة الأولى على الثانية
قال النووي: (وَهَلْ يُطَوِّلُ الْأُوْلَى عَلَى الثَّانِيَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يُطَوِّلُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطَوِّلُ فِي الْأُوْلَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ)
في المسألة خلاف:
من أهل العلم من ذهب إلى تطويل الركعة الأولى على الآخرة. وهذا قول الثوري وأحمد وإسحاق وغيرهم، وإليه ذهب ابن حزم في «المحلى» مسألة (447).
وقال مالك والشافعي: يُسوِّي بين الركعتين الأوليين في جميع الصلوات؛ لقول سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه: «أَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ» رواه البخاري (755).
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يطيل سوى الركعة الأولى من الفجر؛ لأنه وقت غفلة ونوم، ويسوي بين الركعات في سائر الصلوات.
وبوب الإمام البخاري رَحِمَهُ الله في «صحيحه»: (بَابٌ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى) ثم أخرج حديث (779) عن أبي قتادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ».
ويدل لذلك قراءة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة فجر يوم الجمعة، كان يقرأ في الأولى بسورة السجدة وفي الثانية بسورة الإنسان، وفي صلاة الوتر يقرأ في الأولى بـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) ﴾ [الأعلى]. وفي الثانية بالكافرون، والثالثة بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) ﴾ [الإخلاص]. فهذا هو الغالب في صلاة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل الركعة الأولى عن الثانية.
◆◇◆◇◆◇
المأموم المسبوق ببعض الركعات
قول جمهور العلماء إذا قام المأموم إلى الاتيان بما بقي استُحب له أن يقرأ سورة بعد الفاتحة، ومن أهل العلم من قال: يقتصر على الفاتحة في الركعتين الأخريين، وهذا قولٌ للإمام أحمد، وهو قول إسحاق والمزني.
وهذا هو الصواب؛ لحديث أبي قتادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المتفق عليه: «وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، والمصلي كما هو معلوم يبدأ بأول صلاته مع الإمام دون آخرها فعلى هذا: آخر الصلاة التي صلاها منفردًا يصليها بدون زيادة على الفاتحة، كما يفعل غير المسبوق، والله أعلم.
◆◇◆◇◆◇
قراءة المأموم للفاتحة
يجب على المأموم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية؛ لقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ»، وللحديث الذي رواه أبو داود (823)، والترمذي (311)، وأحمد (37/343) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أن النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ» قُلْنَا: نَعَمْ هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا».
أما الذين قالوا: لا تقرأ سورة الفاتحة في الصلاة الجهرية فدليلهم قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾[الأعراف: 204]، وبعض الأحاديث كحديث: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا». لكن هذه الزيادة شاذة، كما حكم عليها جمع من الحفاظ. والجواب عن الآية: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾، والحديث لو ثبت أنهما عامان مخصوصان بفاتحة الكتاب.
وأبعد أبو حنيفة رحمه الله وقال: لا يجب على المأموم قراءة الفاتحة في السرية، ولا في الجهرية واحتج بحديث: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ». أخرجه البيهقي (2/159)، والدارقطني، وهو حديث ضعيف.
◆◇◆◇◆◇
قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى من صلاة الجنازة
الصحيح أنه يجب قراءة سورة الفاتحة في صلاة الجنازة، وقد ذكر شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله أقوال العلماء في هذه المسألة في «الفتاوى الكبرى»(2/121)، وقال: وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثِةِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: لَا تُسْتَحَبُّ بِحَالٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ.
وَقِيلَ: بَلْ يَجِبُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ بِالْفَاتِحَةِ. كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
وَقِيلَ: بَلْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِيهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ بَلْ دَعَا بِلَا قِرَاءَةٍ جَازَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع» (5/318): والفاتحة في صلاة الجنازة ركن؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ»، وصلاة الجنازة صلاة؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة]، فسماها الله صلاة، ولأن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ الفاتحة على جنازة، وقال: «لتعلموا أنها سنة». اهـ.
◆◇◆◇◆◇
عدم الجهر بالقراءة في صلاة الجنازة
هذا هو الصحيح في صلاة الجنازة سواء صليت في الليل أو النهار، وأما ما جاء في «صحيح البخاري» (1335) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ قَالَ: «لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ».
فابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قد ذكر السبب في الجهر، وهو التعليم، فلا بأس بالجهر أحيانًا للتعليم، كما فعل ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وإذا قرأ بعدها سورة فهذا ثابت، روى النسائي (1987) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ وَجَهَرَ حَتَّى أَسْمَعَنَا، فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «سُنَّةٌ وَحَقٌّ».
العاجز عن قراءة الفاتحة
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، قَالَ: «قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي»، فَلَمَّا قَامَ قَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنَ الْخَيْرِ». دلَّ هذا الحديث أن الذي يحفظ شيئًا من القرآن يقرأ، فإن عجز قرأ هذا الذكر.
ونستفيد: الردُّ على من قال: من لا يستطيع قراءة الفاتحة يأتي بقدر الفاتحة من القرآن، فإن لم يحسن أتى بقدرها من الأذكار: كالتسبيح، والتهليل، ونحوهما. فإن لم يحسن شيئًا، وقف بقدر الفاتحة ثم يركع. ووجهُ الردِّ أنه ما حدَّدَ فيه شيئًا.
وأما قول أن من عَجَزَ عن قراءة الفاتحة وكان يُحسن غيرها من القرآن يأتي بقدرها من غيرها من القرآن، فهذا استحسان.
قال ابنُ حزم رحمه الله في كتابه «المحلى» تحت مسألة (365): قال بعض القائلين: يقرأ بمقدار سبع آيات من القرآن، أو يذكر الله تعالى مقدار سبع آيات.
قال ابن حزم: وقَصَدَ بذلك التعويض من أم القرآن، والتعويض من الشرائع باطل، إلا أن يوجبه قرآن أو سنة، ولا قرآن ولا سنة فيما ادَّعى، ولو كان قياس هذا القائل صحيحًا، لوجب ألا يجزئ من عليه يوم من رمضان إلا يوم بطول اليوم الذي أفطره، وهذا باطل... إلخ كلامه رحمه الله.
◆◇◆◇◆◇
جواز الجمع بين سور في ركعة واحدة
لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقرُنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، كُلُّ سُورَتَيْنٍ فِي رَكْعَةٍ.رواه البخاري (4996)، ومسلم (822).
وحمل بعض أهل العلم هذا الحديث على صلاة النافلة، ولكن ظاهره عدم التقييد بالنافلة.
ويدل للجواز حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَقْرَأُ بِهَا، افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ له: «يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ». رواه الترمذي (2901).
ويشمله أيضًا قوله تعالى: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾ [المزمل:20].
قال ابن رجب في «فتح الباري» (7/74): وأكثر العلماء على أنه لا يكره الجمع بين السور في الصلاة المفروضة. اهـ.
◆◇◆◇◆◇
الجهر بالقراءة في الصلاة
ذهب الشافعية، والجمهور إلى استحباب الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية للإمام والمنفرد. ومن أهل العلم من قال بالتخيير في حق المنفرد بين الجهر والإسرار، وهذا قول الحنابلة.
وأما المأموم فلا يجهر بالاجماع لحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الظُّهْرِ-أَوِ الْعَصْرِ-فَقَالَ: «أَيُّكُمْ قَرَأَ خَلْفِي بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا الْخَيْرَ، قَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» رواه مسلم (398).
الجهر بالقراءة في صلاة كسوف القمر والشمس
قول جمهور أهل العلم أنه يجهر في صلاة كسوف القمر، ويسر في صلاة كسوف الشمس. واستدلوا على الإسرار بحديث ابن عباس المتفق عليه البخاري (1052)، ومسلم (907): أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم حين انكسفت الشمس؛ فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة... الحديث.
والشاهد: أنه لو جهر النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة ما احتيج إلى تقدير القراءة.
وأيضًا قالوا: صلاة كسوف الشمس نهارية، والأصل في صلاة النهار الإسرار.
ولكن بوب البخاري في «صحيحه»، باب: الجهر في الكسوف. قال الحافظ ابن حجر: أي: سواء كان للشمس أو للقمر. ثم أخرج البخاري (1065)، -وهو عند مسلم (901)-عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، «جَهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ».
وهذا قول صاحبي أبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم.
فالصحيح أنه يجهر في كسوف القمر وفي كسوف الشمس.
الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء
لحديث عبد الله بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عند البخاري (1024) قال: «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلَى القِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ».
وأخرجه مسلم (894) بدون لفظة: «جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ».
ونقل ابن بطال في «شرح البخاري» (3/106) الإجماع على الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء.
حكم الجهر بالقراءة في نوافل النهار
الأصل في نوافل النهار أنها سرية فلا يجهر في الرواتب، ولا في صلاة الضحى، ولا غير ذلك...، إلا ما جاء به الدليل كصلاة الاستسقاء.
◆◇◆◇◆◇
حكم صلاة العيد
صلاة العيدين نافلة عند الجمهور؛ لما رواه البخاري (46)، ومسلم (11) عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» الحديث.
والصحيح أن صلاة العيد واجبة على الأعيان؛ لما يأتي من الأدلة:
-عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ» رواه البخاري (974)، ومسلم (890).
-عن أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ». رواه أبو داود (1157). وهو في «الصحيح المسند» (1516) لوالدي رَحِمَهُ الله.
قال صديق حسن خان رحمه الله في «الروضة الندية» (1/142): من الأدلة على وجوبها-أي وجوب صلاة العيد-أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد وما ليس بواجب لا يسقط ما كان واجبًا. اهـ.
وقد ذهب إلى أن صلاة العيد فرضٌ على الأعيان شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (23/161)، وهو ظاهر كلام ابن القيم في كتاب «الصلاة» (39). وهو قول الشوكاني في «السيل الجرار»(192)، والشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة»(3955)، وفي «تمام المنة» (344).
وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» فهذا المراد به ما يتكرر بتكرر اليوم والليلة، وأما صلاة العيد فهي في السَّنَة مرتين. وقد ذكر هذا المعنى ابن القيم رحمه الله في كتاب «الصلاة ».
◆◇◆◇◆◇
الجهر والإسرار في القراءة في صلاة الليل
إذا كان منفردًا فالأمر واسع جهر أو أسرَّ، كما ثبت عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ؟ أَكَانَ يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ أَمْ يَجْهَرُ؟ فَقَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ، وَرُبَّمَا جَهَرَ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً. رواه الترمذي (449) وذكره والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله وهو في «الصحيح المسند» تحت رقم (1575).
ولكن إذا كان يعينه الجهر بالقراءة على التدبر والخشوع فينبغي له أن يجهر؛ لأن الخشوع لب الصلاة ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ [المؤمنون].
وأما الإمام فصلاة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم تدل على الجهرية، كحديث حذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
◆◇◆◇◆◇
من فاتته صلاة هل يعتبر وقت الفوات أم وقت القضاء في الجهر بالقراءة أو الإسرار؟
الصواب أنه يعتبر وقت الفوات، ونذكر هنا دليلَين اثنين:
-عن أبي قتادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة نومهم عن صلاة الفجر، حتى طلعت الشمس، قال: ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» رواه مسلم (681) ورواه البخاري (595) مختصرًا.
فقوله (كما كان يصنع كل يوم) يدل على أن صلاة الفائتة تكون كصلاتها في وقتها المعلوم.
-عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» رواه البخاري (597)، ومسلم (684) واللفظ لمسلم.
فالمعتبر في هذا وقت الفوات، فمثلًا: من لم يستيقظ إلا بعد صلاة الفجر يصليها جهرًا، أو نام عن صلاة العصر فلم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس يصليها سِرًّا.
والصلاة الفائتة في حق الناسي والنائم أداء، وليست بقضاء؛ روى مسلم (684) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا».
وقد نبه على ذلك الصنعاني والشوكاني في شرحيهما: «سبل السلام»، و«نيل الأوطار»، في مظان هذه المسائل. وكذا والدي رَحِمَهُ الله.
مسألة: إذا جهر في صلاة سرية هذا ليس من السنة، ولكن ليس عليه سجود سهو؛ لقول أبي قتادة رضي الله عنه في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر: وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا. كما ذكر هذا الصنعاني في «سبل السلام» (1/261).
وقال الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوى» (14/81): ولا يجب عليه سجود السهو في هذه الحال، ولكن إن سجد فلا حرج.
◆◇◆◇◆◇
حكم إسماع النفس للقراءة في الصلاة
قول الشافعية أنه لابد في الصلاة السرية أن يقرأ بلسانه وأن يسمِع نفسَه.
والصحيح أن إسماع النفس للقراءة لا يلزم، الأدلة جاءت في القراءة بالنطق باللسان، أما اشتراط أن يسمع نفسه فهذا شيء زائد لم يأت به الدليل. وهذا قول جماعة من العلماء، وقد قوَّاه ابن القيم ورجحه ابن عثيمين.
◆◇◆◇◆◇
السكتات في حال القيام في الصلاة
-السكتة الأولى: (بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِيَقْرَأَ دُعَاءَ التَّوَجُّهِ، وَلِيُحرِمَ المَأمُومُونَ) هذا ثابت عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، والدليل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «أَقُولُ: اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ» الحديث رواه البخاري (744)، ومسلم (598).
-السكتة الثانية: (عُقَيبَ الْفَاتِحَةِ سَكْتَةً لَطِيفَةً جِدًّا، بَيْنَ آخِرِ الْفَاتِحَةِ، وَبَيْنَ آمِينَ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ (آمِينَ) مِنَ الْفَاتِحَةِ).
-السكتة الثالثة: (بَعْدَ (آمِينَ) سَكْتَةً طَوِيلَةً بِحَيْثُ يَقْرَأُ المَأمُومُونَ الْفَاتِحَةَ) هذه السكتة الطويلة معتمدة على حديث ضعيف. وهو ما أخرجه أبو داود (779) عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، تَذَاكَرَا فَحَدَّثَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «سَكْتَتَيْنِ: سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]»
وهذا حديث منقطع؛ الراوي عن سمرة الحسن البصري. وهو لم يسمع من سمرة سوى حديث العقيقة. وعليه: فهذه السكتة لا دليل لها يصح، فلا يقال باستحبابها، كما هو قول أحمد في رواية عنه، كما لا يستحبها مالك وأبو حنيفة.
وصرح شيخ الإسلام أن السكوت بعد آمين سكتة طويلة تتسع لقراءة الفاتحة بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت كذلك لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل هذا أحد عُلم على أنه لم يكن.
-السكتة الرابعة: (بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السُّورَةِ يَفْصِلُ بِهَا بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْهَوِيِّ إِلَى الرُّكُوعِ)
وقد ذهب الإمام مالك إلى أنه لا سكوت في الصلاة، ولا يستحب عنده استفتاح ولا بسملة ولا استعاذة.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس فيها إلا سكوت واحد للاستفتاح.
وذهب بعضهم إلى أن فيها سكتتين: سكتة الاستفتاح، والسكوت عند الفراغ من القراءة؛ للاستراحة، والفصل بينها وبين الركوع. وهذا اختيار شيخ الإسلام.
◆◇◆◇◆◇
التأمين بعد قراءة الفاتحة
(آمين): اسم فعل أمر بمعنى اللهم استجب وهذا القول المشهور.
يستحب التأمين في الصلاة
ودليل الاستحباب:
-عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: «إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فقولُوا آمين، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).
-عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: «مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ» رواه الإمام أحمد، وابنُ ماجه.
والمأموم يجهر بالتأمين ولا يُسر؛ لقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾[الْفَاتِحَةِ]، فَقُولُوا: آمِينَ».
وتأمين الإمام والمأموم يكون في وقتٍ واحدٍ هو قول الجمهور.
قال الشوكاني في «نيل الأوطار»(2/258) عن قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَأَمِّنُوا»: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَأْخِيرِ تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ عَنْ تَأْمِينِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَهُ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ، لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُقَارَنَةُ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ.
التأمين في غير الصلاة بعد قراءة الفاتحة
هذا مختلف فيه، وقد دل قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ: آمِينَ. وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ. فَوَافَقَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى. غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه مسلم (410) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-أنه يقال في الصلاة وليس خارج الصلاة. والله أعلم.