جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 10 أبريل 2021

(47)اختصار الدرس السابع والأربعين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

 فِي آدَابِ القِرَاءةِ

◆◇◆◇◆◇

حكم قراءة القرآن يراد به الكلام

 أي: لا التلاوة والاستدلال.

والتخاطب بألفاظ القرآن الكريم في بعض الأحيان هذا لا مانع منه، مثل أن يقول لخصمه: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)﴾[الشعراء]. أو يقول للزوار عند دخول منزله: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) ﴾[ الْحَجَرُ ]. وهكذا يخاطب الضعيف: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم: 12].

 والممنوع الاسترسال في هذا، أو أن يجعل بدلًا من الكلام، وقد عَدَّ هذا ابن الجوزي من تلبيس إبليس في كتابه «تلبيس إبليس» (141).

وقال الشيخ ابن عثيمين في «الشرح الممتع» (3/132) عن هذه المسألة: قال أهل العلم: يحرم جعل القرآن بدلًا من الكلام، وأنا رأيت زمن الطلب قصة في «جواهر الأدب» عن امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن وتعجب الناس الذين يخاطبونها وقالوا لها: أربعون سنة لم تتكلم إلا بالقرآن؛ مخافة أن تزل فيغضب عليها الرحمن.

نقول: هي زلَّت الآن فالقرآن لا يجعل بدلًا من الكلام، لكن لا بأس أن يستشهد الإنسان بالآية على قضية وقعت، كما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب فخرج الحسن والحسين يعثران بثياب لهما، فنزل فأخذهما، وقال: «صدق الله: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾[التغابن: 15]».

فالاستشهاد بالآيات على الواقع إذا كانت مطابقة تمامًا، لا بأس به. اهـ.

وإذا كان على وجه الاستخفاف والسخرية فهذا كفر، قال تعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ الله كما في «مختصر الفتاوى المصرية» (578): ثمَّ إِن خرجه مخرج الاستخفاف بِالْقُرْآنِ والاستهزاء بِهِ كفر صَاحبه، وَأما إِن تَلا الْآيَة عِنْد الحكم الَّذِي أنزلت لَهُ أَو يُنَاسِبه من الْأَحْكَام فَحسن.. اهـ.

◆◇◆◇◆◇

مسألة: إذا كان في الصلاة وطرأ له شيء فذكر آية من الآيات، إن فعل هذا بِنِيَّةِ التلاوة، أو التلاوة والإعلام فهذا لا تبطل صلاته، وأما إن أراد الإعلام- أي: التنبيه- فحسب، قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (4/83): إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ وَحْدَهُ فَتَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ. اهـ.

ويدل لهذا أدلة تحريم الكلام في الصلاة: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) [البقرة]. وقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلًا». رواه البخاري (1216ومسلم (538) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه.

◆◇◆◇◆◇

مسألة: رفع المرأة صوتها ببعض الآيات التي تقرأها في الصلاة؛ لقصد تنبيه ولدِها أنها تصلي أو غيره، مثلًا تكون تقرأ الفاتحة فترفع صوتها عند قول: ﴿ولا الضالين   ونحوه، أو ترفع صوتها إذا كبَّرت للركوع، هذا جائز لكن تنوي بذلك ذِكر الله، ولا يكون مجرد تنبيه.

وسواء كانت الصلاة جهرية أو كانت الصلاة سرية أيضًا لا بأس؛ لحديث أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا» رواه البخاري (762 ومسلم (451 فهذا الحديث فيه: أنه لا بأس برفع الصوت ببعض الآيات في الصلاة السرية.

والأولى أن تصفِّق المرأة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» رواه البخاري (684ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه.

ولها التسبيح إذا لم يسمعها الرجال، فقد روى البخاري(86 ومسلم (905) عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ: نَعَمْ. الحديث.

 ◆◇◆◇◆◇

حكم قطع قراءة القرآن لهذه الأسباب الآتية:

إذا كان يقرأ القرآن ماشيًا، ثم مرَّ بقوم استُحب له أن يلقي السلام عليهم. لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ، قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ» الحديث، رواه مسلم (2162).

فإذا قطع القراءة قطع ترك، يعيد الاستعاذة. وإن قطعها لعذر عازمًا على العود، كفاه التعوذ الأول، ما لم يطل الفصل.

◆◇◆◇◆◇

حكم إلقاء السلام على القارئ الجالس والرد

إذا كان يقرأ وهو جالس، فمر عليه أحد وسلم عليه يرد السلام؛ لعمومات الأدلة، كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾[النساء: 86].

وهل الأولى عدم إلقاء السلام على القارئ؟

هذا ذهب أبو الحسن الواحدي إلى أن الأولى ترك السلام وهذا يرده الدليل: فقد جاء عند النسائي في «السنن الكبرى» (7981) عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ. الحديث. قال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «أصل صفة الصلاة» (2/578): هذا سند صحيح.

قال ابن كثير: فيه دلالة على السلام على القارئ.

قال العلامة الألباني رَحِمَهُ الله: وهذه فائدة عزيزة، قلما توجد في حديث، وفيه: رد على من منع السلام على القارئ من علمائنا. اهـ المراد.

وإذا كان لا يُكره إلقاء السلام على المصلي جاز إلقاؤه على القارئ من غير كراهة من باب أولى، فقد دلت الأدلة أن الصحابة كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولم ينكر عليهم.

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ لَهُ فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللهُ أَعْلَمُ بِهِ، الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ: أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي» رواه البخاري (1217).

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» شرح هذا الحديث: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ: كَرَاهَةُ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي؛ لِكَوْنِهِ رُبَّمَا شُغِلَ بِذَلِكَ، فَكُرِهَ وَاسْتَدْعَى مِنْهُ الرَّدَّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَكَرِهَهُ عَطاء وَالشعْبِيّ وَمَالك فِي رِوَايَة ابن وَهْبٍ، وَقَالَ فِي «الْمُدَوَّنَةِ»: لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمد وَالْجُمْهُور. اهـ.

قلت: وهذا هو الصواب أنه لا كراهة في إلقاء السلام على المصلي.

◆◇◆◇◆◇

هل القارئ يرد على من سلَّم عليه باللفظ أو بالإشارة؟

رد السلام بالإشارة هذا للمصلي وليس لقارئ القرآن، كما ثبت عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ» رواه الترمذي (368).

هذا الحديث دليل أن المصلي يرد بالإشارة لا بالنُّطْقِ.

وأما القارئ فيرد السلام باللفظ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَ. هذا فيه رد القارئ السلام بالنطق.

ويدل له أيضًا العمومات في الرَّدِّ باللفظ كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾[النساء: 86].

إذا ردَّ السلام القارئ هل يعيد الاستعاذة؟

 لا يلزم إعادة الاستعاذة؛ لأن الفاصل يسير جدًّا.

◆◇◆◇◆◇

حكم السلام  حال خطبة الجمعة

لا ينبغي للداخل يوم الجمعة والإمام يخطب أن يسلم؛ للنهي عن الكلام وقت الخطبة، ولئلا يشغل المستمعين.

 فإن خالف وسلم فلا يُرد عليه؛ لقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ». رواه البخاري (934ومسلم (851) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وهذا ترجيح العلامة الألباني في «حاشيته على سبل السلام» فإنه ذكر في تعليقه على حديث «فقد لغوت»، أنه صريح في أن الشارع اعتبر الأمر بالمعروف في حالة الخطبة لغوًا، مع كونه في الأصل واجبًا، وما ذلك إلا لأنه يصرف عما هو أهم، وهو الإنصات؛ فوجب أن يكون جواب التحية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مثل الأمر بالمعروف في الحكم حالة الخطبة؛ بجامع الاشتراك في أصل الحكم والعلة. اهـ.

ورد السلام واجب كفائي عند الجمهور، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين؛ لما أخرجه أبو داود (5210) وغيره عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُجْزِئُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، إِذَا مَرُّوا، أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ»، والحديث حسن بشواهده.

انظر: «الصحيحة» (778) للشيخ الألباني.

◆◇◆◇◆◇

حكم حمد الله للقارئ إذا عطس

يستحب أن يقول: الحمدلله لقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ». رواه البخاري (6224) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

وهذا عام للقارئ ولغيره.

إذا عطس المصلي في الصلاة

 ذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد إلى أنه يحمد الله في الصلاة، إلا أن مالكًا والشافعي يقولان: يحمد الله سرًّا، وعند أحمد جهرًا، ودليلهم: حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه عند أبي داود رقم (927 مع «عون المعبود»): أنه عطس رجل؛ فحمد الله.

وهذا من طريق فليح بن سليمان. وهو ضعيف، وعليه فلفظة: (فحمد الله) لفظة منكرة؛ لمخالفته لغيره من الثقات، في عدم ذكرها، والحديث أصله في مسلم بدونها (537).

وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول: يحمد الله العاطس في صلاته، ثم تراجع عن ذلك وضعَّف اللفظة الواردة في ذلك، والله أعلم.

والمسألة اتباع واعتماد على الأدلة الثابتة، فعلى هذا لا يحمد الله إذا عطس سواء سرًّا أو جهرًا.

وأما الأدلة العامة في قول العاطس: الحمد لله. فهي في خارج الصلاة.

◆◇◆◇◆◇

 القارئ يُشمِّت العاطس إذا حمد الله

يُشمته وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن تشميت العاطس مستحب، والصحيح الوجوب.

فيجب تشميت العاطس على كُلِّ من سمعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ». أخرجه البخاري (6223) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وللأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ».

وهذا قول ابن مزين من المالكية، وقال به جمهور أهل الظاهر، وقواه ابن القيم في «تهذيب السنن» (13/258) مع «عون المعبود». وهو قول والدي رحمه الله فقد سألته عن حكم تشميت العاطس، فأجاب: يجب تشميت العاطس، واستدل بهذا الحديث «فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ»

وذهب جمهور الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه فرض كفاية.

وذهبت الشافعية إلى أنه مستحب ويجزئ عن الواحد الجماعة.

◆◇◆◇◆◇

القارئ يقطع القراءة ويتابع المؤذن

يستحب له ذلك ويبادر إلى متابعة المؤذن؛ لقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» رواه مسلم (384).

ولا ينبغي التفريط في متابعة المؤذن؛ لما فيه من الخير والأجر العظيم.

هل يشرع المتابعة في الإقامة؟

في المسألة قولان:

الإمام النووي رَحِمَهُ الله يرى المتابعة في الإقامة، وهذا قول جماعة من أهل العلم، وهو قول الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله.

ودليلهم أن الإقامة تسمى أذانًا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» الحديث.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يتابع الإقامة؛ لأنها ليست بأذان، وإنما أطلق عليها أذانًا تغليبًا في قول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، ثَلاَثًا لِمَنْ شَاءَ». رواه البخاري (624ومسلم (838) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ. وهذا قول والدي رَحِمَهُ الله.

◆◇◆◇◆◇

من طُلِب منه حاجةٌ حال القراءة

نبه الإمام النووي رَحِمَهُ الله على أن القارئ إذا طلب منه حاجة واستطاع الرد بالإشارة، فينبغي أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة، وتكون بالإشارة التي يحصل منها الفهم سواء في الأمر أو النهي.

وهذا للأولى والأكمل. والله أعلم.

◆◇◆◇◆◇

حكم قيام القارئ إذا ورد عليه من فيه فضيلة أو من له حرمة وحق

 جزم الإمام النووي رَحِمَهُ الله بأنه لا بأس بالقيام على سبيل الاحترام والاكرام، لا للرياء والإعظام.

 النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يقام له، والدليل ما أخرجه أحمد (19/367) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ شَخْصًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ». وهو في «الجامع الصحيح» (52) لوالدي رَحِمَهُ الله.

قال ابن الجوزي كما نقله عنه ابن مفلح في «الآداب الشرعية»(1/407): وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا خَرَجَ لَا يَقُومُونَ لَهُ؛ لِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ. وَهَذَا كَانَ شِعَارَ السَّلَفِ ثُمَّ صَارَ تَرْكُ الْقِيَامِ كَالْإِهْوَانِ بِالشَّخْصِ لِذَلِكَ. اهـ.

أما من حيث الجواز فما كان على وجه الاحترام والبِرِّ والإكرام لا على سبيل التعظيم فهذا جائز؛ ولهذا عدة حالات، منها:

-القيام للقادم من السفر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» رواه البخاري (3043ومسلم (1768) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه.

-القيام للزائر والضيف؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءت إليه فاطمة، قام وقبلها وأجلستها مكانه، وإذا جاء إليها، قامت وقبلته، وأجلسته مكانها. كما روى أبو داود (5217)عَائِشَةَ رضي الله عنها، وهو في «الصحيح المسند» (1571) لوالدي رَحِمَهُ الله.

-القيام لمن تجددت له نعمة، كما قام طلحة بن عبيد الله لكعب بن مالك، لما تيب عليه.

والحديث بطوله أخرجه البخاري (4418ومسلم (2769).

وأما القيام لِمَن يُخشَى عليه فتنة الغرور والإعجاب والكِبْر، فهذا لا يقام له، سدًّا للذرائع، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة: 2].

أو كان يحب أن يقام له، هذا لا يقام له؛ لحديث معاوية بن أبي سفيان عند أبي داود(5229عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وهو في «الجامع الصحيح» (1121) لوالدي رَحِمَهُ الله.

وهذا الحديث يفيد: الوعيد لمن أحب أن يقام له، فيجب أن يكره ذلك ولا يحبه.

 

مسألة: حكم قيام المرأة لزوجها إذا دخل:

سئل الإمام مالك رحمه الله: عن الْمَرْأَةُ تُبَالِغُ فِي بِرِّ زَوْجِهَا فَتَلْقَاهُ فَتَنْزِعُ ثِيَابَهُ وَنَعْلَيْهِ وَتَقِفُ حَتَّى يَجْلِسَ قَالَ: أَمَّا تَلَقِّيهَا وَنَزْعُهَا ثِيَابَهُ وَنَعْلَيْهِ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا قِيَامُهَا حَتَّى يَجْلِسَ فَلَا، وَهَذَا مِنْ فِعْلِ الْجَبَابِرَةِ. اهـ. من «المدخل لابن الحاج» (1/187).