بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: نعرف أدلة زيادة الإيمان فما الدليل على أنه ينقص بالمعصية؟
الجواب: هناك أدلة كثيرة تدل على أن الإيمان ينقص بالمعصية، من تلك الأدلة:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواة البخاري (2475)، ومسلم(57).
- عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ». البخاري (6016)، ومسلم (46).
- عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». رواه البخاري (121)، ومسلم (65). والكفر في هذا الحديث كفر أصغر.
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ الحديث وفيه: «فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا». رواه البخاري (7439). فهذا الحديث يفيد أن هناك من ينقص إيمانه حتى لا يبقى في قلبه من الإيمان إلا مثقال ذرة.
- عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، الحديث وفيه: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رواه مسلم (2750).
فإذا كان الإيمان ينقص بالتقصير في ذكر الله عز وجل، فالنقص بالمعصية من باب أولى.
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ». رواه مسلم (49). قسم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث مراتب إنكار المنكر إلى ثلاثة أقسام وبعضها أقوى من بعض.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». رواه أحمد (16/ 478)، وهو في «الصحيح المسند» (1327) لوالدي رَحِمَهُ الله. وهذا دليل أن الإيمان يقبل النقص.
وقد ذكر أهل العلم أنه إذا كان الإيمان يزيد فإنه دليل على أن الإيمان يقبل النقص. والإيمان ينقص بالمعصية، وينقص أيضًا بالتقصير في المستحبات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ». رواه مسلم (35).
فالإيمان قد ينقص ولا يأثم صاحبه، وهذا يكون في التقصير في فعل المستحبات، لكنه حرمان من الخير، ومن المسابقة إلى دار القرار، إلى جنة الخُلد.
وقد يكون حكمًا من عند الله عز وجل لا يُستطاع دفعه، كما في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا». رواه البخاري (304)، ومسلم (79) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قال الشيخ ابن عثيمين في «شرح السفارينية» (410- 411): اعلم أن نقص الإيمان على قسمين:
الأول: نقص لا حيلة للإنسان فيه، كنقص دين المرأة بترك الصلاة في أيام الحيض، فإن هذا لا اختيار لها فيه، بل لو أرادت أن تصلي حتى لا ينقص إيمانها لقيل لها: إن هذا حرام عليك، ولو صليت لزاد إيمانك نقصًا. إذًا هذا نقص لا حيلة للإنسان فيه ولا يلام عليه؛ لأن هذا لا اختيار له فيه إطلاقًا.
ومثل: أن يموت الإنسان صغيرًا، فإن إيمانه ينقص عمن عُمِّرَ؛ لأن من عُمِّرَ زاد إيمانه وزادت أعماله، فهذا النقص لا حيلة له فيه لا يلام عليه إطلاقًا.
الثاني: نقص باختيار الإنسان، وهذا ينقسم إلى قسمين:
إن كان سببه المعصية أو ترك الواجب فإنه يلام عليه، ويأثم به، وإن كان نقصه بترك تطوع غير واجب فإنه لا يلام عليه لومًا يأثم به، وإن كان على الإنسان أن يجتهد في العمل الصالح، ولهذا قيل لابن عمر رضي الله عنهما في المنام: «نعم الرجل لو كان يقوم من الليل» ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمرو بن العاص: «يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل»، وهذا لا شك أنه نوع لوم لكنه لوم لا إثم به، بخلاف من ترك الواجب أو فعل المحرم فإنه يلام لومًا يأثم به.
إذًا نقص الإيمان على قسمين:
الأول: لا يكون للإنسان اختيار فيه، فهذا لا لوم عليه فيه، مثل ترك المرأة الصلاة أثناء الحيض، ومثل من نقص عمله وإيمانه لموته صغيرًا.
الثاني: ما كان للإنسان فيه اختيار، فهذا إن كان واجبًا فهو ملام آثم، وإن كان غير واجب فقد يلام، ولكنه لوم لا إثم فيه. اهـ.
هذا، ونستفيد من هذه المسألة: الرد على المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، والرد على الخوارج الذين يكفرون صاحب الكبيرة، والله أعلم.