جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

اختصار الدرس الرابع والعشرين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن


من آداب المتعلم:

قال النووي رَحِمَهُ الله: وَلَا يَتَعَلمُ إِلَّا مِمَّن كَمُلَتْ أَهلِيَّتُهُ،  وَظَهَرَت دِيَانَتُهُ، وَتَحَقَّقَت مَعرِفَتُهُ، وَاشتَهَرَت صِيَانَتُهُ.

هذا وصف المعلم الذي يؤخذ عنه العلم: أن يكون أهلًا للأخذ عنه، ومن المعروفين بالعلم والفضل والعدالة والصيانة والأمانة.

(وَظَهَرَت) أي: تبينت.

(دِيَانَتُهُ) أي: دينه أنه على الإسلام والاستقامة، فلا يؤخذ عن شيعي ولا صوفي ولا أشعري ولا إخواني، ولا من سائر الحزبيين والمبتدعِين.

قال الصنعاني رحمه الله في «توضيح الأفكار»(1/283): يشترط في ديانته أن يغلب خيره على شره، هذا أمر مجمع عليه. اهـ.

 (وَتَحَقَّقَت مَعرِفَتُهُ)

أي: ثبتت معرفته، فلا يكفي مجرد الظن، ومن باب أولى عدم الأخذ ممن لا يَعرف عنه شيئًا، فاذا لم نعلم حاله لا فسقًا ولا عدالة فإنه لا يؤخذ عنه، ولهذا ردَّ جمهورُ المحدثين خبر مجهول العدالة من مجاهيل الحال.

(وَاشتَهَرَت)

أي: شاع وذاع حالُه.

(صِيَانَتُهُ)

الصيانة: الستر، أي: صيانة النفس عن العيوب، وما يخدش التقوى والمروءة.

التقوى: امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

المروءة: قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «مدارج السالكين» (2/334): حَقِيقَةُ الْمُرُوءَةِ تَجَنُّبُ الدَّنَايَا وَالرَّذَائِلِ، مِنَ الْأَقْوَالِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْأَعْمَالِ. اهـ.

وقد ذكر صفةَ الصيانة الإمام مسلم رَحِمَهُ الله في «مقدمة صحيحه» (1/8).

وقد جاءت آثار كثيرة عن السلف في التحذير من الأخذ عمَّن ليس بأهل لذلك من أهل البدع والأهواء وغيرهم، منها:

 

1. عن محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: «هَذَا العِلمُ دِينٌ؛ فَانظُرُوا عَمَّن تَأخُذُونَ دِينَكُم».

 ولفظُ (فَانظُرُوا) يفيد البحث والتفتيش عن حال المعلم قبل الجثوِّ بين يديه.

 

2.   عَنِ محمد بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ، فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ» روى الإمام مسلم في «مقدمة صحيحه» (1/15).

3.   عن عبد الرَّحْمَن بن مهدي، يَقُول: ثَلَاثَة لَا يحمل عَنْهُم: الرجل الْمُتَّهم بِالْكَذِبِ، وَالرجل كثير الْوَهم والغلط، وَرجل صَاحب هوى يَدْعُو إِلَى بِدعَة. رواه عبد الله بن أحمد في «زوائد العلل ومعرفة الرجال» (3/218).

4.   عن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، يَقُولُ: لَا تَأْخُذِ الْعِلْمَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَخُذْ مِمَّنْ سِوَى ذَلِكَ، لَا تَأْخُذْ مِنْ سَفِيهٍ مُعْلِنٍ بِالسَّفَهِ وَإِنْ كَانَ أَرْوَى النَّاسِ، وَلَا تَأْخُذْ مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ إِذَا جُرِّبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَّهَمُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولا من صاحب هوى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلَا مِنْ شَيْخٍ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ. رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/684) بسند حسن.

5.   عن بهز بن أسد أنه كان يقول: لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين، فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول. رواه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (2/16).

ومعنى أثر بهز: أنه إذا لم تؤخذ الحقوق المالية إذا ادَّعاها شخص إلا بشاهدين عدلين، فدين الله أحق ألَّا يؤخذ إلا من العدول.

وللخطيب رحمه الله نصيحة بنحو ذلك في «الفقيه والمتفقه» (2/191).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هدي السلف النظر في أخلاق المعلم وصلاته قبل الأخذ عنه:

كان السلف ينظرون إلى هدي المعلم وسمتِهِ من أخلاق وصلاة قبل الأخذ عنه، روى الدارمي في «مقدمه سننه» (1/398) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن يزيد النخعي، قَالَ: «كَانُوا إِذَا أَتَوْا الرَّجُلَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ الْعِلْمَ، نَظَرُوا إِلَى صَلَاتِهِ، وَإِلَى سَمْتِهِ، وَإِلَى هَيْئَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ».

فإذا لم يكن على حالةٍ مرضيَّةٍ تركوا الأخذ عنه حتى وإن كان ذا علم، فإن العلم النافع يدل صاحبه إلى الطريق المستقيم، كما قال الغزي في «حسن التنبه لما ورد في التشبه» (10/408): فإن الشيخ من يدلُّك على الله بحاله قبل مقاله، ولقد كان هذا عزيزًا في الزمان الأول، فكيف بنا الآن والدهر تقهقر والحال تحوَّل؟ اهـ.

إذا لم يعلم الطالب حال المعلم

إذا لم يعلم الطالب حال المعلم ينبغي أن يسأل عنه من يعرفه من أهل العلم كما كان السلف يفعلون ذلك، من ذلك:

1. عن عثمان بن زائدة الرازي، قال: قدمت الكوفة قدمة، فقلت لسفيان الثوري: من ترى أن أسمع منه؟ قال: عليك بزائدة وسفيان بن عيينة، قال قلت: فأين أبو بكر بن عياش؟ قال: إن أردت التفسير فعنده. رواه ابن أبي حاتم في «مقدمه الجرح والتعديل» (1/81).

2.  عن أبي عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري، قال: قلت لشعبة حيث أردت أن أخرج إلى الكوفة من ألزم؟ قال: الهيثم الصيرفى. رواه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (9/80).

3. قَالَ رجل للإمام أحمد: عمن ترى نكتب الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ فَإِنَّهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ». رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/180).

هذا، ولنعلم أن حمل الشهادات، وحمل اسم الدكتور ليس دليلًا على أنه يستحق أخذ العلم منه، فقد يحملها وهو جاهلٌ بالشرع.

قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في «مجموع الفتاوى» (27/296): وَالْمَنْصِبُ وَالْوِلَايَةُ لَا يَجْعَلُ -أي: يُصَيِّر- مَنْ لَيْسَ عَالِمًا مُجْتَهِدًا، وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِالْوِلَايَةِ وَالْمَنْصِبِ لَكَانَ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ أَحَقَّ بِالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خلاصة مسائل درس الرابع والعشرين:

·    التحري في اختيار الشيوخ والمعلمين الذين يُتلقى العلم على أيديهم، أما من لا يتحرى ولا يبالي سواء تلقَّى من مبتدع أو فاسق أو قصاص أو صاحب هوى فهذا على خطرٍ في دينه، فقد يسمع كلمة تؤثِّر على قلبِه فتضله، فإن القلوب ضعيفة والشُّبه خطَّافة، والمعلم يؤثر على الطالب، «والطبع من عادته سرَّاق».

وقد سمعت والدي رحمه الله في الدرس يقول عن سائل يقول: أنا أريد أدرسَ علمَ النحوِ عند الشيعة لأكونَ قويًّا فيه؟

جواب الشيخ : لا تدرسْ عندهم، فالسلامةُ لا يعادلُها شيءٌ.

 فالدراسةُ عند ذَوي الزَّيغِ مُضِرةٌ، وعندَ أهلِ السنةِ ولله الحمد ما يكفِي.اهـ

·     التلقِّي. فالعلم يُتلقَّى على أيدي أهله، وهذه طريقة السلف تلقي العلم مشافهة من المعلم، وكما كان الصحابة يتلقَّوْن من النبي صلى الله عليه وسلم، والتلقي مفتاح عظيم، يسهل الطريق للطالب، وسبيل إلى الفهم الصحيح، وارتساخ المعلومة من غير كُلفة، فربما لا يخرج من الدرس إلا والمعلومات في الذاكرة بفضل الله عز وجل.

وللشاطبي رَحِمَهُ الله في «الموافقات» (1/145)كلامٌ جميل في أهمية التلقي.

أما أخذ العلم من الكتب مباشرة من دون تلقي فهذا حذَّر منه علماؤنا المتقدمون، وممن جاء عَنْه سُلَيْمَانَ بن مُوسَى، قَالَ: «لَا تَقْرَءُوا الْقُرْآنَ عَلَى الْمُصَحِّفِينَ، وَلَا تَأْخُذُوا الْعِلْمَ مِنَ الصَّحَفِيِّينَ» رواه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/193).

وقال الخطيب في «الكفاية» (1/162): وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حِفْظُهُ مَأْخُوذًا عَنِ الْعُلَمَاءِ لَا عَنِ الصُّحُفِ. اهـ.

وذلك لأنه قد يخطئ في الفهم، قال الخطيب في «الكفاية» (1/163): التَّصْحِيفُ وَالْإِحَالَةُ يَسْبِقَانِ -أي: يغلبان- إِلَى مَنْ أَخَذَ الْعِلْمَ عَنِ الصُّحُفِ. اهـ.

وفي المقالة المشهورة: «من كان شيخه كتابه، كان خطؤه أكثر من صوابه».

وقد يفتح الله على الذي يقرأ من الكتب بقدر رغبته وإخلاصه واجتهاده، ولهذا كان والدي رَحِمَهُ الله يعلق على هذه الأبيات:

وَمَنْ رَامَ الْعُلُومَ بِغَيْـرِ شَيخٍ...يَضِلُّ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم

وَتَلْتَبِسُ العُـلومُ عَلَيْهِ حَتَّى...يَكُونَ أَضَلَّ مِنْ توما الْحَكِيـمِ

تَصَدَّقَ بِالْبِنَاتِ عَلى رِجَالٍ...يُـرِيـدُ بِذَاكَ جَنَّاتِ النِّعِـــيمِ

كان يعلِّق على هذا، ويقول: هذا إذا لم يحسن اختيار الكتاب. اهـ.

فإذا أحسن ووفِّق في اختيار الكتاب فقرأ، مثلًا: في «الأربعين النووية» أو «رياض الصالحين»، «العقيدة الواسطية»، «بلوغ المرام»، «صحيح البخاري»، و«صحيح مسلم» وما أشبه ذلك، فإنه قد يوفَّق.

وللشيخ ابن عثيمين كلامٌ نحو هذا  في «كتاب العلم» (111).

فلا بأس بأخذ الطالب العلمَ من الكتاب المفيد المناسب له إذا لم يتيسر له التلقي، ولكن التلقي ليس هناك أحسن ولا أنفع منه حتى يفتح الله، وبعد ذلك يستطيع الطالب أن يقرأ ويستفيد بنفسِه.

وهنا تنبيه على أخذ العلم في عصورنا عن طريق الصوتيات والرسائل -ووسائل التواصل- هي داخلة في النوع الثاني: وهو الأخذ من الكتب، وليست داخلة في التلقي، ولكن هذا خير أحسن من لا شيء، وأما طريقة التلقي فهذا لا يكون إلا بالحضور عند المعلم كما كان يفعل السلف.

·    صفة المعلم الذي يؤخذ عنه العلم.

·    تثبت الطالب وتحريه فيمن يأخذ العلم على يديه، فلا يأخذ عن مبتدع ولا فاسق ولا من غير ثقة، ولا ممن عُرف بالكذب والغيبة والنميمة ولا ممن لم يُعرف بالعدالة.

·    أن من صفات المعلم الذي يؤخذ عنه: أن يكون قدوة بفعله قبل قوله.

·    إشارة إلى عظَمة هذا العلم الذي يحمله الطالب.