جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 8 ديسمبر 2019

(22)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


          من مسائل العلم وآداب المعلِّم والمتعلِّم



عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابًا ويخفي عني فقال: ولد ناصح أنا أختار له الأمور اختيارًا، وأخفي عنه.

قال: فدعا بقضاء عليٍّ فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا عليٌّ، إلا أن يكون ضلَّ. 
رواه الإمام مسلم بن الحجاج في «مقدمة صحيحه» (13).


معاني بعض كلمات الأثر

«ويخفي عَني وَقَول ابْن عَبَّاس وأخفي عَنهُ»

قال أبوعمرو ابن الصلاح في«صيانة صحيح مسلم»(123): هما بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: يكتم عني أَشْيَاء وَلَا يَكْتُبهَا إِذا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مقَال من الشيع الْمُخْتَلفَة وأهل الْفِتَن فَإِنَّهُ إِذا كتبهَا ظَهرت وَإِذا ظَهرت خُولِفَ فِيهَا وَحصل فِيهَا قَالَ وَقيل،مَعَ أَنَّهَا لَيست مِمَّا يلْزم بَيَانهَا لِابْنِ أبي مليكَة،وَإِن لزم فَيمكن ذَلِك بالمشافهة دون الْمُكَاتبَة.وَقَوله:«ولد نَاصح»مشْعر بِمَا ذكرتُه.

وَقَوله:«أَنا أخْتَار لَهُ وأخفي عَنهُ »:إِخْبَار مِنْهُ بإجابته إِلَى ذَلِك وَلَيْسَ استنكارا لَهُ فِي ضمن اسْتِفْهَام مَحْذُوف حرفُه.

وَحكي القَاضِي عِيَاض فِي ذَلِك عَن شُيُوخه من أهل الْمغرب رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا: أَنه بخاء مُعْجمَة وَالْأُخْرَى بحاء مُهْملَة،وَحكى هَذِه عَن أَكثر شُيُوخه فِي الْكتاب واختارها ورجَّحها على أَن معنى ذَلِك من إحفاء الشَّوَارِب أَي: اختصِر وَلَا تكْثر عَليّ فِيمَا تكتبه إِلَيّ، أَو إِنَّه من الإحفاء الَّذِي هُوَ الإلحاح والاستقصاء،وَيكون عني بِمَعْنى عَليّ أَي: استقص فِيمَا تخاطبني بِهِ.

قلت:وَهَذَا تكلّف لَيست فِيهِ رِوَايَة مُتَّصِلَة الْإِسْنَاد نضطر إِلَى قبُوله وَالله أعلم.اهـ

(ولد ناصح)

خبر لمحذوف: أي هو ولدٌ ناصحٍ: أي مُخلص وصادق في طلبه. «قرة عين المحتاج في شرح مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج»(2/38) لمحمد بن علي بن آدم.

(والله ما قضى بهذا عليٌّ، إلا أن يكون ضلَّ)

قال القاضي عياض في «إكمال المعلم»(1/122):المعنى: أنه لا يقضى به إلا ضال وعلىٌّ غير ضال فلا تصَحَّ  أن يكون قضى به، لا أنه حكم بضلاله إن صَحَّ أنه قضى به، أو يكون الضلال هنا بمعنى الخطأ كما قال:﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾.

بعض فوائد هذا الأثر:

جواز كتابة العلماء بالعلم إلى البلدان النائية.

ما كان عليه السلف من الحرص في طلب العلم، حيث إنهم إذا لم يستطيعوا الحضور عند العالم أخذوا منه بالمكاتبة.

بيان فضل علي رضي الله عنه، حيث كان معروفًا بالقضاء حتّى اعتمد عليه بحر الأمة وحبرها ابن عبّاس رضي الله عنهما.


أنه لا ينبغي لطالب العلم، وإن كان شديد الحرص على العلم أن يطلب ما يترتّب عليه ضرر له، أو لغيره من المسلمين، وكذا لا ينبغي للعالم أن يحدّثه به، أو يكتب به إليه. وقد سلك هذا المسلك الصحابيّ الجليل أبو هريرة، فقد أخرج البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطِع هذا البلعوم.

[المرجع قرة عين المحتاج في شرح مقدمة صحيح مسلم بن الحجاج لمحمد بن علي بن آدم رحمه الله2/41].
وفيه حسن اختيار السؤال.
 أخلاق المعلم مع المتعلم وشكره على حُسْن اختياره السؤال الحسن.
أن المتعلم بمنزلة  الولد.لقول عبدالله بن عباس:ولد ناصح.