جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

ختم الطاعات والنهايات بالاستغفار


      
الحمد لله الذي مَنَّ علينا فأفضل والذي أعطانا فأجزل.

الحمد لله الذي بلَّغَنا عشر ذي الحجة التي الأعمال الصالحة فيها أفضل من الجهاد إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع بشيء.

الحمد لله الذي بلَّغ مَن شاء مِن عباده حج بيت الله الحرام نهاية هذا العام 1440

الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.

وإن المتأمِّل في سرعة انقضاء تلك الأيام المباركة يكون له عبرة وعظة في سرعة انقضاء الأعمار،بل في سرعة زوال الدنيا وفنائها،فالزمن قصير والعمر يسير.

فعلى العبد المسلم أن يكون متيقظًا،بعيدًا عن الغفلة،كثير الاعتبار والرجوع إلى الله سبحانه، حتى إذا جاء أجله يكون مستعدًّا متهيِّئًا  للقاء ربه.قال تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)﴾[الحشر].

وقد كان مِن سلفنا الصالح لو قيل له:إن ملك الموت عند بابك لما كان عنده زيادة على العمل.

يعني:بلغ أقصى الجهد في الطاعة فلا يستطيع أن يزيد تسبيحة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة أو تلاوة آية أو بعضها أو كلمة طيبة..فأين نحنُ من هؤلاء العُبَّاد!

فسبحان مَن يسخر مَن شاء مِن عباده لزاد الآخرة.اللهم اجعلنا منهم.

ولنعلم أن العبادة قد لا تخلو من نقص فينبغي جبرُ نقصُ ذلك بالاستغفار.

فقد أرشدنا ربنا سبحانه- وهو الرؤوف الرحيم- إلى الاستغفار بعد العبادة وفي النهايات فقال:﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

 وقال سبحانه عقب الأمر بالاستقامة:﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾.

وشُرِع الاستغفار لمن فرغ من صلاته.

روى مسلم (591)عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ:«اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

وشُرع الاستغفار عند القيام من المجلس ولو كان مجلس ذكر وعلم وقرآن كما في حديث عائشة.

وكَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إذا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ يختم سفره بالاستغفار.روى مسلم (1345) عن أنس بن مالك قال:أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ، وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ،قَالَ:«آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ»،فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ.

وأمر بختم نهاية اليوم  بالاستغفار كما في حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.رواه البخاري(6306).

وحث سبحانه على الاستغفار عند نهاية الأعمار-ثبتنا الله- ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الاستغفار في آخر عمره أكثر مما قبله،امتثالًا لأمر ربه سبحانه له بذلك في سورة النصر:﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ..﴾إعلامًا بقرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم وأمرِه بالاستغفار كما في حديث ابن عباس عند البخاري.

وروى البخاري(4440)،ومسلم (2444)واللفظ له عَنْ عَائِشَةَ،أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ».

قال ابن القيم في«مدارج السالكين»(3/402):اعْلَمِ أَنَّ التَّوْبَةَ نِهَايَةُ كُلِّ عَارِفٍ، وَغَايَةُ كُلِّ سَالِكٍ، وَكَمَا أَنَّهَا بِدَايَةٌ فَهِيَ نِهَايَةٌ، وَالْحَاجَةُ إِلَيْهَا فِي النِّهَايَةِ أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا فِي الْبِدَايَةِ، بَلْ هِيَ فِي النِّهَايَةِ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ.. وَالْعَارِفُ بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَحُقُوقِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَبْدَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى التَّوْبَةِ فِي نِهَايَتِهِ.اهـ

اللهم اغفر لنا وأعنا على طاعتك.