جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 2 فبراير 2018

(48)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}[الكهف].



__________________________________________________

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ:هَذَا الَّذِي جِئْتُكُمْ به مِنْ رَبِّكُمْ هُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شَكَّ. {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} هَذَا مِنْ بَابِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:

{إِنَّا أَعْتَدْنَا}أَيْ: أَرْصَدْنَا.

 {لِلظَّالِمِينَ} وَهُمُ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ.

 {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} أَيْ: سُورُهَا.اهـ

وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} أي: سورها المحيط بها، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها، تصلاهم النار الحامية.

وَقَوْلُهُ:{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}.

قال بعضهم: هو كلُّ شيء أُذيب وانماع.

وقال آخرون: هو القيح والدم الأسود.

وقال آخرون: هو الشيء الذي قد انتهى حرُّه.

وقد ذكر أقوال المفسرين ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية (29)من سورة الكهف ثم قال: وهذه الأقوال وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها فمتقاربات المعنى، وذلك أن كل ما أُذيب من رصاص أو ذهب أو فضة فقد انتهى حَرُّه، وأن ما أُوقدت عليه من ذلك النار حتى صار كدُرديِّ الزيت، فقد انتهى أيضا حَرُّه.اهـ

وكذلك قال ابن كثير رحمه الله ونصُّ كلامِه:وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يَنْفِي الْآخَرَ، فَإِنَّ الْمُهْلَ يَجْمَعُ هَذِهِ الْأَوْصَافَ الرَّذِيلَةَ كُلَّهَا، فَهُوَ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ غَلِيظٌ حَارٌّ، وَلِهَذَا قَالَ:(يَشْوِي الْوُجُوهَ) أَيْ مِنْ حَرِّهِ، إِذَا أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَشْرَبَهُ وَقَرَّبَهُ مِنْ وَجْهِهِ شَوَاهُ حَتَّى تسقط جلدة وَجْهِهِ فِيهِ.اهـ

ودُرديُّ الزيت:الذي يترسَّب في أسفل الإناء.

{بِئْسَ الشَّرَابُ} بئس ،وساء من أفعال الذَمِّ .

قال ابن كثير رحمه الله: أَيْ بِئْسَ هَذَا الشَّرَابُ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى :{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ}[مُحَمَّدٍ: 15]،وَقَالَ تَعَالَى:{تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}[الغاشية: 5]أي: حارَّة، كما قال تعالى:{وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرَّحْمَنِ: 44].

{وَساءَتْ مُرْتَفَقًا}أَيْ: وَسَاءَتِ النَّارُ مَنْزِلًا وَمَقِيلًا وَمُجْتَمَعًا وَمَوْضِعًا لِلِارْتِفَاقِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقامًا}[الفرقان: 66].

من فوائد هذه الآية:

التهديد والوعيد للمعرضين عن الدين،وكما قال تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40].

إثبات المشيئة للإنسان لا كما تقولُه الجبرية إن الإنسان ليس له مشيئة ولا إرادة ولا اختيار.

أن الكافر ظالم ،ولا أحد أظلم من الذي كفر بالله عز وجل وأشرك به،وظلمُه لنفسه ،وما يقوله بعض الواعظين:إذا أشركت بالله فقد ظلمتَ الله،هذا خطأ. فالله عزوجل لا يُظْلَم{وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[البقرة:57].

وقد نبَّهَنَا على هذا والدي رحمه الله.



ما أعدَّه الله سبحانه للكافرين من الخزي والعذاب.



إحاطة النار بالكفار من كل جانب وكما قال تعالى:{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}.



أن أهل النار في غمٍّ وكربٍ وهمٍّ وضيق وفي أشد العطش وكما قال تعالى في سورة الأعراف:﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)[ الأعراف].
استغاثة أهل النار برفع الضر عنهم والكرب والهمِّ.
ومن استغاثتهم:الخروج من النار ليعملوا صالحا قال تعالى:{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)}[فاطر].
ومن استغاثتهم: أنهم يطلبون الموت إذا رأوا لا غوث ولا فرَجَ لهم قال تعالى:{ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)}[الزخرف].
صفة شراب أهل النار وهو الماءُ الحار الذي إذا قرُب من وجوههم أحرقها،فإذا سُقُوه قطَّع أمعاءهم قال تعالى:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)}[محمد] ،وهذا من أشد أنواع العذاب.
أعاذنا الله وسائر المسلمين من النار.