جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 5 أكتوبر 2017

(120)سِلْسِلَةُ الفَوَائِدِالعِلْمِيَّةِ والمَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ

                  
                          قصة للنمل عجيبة 

قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (1/243)في حديثِه عن النمل:لَقَد أخبر بعضُ العارفين أنه شَاهد مِنْهُنَّ يَوْمًا عجبا .

قَالَ: رأيت نملة جَاءَت إلى شِقِّ جَرَادَة فزاولته فَلم تُطق حملَه من الأرض فَذَهَبت غير بعيد ثمَّ جَاءَت مَعهَا بِجَمَاعَة من النَّمْل.

 قَالَ: فَرفعت ذَلِك الشق من الأرض فَلَمَّا وصلت النملة برُفقتها إلى مَكَانِهِ دارت حوله ودُرْنَ مَعهَا فَلم يجدن شَيْئًا فرجعن فَوَضَعْتُه.

 ثمَّ جَاءَت فصادفتْه فزاولتْه فَلم تُطق رَفعَه فَذَهَبت غير بعيد، ثمَّ جَاءَت بِهن فَرَفَعْتُه فدُرن حول مَكَانِهِ فَلم يجدن شَيْئا.

 فَذَهَبت فَوَضَعته فَعَادَت فَجَاءَت بِهن فَرَفَعتُه فدرن حول الْمَكَان .

فَلَمَّا لم يجدن شَيْئا تحلَّقن حَلقَة وجعلن تِلْكَ النملة فِي وَسطهَا ثمَّ تحامَلن عَلَيْهَا فقطَّعنها عضوًا عضوًا ،وَأَنا انْظُر.اهـ

وذكر القصة أيضًا ابن القيم في شفاء العليل(70)،وقال عقبَ القصة: قال شيخنا-أي شيخ الإسلام ابن تيمية- وقد حكيت له هذه الحكاية فقال: هذه النمل فطرها الله سبحانه على قبح الكذب وعقوبة الكذاب اهـ

قلت:النمل بفطرَتِها تستقبحُ الكذب وهي حيوان لا يعقل.

فيا مَن أكرمك الله بالعقل والعلم والفهم وفضَّلَك على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)أنتَ أحقُّ بخلُق الصدق واجتناب الكذب.

ولقُبحِ الكذب كان أهل الجاهلية يتنزهون عنه ،من أمثلة ذلك: ما روى البخاري(7)،ومسلم (1773)عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ.
قال أبوسفيان: فَوَاللَّهِ لَوْلَا الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ..

ولوجود هذا الخُلُقِ السيءِ عند بعض المسلمين كان سببًا للتنفير عن دخول الإسلام .حدثنا والدي رحمه الله : الذين يتأخرون عن الإسلام بسبب هذا يقولون :أنتم تكذبون، وأنتم تخونون، وأنتم تعدُون وتخلفون.
ولكن يقال: الإسلام بريء من هذا، وإذا وُجد في المسلمين فهم مسيئون إلى أنفسهم.اهـ

فتجنَّب الكذبَ وسلِ الله التوفيقَ والهداية.