جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 5 أغسطس 2017

(43)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


قال تعالى في شأن أصحاب الكهف:﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)﴾[الكهف].

من فوائد هذه الآية الكريمة:

الحكمة من بعث الله عَزَّ وَجَلَّ لأصحاب الكهف ليعلمَ قومُهم أن وعد الله حق وأن الساعة حق لاشك فيها .قال ابن كثير رحمه الله في«تفسير هذه الآية»:ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ حَصَلَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ شَكٌّ فِي الْبَعْثِ وَفِي أَمْرِ الْقِيَامَةِ ،فَبَعَثَ اللَّهُ أَهْلَ الْكَهْفِ حُجَّةً وَدَلَالَةً وَآيَةً عَلَى ذَلِكَ.اهـ

ودلَّ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)﴾على حكمةٍ أُخرى في بعث أصحاب الكهف بعد هذه المدة الطويلة لأجل أن يُعلم أي الطائفتين ﴿أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ أي: أدق إحصاء في مدة لبث أصحاب الكهف.وقد اختلف أهل العلم في المراد بالطائفتين .قال الشنقيطي رحمه الله في«أضواء البيان»(3/208): أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْحِزْبَيْنِ هُمْ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، وَالْحِزْبَ الثَّانِي: هُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ بُعِثَ الْفِتْيَةُ عَلَى عَهْدِهِمْ حِينَ كَانَ عِنْدَهُمُ التَّارِيخُ بِأَمْرِ الْفِتْيَةِ، وَقِيلَ: هُمَا حِزْبَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَةِ، كَانَ مِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ، وَقِيلَ: هُمَا حِزْبَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ. اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُلُوكُ الَّذِينَ تَدَاوَلُوا مُلْكَ الْمَدِينَةِ حِزْبٌ، وَأَصْحَابُ الْكَهْفِ حِزْبٌ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ: أَنَّ الْحِزْبَيْنِ كِلَيْهِمَا مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾.اهـ

أما قوله تعالى:﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾فهذه اللام ليست للتعليل ،ولكنها لام العاقبة كما قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة الكهف.

في الآية دليل أن قوم أصحاب الكهف كفارٌ لأنهم لا يؤمنون ﴿أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾،ويدل لذلك أيضًا قول أصحاب الكهف: ﴿هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾.

اشتهارُ أمر أصحاب الكهف وما فيه من العِبَر مما أدَّى إلى تعظيم أهل الكلمة والنفوذ لهم ،وقالوا:﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾،وهذا مذموم ومنكر ،وسنة يهوديَّة ،نصرانيَّة ،روى البخاري (1390) ،ومسلم (529)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قال البخاري في ضمن ترجمةٍ له تبويب حديث(427):( وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ فِي القُبُورِ﴾.قال ابن رجب رحمه الله في«فتح الباري»(3/193): مقصود البخاري بهذا الباب: كراهة الصلاة بين القبور وإليها، واستدل لذلك بأن اتخاذ القبور مساجد ليس هو من شريعة الإسلام، بل من عمل اليهود، وقد لعنهم النبي  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  على ذلك.
وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾[الكهف: 12] ، فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستندَه القهر والغلبة واتباع الهوى، وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المتبعين لما أنزل الله على رسله من الهدى.اهـ

وقد أنكر العلماء على الوليد بن عبد الملك لما وسع المسجد النبوي وأدخل حجرة عائشة رضي الله عنها في المسجد وفيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

 هذه الآية فيها شبهة لِمن يقول ببناء المساجد على القبور ،و

 الجواب عن هذه الشبهة:

 أن قوم أصحاب الكهف كانوا كفارًا ،كما تقدم ،فليس في فعلهم حجة.

أنه قد في جاء في شرعِنا ذم ذلك.

وفي الآية: أن من شأن أهل الباطل الغلو فقد استدلوا بالآيات والعِبَر التي كانت من أمر أصحاب الكهف  على كرامتِهم وفضلِهم فحملهم ذلك على الغلو ،والغلو محرم قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء:171].
وروى ابن ماجه (3029) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ «الْقُطْ لِي حَصًى» فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ وَيَقُولُ «أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ، فَارْمُوا» ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ».والله أعلم .