جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 10 مايو 2017

(38) سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ


قوله تعالى:﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾[الكهف:10].
 


قال ابن جرير رحمه الله في«تفسيره»(17/604): يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) حين أوى الفتية أصحاب الكهف إلى كهف الجبل، هربا بدينهم إلى الله، فقالوا إذ أووه: (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) رغبة منهم إلى ربهم، في أن يرزقهم من عنده رحمة.


 وقوله :﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) يقول: وقالوا: يسِّر لنا بما نبتغي وما نلتمس من رضاك والهرب من الكفر بك، ومن عبادة الأوثان التي يدعونا إليها قومنا.
 (رَشَدا) يقول: سدادًا إلى العمل بالذي تحبُّ.اهـ


وقوله:﴿ﺇِﺫْ ﺃَﻭَﻯ ﴾ قال البغوي رحمه الله في«تفسيره»(3/181) أَيْ: صَارُوا إِلَى الْكَهْفِ، يُقَالُ أَوَى فَلَانٌ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا أَيِ: اتَّخَذَهُ مَنْزِلًا .اهـ
 الْفِتْيَةُ جمع فتى .وهو الشاب .
والفتية من جموع القِلَّة ،وجموع القلة أربعة.
 قال ابن مالك في «ألفيته»:
أَفْعِلَةٌ أفَعُلُ ثم فِعْلَهْ .. ثُمَّتَ أفعالٌ جموعُ قِلَّهْ
وفتية  على وزن فِعْلة .


﴿ ﺁﺗِﻨَﺎ ﴾ آتِ فعل دعاء، ولا يقال  فعل أمر تأدُّبًا مع الله.
﴿ ﻣِﻦْ ﻟَﺪُﻧْﻚَ ﴾ أي: مِن عندك . 


من فوائد هذه الآية الكريمة:

  •  القصص عن الأمم السابقة ،والمراد القصص بالأشياءالثابتة.
  • بيان بعض الأمور التفصيلية عن أصحاب الكهف .
  أنهم فتية أي: شباب.
 دخولهم الكهف فرارًا بدينهم من الفتن.
قال ابن كثير في«البداية والنهاية»(2/114):يُقَالُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمَّا أَوْقَعَ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ مَا هَدَاهُ إِلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ انْحَازَ عَنِ النَّاسِ ،وَاتَّفَقَ اجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ كَمَا صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»، فَكُلٌّ مِنْهُمْ سَأَلَ الْآخَرَ عَنْ أمره وعن شأنه فأخبره ما هُوَ عَلَيْهِ ،وَاتَّفَقُوا عَلَى الِانْحِيَازِ عَنْ قَوْمِهِمْ وَالتَّبَرِّي مِنْهُمْ وَالْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَالْفِرَارِ بِدِينِهِمْ مِنْهُمْ ،وَهُوَ الْمَشْرُوعُ حَالَ الْفِتَنِ وَظُهُورِ الشُّرُورِ.اهـ

 تضرُّعهم إلى الله ودعاؤهم ربهم أن يعُمَّهم برحمته ولطفه.

  • هذه الآية من أدلة العزلة عن الفتن.قال القرطبي في«تفسيره»(10/360): هَذِهِ الْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي الْفِرَارِ بِالدِّينِ وَهِجْرَةِ الْأَهْلِ وَالْبَنِينَ وَالْقَرَابَاتِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْأَوْطَانِ وَالْأَمْوَالِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَمَا يَلْقَاهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمِحْنَةِ. وَقَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارًّا بِدِينِهِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَجَلَسَ فِي الْغَارِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ،وَهَجَرُوا أَوْطَانَهُمْ وَتَرَكُوا أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَهَالِيَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَقَرَابَاتِهِمْ وَإِخْوَانَهُمْ، رَجَاءَ السَّلَامَةِ بِالدِّينِ وَالنَّجَاةِ مِنْ فِتْنَةِ الْكَافِرِينَ. فَسُكْنَى الْجِبَالِ وَدُخُولُ الْغِيرَانِ، وَالْعُزْلَةُ عَنِ الْخَلْقِ وَالِانْفِرَادُ بِالْخَالِقِ، وَجَوَازُ الْفِرَارِ مِنَ الظَّالِمِ هِيَ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَالْأَوْلِيَاءِ.اهـ