جديد الرسائل

الأحد، 15 مايو 2016

(17) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)

بسم الله الرحمن الرحيم


اختصارُ درسِ الخامس والعشرين من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

* فتحُ فَدك: وهي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة. ولما بلغ أهلَ فَدَك ما حصل ليهود خيبر من الإهانة والذلة واستسلامهم أصابهم الرعب والخوف فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليصالحهم كالصلح الذي وقع ليهود خيبر، أن يعملوا في الأموال ولهم النصف، فأقرهم على ذلك وكانت أموال فَدَك فيئًا؛ لأنها بدون قتال مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب بخلاف غزوة خيبر فإن الأموال كان فيها غنيمة.
* فتح وادي القُرى: هذه الغزوة كانت عند رجوع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خيبر إلى المدينة. روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ وَالإِبِلَ وَالمَتَاعَ وَالحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي القُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ - أَوْ شِرَاكَانِ - مِنْ نَارٍ».
وفي هذا الحديث تحريم الغلول وأنه من الكبائر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران:161].
واختلف العلماء هل فُتِحَ وادي القرى صلحًا أم فُتِحَ عنوة؟ على قولين، والله أعلم.
* عمرة القضاء: لما رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوة الحديبية أقام بالمدينة عامًا، فلما جاء الموعد وانتهت المدة المحددة خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معتمرًا في ذي القَعدة في السنة السابعة من الهجرة، فكانت قريش تقول: إنه سيقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون قوتهم. وهذه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث أَخبرالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقول قريش مع ما بينه وبينهم من المسافات.
ويستفاد منه استحباب إغاظة الكفار، فإغاظة الكفار محمودة شرعًا، قال تعالى: ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة:120]. وقال تعالى: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح:29].
ولما دخل مكة كان عبد الله بن رواحة يرتجز بين يديه. والحديث في سنن النسائي عَنْ أَنَسٍ وفيه فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَرَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَقُولُ الشِّعْرَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ عَنْهُ، فَلَهُوَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ». والحديث حسنه الوالد رحمه الله في «الصحيح المسند».
وقد سبق أنهم اشترطوا في صلح الحديبية أن لا يبقى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا ثلاثة أيام، فلما انتهت المدة أتوا عليًّا، وقالوا: قل لصاحبك يخرج فقد مضى الأجل. فلما خرج صلى الله عليه وسلم تبعتهم ابنة حمزة بنت عبد المطلب فجعلت تنادي النبي صلى الله عليه وسلم:  يا عم يا عم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وحمزة أخوان من الرضاعة. وكانت الطفلة في مكة عند أمها فأخذها علي بن أبي طالب فلما وصل المدينة تنازع في حضانتها علي وجعفر ابنا أبي طالب وزيد بن حارثة. فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وكانت تحت جعفر رضي الله عنه وَقَالَ: «الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ».
* تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد تحلله من العمرة بميمونة بنت الحارث .روى مسلم عَنْ مَيْمُونَةُ بِنْتِ الْحَارِثِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ». وجاء أيضا في «سنن الترمذي» من حديث أَبِي رَافِعٍ قَالَ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ»، وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولَ فِيمَا بَيْنَهُمَا. (الرَّسُولَ) أي: الواسطة.
أما ما جاء في الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ».
فهذا عدَّه جمهورأهل العلم من أوهام ابن عباس. وميمونة صاحبة القصة أدرى ، وكذلك أبو رافع فإنه السفير بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وميمونة. وقد جاء النهي في ذلك. ثبت في «صحيح مسلم» عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ».
وميمونة آخر من تزوج بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبنى بها بسرف ومما قدره الله سبحانه أنها دفنت بسرف حيث بنى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بها.
* عمرة القضاء منهم من يجعلها قضاء عن عمرة الحديبية حيث صُدَّ. ومنهم من يقول عمرة القصاص. والكل صحيح.
قال ابن هشام في «السيرة»: وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُمْ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ، فَاقْتَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ مَكَّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ الَّذِي صَدُّوهُ فِيهِ، مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ. اهـ.
ومن أُحصِر عن أداء العمرة فتحلَّل فليس عليه قضاء إذا كان تطوُّعًا، فإن كان عليه واجبًا لزمه. وهذا قول الجمهور مالك والشافعي وأحمد. وهواختيار ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» .وقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع».
* بعث مؤتة: مؤتة هي قرية من أرض الشام، وكان في جمادى الآخر من سنة ثمان؛ ليأخذوا بثأر من قُتل هناك من المسلمين فقد بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعض صحابته برسالة فتعرَّض له بعض المشركين وقتلوه فبعث هذا البعثَ، وأمَّر على الناس زيد بن حارثة مولاه صلى الله عليه وسلم «وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة».
 وعدد بعث مؤتة نحو من ثلاثة آلاف ، وخرج صلى الله عليه وسلم معهم يودعهم وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا بعث الجيش يخرج معهم ويودعهم ويوصيهم وخاصة أميرالجيش.
فلما ساروا بلغهم أن هرقل ملك الروم قد خرج إليهم في مائة ألف ومعه مالك بن زافلة في مائة ألف أخرى من نصارى العرب فاشتورَ المسلمون هناك ثم اتفقوا على لقاء العدو. ثم التقوا بهم فقاتلوا قتالا عظيماً.
وقتل أمير الجيش زيد بن حارثة رضي الله عنه والراية في يده فتناولها جعفر ثم قتل رضي الله عنه وذلك عن ثلاث وثلاثين سنة على الصحيح. فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وتردد بعض التردد ثم صمَّم وقاتل حتى قتل. فهؤلاء الثلاثة من شهداء هذه المعركة.
فأخذ الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه ففتح الله على يديه كما أخبر بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه الذين بالمدينة يومئذ وهو قائم على المنبر وهذا علم من أعلام النبوة، فنعى إليهم الأمراءَ، واحداً واحداً وعيناه تذرفان صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيح. وقد حزن حزنًا شديدًا لموتهم فيستفاد منه الحزن لموت الأفاضل والأصحاب، وجواز البكاء من غير نياحة.
ويستفاد منه جواز النعي، والنعي على قسمين: جائز: إذا كان للحاجة إما لتكثير المصلين أو لإخبار الأصحاب والأهل. ومنهي عنه: هو الذي ليس لغرض ديني كطريقة أهل الجاهلية في ذكر المفاخر والمحاسن، والإعلام لأجل النياحة.
ومن فوائد بعث مؤتة:
- منقبة وفضيلة عظيمة لهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم الذين شهدوا بعث مؤتة سواء من أكرمه الله بالشهادة أو مَن رجع سالمًا كعبد الله بن عمر فإنه رجع سالمًا.
-الإمارة في السفر.
- الفرج بعد الشدة فقد أصيب المسلمون بشدة ومحنة عظيمة حتى قُتِلَ أُمراؤهم الثلاثة ثم تناولها خالد بن الوليد وكان الفتح على يديه، والله عز وجل قادرٌ أن ينتقم من أعدائه من غير مواجهة ولا قتال ولكنه ابتلاء، قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:4].
- أن النصر ليس بالكثرة ولا بالعَدَد ولا بالعُدَد فالمسلمون يعتبرون قلة أمام أعدائهم فقد خرج إليهم نحو مائة ألف وصدق الله إذ يقول: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران:126].
- الوثوب على  الإمارة عند فقد المسلمين أميرهم لمن علم من حالِه القدرة سدًّا لفجوة الخلل وحفاظًا على الصف والكلمة من غير أن يؤمَّر للحاجة. أما لغير حاجة ففيه نهي.والله أعلم.