جديد المدونة

الاثنين، 2 مايو 2016

(16) التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

بسم الله الرحمن الرحيم


اختصارُ درسِ الرابع والعشرين من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

*غزوة خيبر: قال الحافظ في «فتح الباري» (7/464): خيبربِمُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ وَمُوَحَّدَةٍ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ وَهِيَ مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَة الشَّام. اهـ.
وغزوة خيبر من الغزوات الكبار، وكانت في السنة السابعة كما هو قول الجمهور. فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رجع من الحديبية أقام شهر ذي الحجة بالمدينة وفي آخر محرم خرج إلى خيبر.
وقد وعد الله سبحانه وتعالى بغزوة خيبر، قال الله عز وجل: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)﴾ [الفتح].
وسار صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ليلًا ولم يقاتلهم حتى أصبح ولم يسمع أذانًا ،وقدكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ينتظر حتى يصبح  ليتبيَّن له إسلامهم، فإن سمع أذانًا كفَّ عنهم وإلا قاتلهم  ، واستخلف على المدينة نُميلة بنَ عبد الله الليثي. فأغار على يهود خيبرفي الصباح وقدكانوا انتشروا لأعمالهم في مزارعهم بفؤوسهم ومكاتلهم ولم يشعروا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء لقتالهم فلما رأوه (قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ). ثم هربوا إلى حصونهم، فكبَّر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ﴾ [الصافات:177]». وأقام محاصرًا لهم مدة حتى أصاب المسلمين جهد عظيم قال سلمة بن الأكوع «...فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ، حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ». أخرجه البخاري ومسلم.
وقد فتحها حصنًا حصنًا حتى استكمل صلى الله عليه وسلم حصونهم وخمَّسَها، وقسَم نصفَها بين المسلمين وأرصد الآخرلمصالحه ولما ينوبه من أمر المسلمين ، وكان الذين حضروا غزوة خيبر هم من شَهِدَ الحديبيةَ ألفًا وأربعمائة على المشهور دون غيرهم، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الفتح:15].
﴿كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ هذا حكمُ الله أنه لا يحضر غزوة خيبر إلا من شهد الحديبية.
وقد كان علي ابن أبي طالب تخلف عن خيبر لأنه كان أرمد ثم لحقهم وكان الفتح على يديه رضي الله عنه. كما جاء ذلك في الصحيحين
ثم بعد أن هُزموا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حكم عليهم بالجلاء. ثم سأله اليهود أن يعاملهم عليها بشطر ما يخرج منها وهذا في «الصحيحين» عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ».
وبقي يهود خيبر على ذلك إلى مدة خلافة عمر ثم أجلاهم منها. وقد استُشهد بخبير نحو عشرين رجلًا منهم عامر بن الأكوع رضي الله عنهم أجمعين.

* بعض الأمور التي وقعت بعد الفراغ من معركة خيبر:
- أهدى اليهود إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شاة مصلية مسمومة فأكل منها، قال ابن القيم رحمه الله في «زادالمعاد» (3/298): وَقَدِ اخْتُلِفَ: هَلْ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَأْكُلْ؟ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي». اهـ.
- اصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائم خيبر صفية بنت حيي بن أخطب لنفسه، وكان قد قتل زوجها كنانة ابن أبي الحُقيق في وقعة خيبروكانت عروسًا، ثم أسلمت رضي الله عنها، وأعتقها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إكرامًا لها وتزوَّجها بعد أن خرج من خيبرلما طهرَت ،وأصلحتها له أم سليم رضي الله عنها وهيئتها، ثم أُدخِلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعندرجوعه إلى المدينة، قال الصحابة رضي الله عنهم: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فليست من أمهات المؤمنين، يعني: تكون من الإماء.
- قدم جعفر بن أبي طالب وأصحابه ممن بقي مهاجراً بأرض الحبشة، وأبو موسى الأشعري في جماعة من الأشعريين يزيدون على السبعين. وقدم عليه أبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم أجمعين وقد فرغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القتال في خيبر لكنهم ما قد انصرفوا فكلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصحابة الذين حضروا المعركة أن يسهم لهم ثم أسهم لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وكان ضمن الذين كانوا في الحبشة أسماء بنت عميس رضي الله عنها صحابية فاضلة. جاء في «الصحيحين» عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن عمرقال لأسماء بنت عميس: «سَبَقْنَاكُمْ بِالهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ» قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ - أَهْلَ السَّفِينَةِ - هِجْرَتَانِ»، قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الحديث

* بعض المعجزات والأحكام التي وقعت:
- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفث في عينَي علي بن أبي طالب رضي الله وكان أرمد فشُفي بإذن الله. كما أخبر أن فتح خيبر يكون على يد علي فكان كذلك.
- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر عن رجل كان شُجاعًا أنه من أهل النار فكان كما أخبر. كما في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «...فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ، انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: «قُمْ يَا فُلاَنُ، فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ».
- إخباره صلى الله عليه وعلى آله وسلم اليهود بالشاة المسمومة التي أرسلوا بها فاعترف اليهود.
- تحريم لحوم الحمر الأهلية كما في «الصحيحين» عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ».
- تعليم الصحابة بعض آداب الذكر، كما في «صحيح البخاري» عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ»، وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ». قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
- حل ذبائح أهل الكتاب وطعامهم، وقد قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾ [المائدة:5].
- فتح خيبر عنوة. كما في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ في قصة غزوة خيبرقَالَ: «فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ...»
- في معاملة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يهود خيبر على شطر ما يخرج من الأرض جواز المخابرة وهو أن يعمل في أرض لمالكها على أنه يكون للعامل النصف أو الثلث أو الربع.
* فائدة: جاء أنَّ أوَّلَ من أرَّخ بالتاريخ الهجري يعلى بن أمية باليمن جاء في مسند أحمد بسند ولكن معلٌّ بالانقطاع بين عمرو بن دينار ويعلى بن أمية كما قال الحافظ في الفتح.
وقيل أول من أرخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه .وهذا هو المشهور وذلك في سنة ست عشرة وقيل سبع عشرة، وقيل ثماني عشرة اختلفوا في هذا. وقد جعلَ الصحابة رضوان الله عليهم التاريخَ الإسلامي من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  في زمن عمر رضي الله عنه. روى البخاري في «صحيحه» (3934) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ  صلى  اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ».
وبالله التوفيق.