جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 7 مارس 2016

(9) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)

بسم الله الرحمن الرحيم
(9) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)
اختصارُ درسِ السادس عشر من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

* فصل غزوة حمراء الأسد: وقد كانت في السنة الثالثة في شوال عقب غزوةِ أُحُد، وقعةُ أُحُد يوم السبت، وغزوة حمراء الأسد يوم الأَحَد.
* سبب الغزوة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاف من رجوع قريش كما في صحيح البخاري (4077)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ: الزُّبَيْرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ المُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، قَالَ: «مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالزُّبَيْرُ ». وأيضًا إرهابًا للعدو لأنه خرج بجيشه بجراحاتهم رضي الله عنهم ،وهذا دليلٌ أنه  لا يزالُ عندهم قوة .
وقد جاء أن قريشًا بعد انتهاء معركة أُحد انصرفوا راجعين إلى مكة، فلما كانوا في الطريق تلاوم بعضُهم على بعض، وقالوا: قاتلتم محمدًا وأصحابه وكسرتم شوكتهم ولكن بقي فيهم رؤوس سيجمعون لكم، ثم يقاتلونكم فهمُّوا بالرجوع إلى المدينة، وعلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك فندب أصحابَه وأمرهم بالخروج إلى كفار قريش إلا من لم يشهد وقعة أحد، وكانوا في غزوة أُحُد سبعمائة وقُتِلَ منهم سبعون واستأذنه جابر بن عبدالله وذكر له أنه تخلَّف عن غزوة أُحد لأمر أبيه عبدالله بن عمرو له أن يبقى في رعاية أخواته فأذن له ولم يأذن لغيره ممن لم يشهد غزوةَ أحد. واستجاب الصحابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم  فخرجوا وهم منهكُون بالجروح.
* الحكمة في عدم إذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالخروج معه إلا لمن شهد وقعة أُحد : قال الزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 465): لعل حكمة ذلك وإن كان خروج المتخلفين فيه زيادة في إرهاب الأعداء وتقوية المسلمين، أنه أراد إظهار الشدة للعدو, فيعلمون من خروجهم مع كثرة جراحاتهم أنَّهم على غاية من القوة والرسوخ في الإيمان وحب الرسول, والزيادة في تعظيم من شهد أُحد، أو أنه خاف اختلاط المنافقين بهم فيَمُنُّون عليه بعدُ بخروجهم معهم.اهـ المراد.
* مر معبد بن أبي معبد الخزاعي وكان كافرًا، وذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أنه أسلم. فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يثبِّط كفار قريش فمر معبد بأبي سفيان وجماعته بالروحاء فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد خرجوا في طلبهم وثبطهم وكسر شوكتهم فاستمروا راجعين إلى مكة .
* جاء أن المشركين رأوا واحدا ذاهبًا إلى المدينة. فقالوا: قل لمحمد إننا نجمع له فبلغ النبي وصحابته فزادهم إيمانًا وقوة، كما قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173]. وإنما هذا تخويف الشيطان للمسلمين مِن أوليائه وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]. (يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي: يخوفكم أولياءَه.
* قتلُ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاوية بن المغيرة بن أبي العاص: وظفر عليه الصلاة والسلام به فأمر بضرب عنقه صبراً، وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مران، فلم يقتل أحد سواه في غزوة حمراء الأسد.
* قتلُ الصبر قال ابنُ الأثير في النهاية :هُوَ أَنْ يُمسَك شيءٌ من ذوات الرُّوح حيَّا ثم يُرْمى بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ. هذا مختصر الكلام على غزوة حمراء الأسد .


* بعث الرَّجيع: ثم بعث صلى الله عليه وسلم بعدَ أُحد بعثَ الرجيع، وذلك في صفر من السنة الرابعة، وبعضهم ذكرها في سنة ثلاث كابن إسحاق، وقد نقل ذلك الحافظ في فتح الباري عن ابن إسحاق أنه ذكر غزوة الرجيع في أواخرسنة ثلاث. اهـ.
* سبب الغزوة: أن عضَلَ والقارة وهما قبيلتان سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قدموا عليه أن يبعث من يعلمهم ويقرؤهم القرآن وذكروا له أن فيهم إسلاماً، فأرسل إليهم مجموعة من أصحابه. وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث هؤلاء العشرة عينًا أي جواسيس لبعض الأمور. فالروايات مختلفة في سبب بعثهم . والله أعلم.
* عدد بعث الرجيع: فبعث ستةَ نفر في قول ابن إسحاق، وقال البخاري في صحيحه كانوا عشرة. وقال أبو القاسم السهيلي: وهذا هو الصحيح.
* جاء أنه أمَّرالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهم، وفي صحيح البخاري وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ قال الحافظ في فتح الباري: قَوْلُهُ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ كَذَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي السِّيرَةِ أَنَّ الْأَمِيرَ عَلَيْهِمْ كَانَ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ وَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .اهـ.
* حكم الإمارة في السفر والحضر: أما الإمارة في السفر فهي مشروعة، فقد روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ». وأما الإمارةَ في الحضر فغير مشروعة وما عليها دليل ،إلا إذا كان منصوبًا من قِبَلِ الأمير. هذا ما أفاده الوالد رحمه الله وكان يكررُ في دروسه إنكاره على الحزبيين الإمارة في الحضر، وكذا في فتاوى اللجنة الدائمة نحو ذلك.
* فلما وصلوا إلى الرجيع غدروا بهم وقتل عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدَّثِنة فذهبوا بهما وباعوهما في مكة. وذلك بسبب ما كانا قتلا من كفار قريش من يوم بدر لأن خبيبًا وزيد بن الدثنة كانا من الأبطال في غزوة بدر.
*فأما خبيب رضي الله عنه فمكث عندهم مسجوناً وكان له من الكرامات مافي صحيح البخاري: " لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ". ثم أجمعوا على قتله فخرجوا به إلى التنعيم ليقتلوه وذلك لأن كفار قريش كانوا يعتقدون حرمة مكة. فاستأذنهم أن يصلي ركعتين فأذنوا له: فصلاهما "فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ" كما في صحيح البخاري .فيستحب لمن سيقام عليه القصاص أن يركع ركعتين. ثم قال: والله لولا أن تقولوا أن ما بي جزعٌ لزدت، وهذا دليل على شجاعته، ودعا عليهم بدعوات (قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا) كما في صحيح البخاري فاستجاب الله دعوته في كثير منهم ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
قتلوه ووكلوا بحراسة جُثَّته ثم جاء متسللا عمرو بن أمية الضمري كان شجاعًا بطلًا فجاءه فأخذه ثم ذهب به ودفنه.
*وأما زيد بن الدَّثِنة رضي الله عنه فاشتراه صفوان بن أمية بن خلف فقتله بأبيه؛ لأن أباه قتل في غزوة بدر.
وقد أسلم بعد ذلك صفوان بن اُمية ،وأبوه أمية بن خلف قُتِل يوم بدرٍ كافرًا .والله أعلم .