جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 4 مارس 2016

(7) الإجابة عن الأسئلة


أُخيَّة هل من كلمةٍ في أسباب الهمَّة في طلبِ العلم؟.

ج :قال الإمامُ البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في" كتاب العلم"
(ﺑَﺎﺏُ اﻟﺤِﺮْﺹِ ﻋَﻠَﻰ اﻟﺤَﺪِﻳﺚ) .

ثُمَّ ذكَرَ حديْثَ ﺃَﺑِﻲ ﻫُﺮَﻳْﺮَﺓَ ﺃَﻧَّﻪُ ﻗَﺎﻝَ: ﻗِﻴﻞَ ﻳَﺎ ﺭَﺳُﻮﻝَ اﻟﻠَّﻪِ ﻣَﻦْ ﺃَﺳْﻌَﺪُ اﻟﻨَّﺎﺱِ ﺑِﺸَﻔَﺎﻋَﺘِﻚَ ﻳَﻮْﻡَ اﻟﻘِﻴَﺎﻣَﺔِ؟ ﻗَﺎﻝَ ﺭَﺳُﻮﻝُ اﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ: «ﻟَﻘَﺪْ ﻇَﻨَﻨْﺖُ ﻳَﺎ ﺃَﺑَﺎ ﻫُﺮَﻳْﺮَﺓَ ﺃَﻥْ ﻻَ ﻳَﺴْﺄَﻟُﻨِﻲ ﻋَﻦْ ﻫَﺬَا اﻟﺤَﺪِﻳﺚِ ﺃَﺣَﺪٌ ﺃَﻭَّﻝُ ﻣِﻨْﻚَ ﻟِﻤَﺎ ﺭَﺃَﻳْﺖُ ﻣِﻦْ ﺣِﺮْﺻِﻚَ ﻋَﻠَﻰ اﻟﺤَﺪِﻳﺚِ ﺃَﺳْﻌَﺪُاﻟﻨَّﺎﺱِ ﺑِﺸَﻔَﺎﻋَﺘِﻲ ﻳَﻮْﻡَ اﻟﻘِﻴَﺎﻣَﺔِ، ﻣَﻦْ ﻗَﺎﻝَ ﻻَ ﺇِﻟَﻪَ ﺇِﻻَّ اﻟﻠَّﻪُ، ﺧَﺎﻟِﺼًﺎ ﻣِﻦْ ﻗَﻠْﺒِﻪِ، ﺃَﻭْ ﻧَﻔْﺴِﻪِ» .

والسائلُ هو أبوهريرة ففي روايةٍ أخرى عند البخاري(6570) : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ..بدل قيل .

أثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أبي هريرة  لحرصه على العلم ،وقد كان أبوهريرةَ حافظا كبيرا وهذا من ثمار الحرص على العلم والهمة العالية .

وأخرج مسلمٌ في صحيحه (2295)عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ الْحَوْضَ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَارِيَةُ تَمْشُطُنِي، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ» .
فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ: اسْتَأْخِرِي عَنِّي، قَالَتْ: إِنَّمَا دَعَا الرِّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ، فَقُلْتُ: إِنِّي مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِيَّايَ لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ عَنِّي كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، فَأَقُولُ: فِيمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا " .
وهذا من آداب الطالب أن يكون ذا همَّةٍ عاليةٍ حريصًا على العلم .

هناك أسبابٌ تبعث الهمةَ
1-الدعاء: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } .
2-القراءة في فضل العلم حتى إن من أهل العلم كالشافعي يقول في الأثر الثابت عنه :طلب العلم أفضل من النافلة .
والعلم نورٌ ورفعة وطريقٌ إلى الجنة وإلى كل خير،ومن أسبابِ انشراح الصدروالطمأنينة ،بخلاف الجهل فهو ظلمة وشقاوة ولهذا استعاذ منه أنبياءالله وقد ذكر الله عن نبيه موسى أنه قال { أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. والجهل مسبَّةٌ ومذمَّة ،حتى الجاهل لو قيل له ياجاهل قد ينفُر لأن هذا لقب سوء .
3-التأمُّل في كثرة مكدِّرات الحياة الدنيا وكثرة أحزانها وأنها دارُ زوال وما هي إلا أيام وينتقل إلى قبره ولا ينفعه إلا ما قدَّم لنفسه من الخير والعلم فلا تشغله الدنيا ولا يثنيه الكسل والصوارف عن سعادته وحياته الأُخروية  .
4-الارتباط بحلقةٍ من حلقات العلم
إن الدواعي تشد القوى       والقلوب ليست بسواء
إذا فيه داعي فإنه  يشحذُ الهمة ، (والقلوب ليست بسواء) تتفاوت في الهمة .

وبعضهم حتى إن كان هناك داعي، بعض القلوب باردة مهملة حتى وإن كان فيه درس، وإن كان هناك إلقاء ،أو لقاء، وإن كان هناك إلزام .
5-الجليس الصالح عالِي الهمَّة ولهذا ربنا يقول { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} .
فمجالسة أهل الهمة الذين يحزنهم ذهابُ الدقيقة من غير فائدة واستفادة مما يعلو به الهمة .
6-تنظيم الوقت من أسباب النجاح بإذن الله وبعث الهمة،يكون الوقت مرتَّبًا ،يمشي الطالب على جدول ففي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قال له :فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا .
7-استغلال بكور اليوم ففيه بركة (اللهم بارك لأمتي في بكورها ) وإذا وجد الطالب الثمرة من وقته وإنجازه لأموره يبعث فيه الهمة وتقوى عزيمته .
8-القراءةُ في سيرة سلفنا الصالح وماكانوا عليه من الهمة العالية وقد كانَ أحدهم  يرْحَلُ لأجل حديثٍ واحدٍ . جاءعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «إِنْ كُنْتَ لَأَسِيرُ ثَلَاثًا فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ» أخرجه الرامهرمزي وغيره.
وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: «أَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ مَا لِي بِهَا حَاجَةٌ إِلَّا رَجُلٌ عِنْدَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ لِأَسْمَعَهُ مِنْهُ» أخرجه الرامهرمزي .
9-عدم الانقطاع في السير في طلب العلم لأن الانقطاع  يُعيق عن التقدُّم مما قد يسبب الضعف والفشل . وقد قيل :من ثبتَ نبتَ .وأخرج الخطيب رحمه الله  في «جامعه» (1879) من طريق أبي العباس أحمد بن يحيى، قال: قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا.
 والنفس إذا وجدت ثمرة تنشط .
10-النظر إلى سوء عاقبةِ الكسل في طلب العلم وعبادة رب العالمين وأنه مرضٌ وحِرمان .
اصْبِرْ عَلَى مَضَضِ الْإِدْلَاجِ بِالسَّحَرِ ... وَبِالرَّوَاحِ عَلَى الْحَاجَاتِ وَالْبُكُرِ
لَا تَعْجِزَنَّ وَلَا يُضْجِرْكَ مَطْلَبُهَا ... فَالنُّجْحَ يَتْلُفَ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالضَّجَرِ
إِنِّي رَأَيْتُ وَفِي الْأَيَّامِ تَجْرُبَةٌ ... لِلصَّبْرِ عَاقِبَةً مَحْمُودَةَ الْأَثَرِ
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ يُطَالِبُهُ ... وَاسْتَصْحَبَ الصَّبْرَ إِلَّا فَازَ بِالظُّفُرِ
ويقول آخر:
اطلُبَنْ ولا تضجرن من مطلَبٍ    فآفةُ الطالبِ أن يضجرَا
ألاترى الحَبْلَ بتكرَاره               في الصخرة الصماء قد أَثَّرَا
وقال ابنُ الوردي رحمه الله في لاميته
اطلُبِ العلمَ ولا تكسلْ  فما       أبعدَ الخيرَ على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا      تشتغل عنه بمالٍ وخَوَل
هذه بعض أهمِّ أسباب الهمة العالية ،ونحن في زمنٍ الهِممُ فيه ضعُفَتْ ،والقُوَى فيه وهَنَتْ ، وانصرفت إلى دنيا فانية وخيَّم عليها الغفلة والكسل .اللهم لطفك بنا .