جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 5 يناير 2016

(5) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَة


المرادُ بحقِّ العبادِ على الله

أخرج الإمام البخاري  في كتاب التوحيد والإمامُ مسلم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ؟» ، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَاحَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟» ، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ» .

في هذا الحديث  من الفوائد:
 أن حق الله على عباده أن يعبدوه ولايشركوا به شيئاً.

  إثباتُ حقٍ للعباد على الله سبحانه وتعالى؛ وهو ألا يعذب سبحانه من لا يشرك به شيئاً.

والأدلة التي فيها إثبات حق للعباد على الله سبحانه مثل قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}

[الروم:47] وفي سورة يونس{كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}[يونس:103] وحديث معاذ هذا .

هذا الحق هو تفضل من الله سبحانه و منَّة وإحسان.

وإلا فالعباد ليس لهم حق على الله سبحانه كما يجب للمخلوق على المخلوق، هذا قول أهل السنة والجماعة.


فإذا قال القائل: للعبد حق على الله عز وجل باعتبار ما وعد الله به فهذا القول صحيح، باعتبارما وعد الله به من 

النجاة من الناروالفوز بالجنة والنصرللمؤمنين ونحو ذلك فهو بهذا المعنى صحيح لأن الله سبحانه لايخلف وعده {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[آلعمران:9] {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}[التوبة:111] .

قال شيخ الإسلام كما في مجموع فتاواه(1/ 217) مَنْ قَالَ: بَلْ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحَقَّ الَّذِي أَخْبَرَاللَّهُبِوُقُوعِهِ فَإِنَّ اللَّهَ صَادِقٌ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِحِكْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمته اهـ.

وإذا قال القائل: ليس للعبد حق على الخالق باعتبار ما يجب للمخلوق على المخلوق، فهذا صحيح.

قال شيخ الإسلام كما في مجموع فتاواه (1/ 214) : مَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ حَقٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَلِلْمَخْلُوقِ عَلَيْهِ حَقٌّ بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا يَجِبُ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ وَهَذَا كَمَا يَظُنُّهُ جُهَّالُ الْعُبَّادِ مِنْ أَنَّ لَهُمْ عَلَى اللَّهِسُبْحَانَهُ حَقًّا بِعِبَادَتِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّ النُّفُوسَ الْجَاهِلِيَّةَ تَتَخَيَّلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِعِبَادَتِهِ وَعِلْمِهِ يَصِيرُ لَهُ عَلَى اللَّهِ حَقٌّ مِنْ جِنْسِ مَا يَصِيرُلِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ كَاَلَّذِينَ يَخْدِمُونَ مُلُوكَهُمْ وَمُلَّاكَهُمْ فَيَجْلِبُونَ لَهُمْ مَنْفَعَةً وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ مَضَرَّةً وَيَبْقَى أَحَدُهُمْ يَتَقَاضَى الْعِوَضَوَالْمُجَازَاةَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ جَفَاءٍ أَوْ إعْرَاضٍ يَرَاهُ مِنْهُ: أَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا؟ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِمَا يَفْعَلُهُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ كَانَ ذَلِكَ فِينَفْسِهِ. وَتَخَيُّلُ مِثْلِ هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَهْلِ الْإِنْسَانِ وَظُلْمِهِ وَلِهَذَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
عَنْ الْخَلْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وقَوْله تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَارَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} اهـ المراد .


ويبقى الإشكال بين الحديث الذي في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا ، أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا أَنْتَ ؟ ، قَالَ : " وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) . 
وقوله عز وجل { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }[النحل:32]  .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(1/ 217) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ} لَا يُنَاقِضُ قَوْلهتَعَالَى {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ نُفِيَ بِبَاءِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ كَمَا يُقَالُ بِعْت هَذَا بِهَذَا وَمَا أُثْبِتَ أُثْبِتَ بِبَاءِ السَّبَبِ فَالْعَمَلُ لَايُقَابِلُ الْجَزَاءَ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ  .اهـ.
فالباء  في الآية الكريمة سببية، أي بسبب أعمالكم .


وبفهمِ هذا فهماً صحيحا  -في المراد بحق العباد على الله وأنَّ هذا باعتبار ماوعدالله به ،وأن العمل الصالح سببٌ في دخول الجنة -يأمنُالموحِّد على نفسه من الخطأِ في هذا الجانب فقد ضلَّتِ المعتزلة لسوء فهمها لهذه الأدلة وتباعدتْ عن الصواب وقد أشار إلى قولهم شيخُ الإسلامِ في كلامه السابق .

نسألُ اللهَ الفهمَ الصحيحَ .