جديد الرسائل

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

الدرس السابع من /شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 13 من شهر ربيع الأول 1437 .


بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ}[الناس: 2]


فِيهِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .


7382 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، 

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ 

النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، 

وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ " .


وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ مُسَافِرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى،عَنِ 

الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مِثْلَهُ .


******************************

حَدَّثَنَا (أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ): وهو المصري تقدم في أول كتاب التوحيد .
(حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ): تقدم وهو عبد الله.

(أَخْبَرَنِي يُونُسُ): ابن يزيد الأيلي .

 إذا وجدنا يونس عن ابنِ شهاب فهو ابن يزيدَ الأيلي .

ومن وصايا ابن شهاب ليونس ما رواهُ ابنُ عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (1/405) من طريقابن وهب، قال: حدثنا 

يونس بن يزيد، قال: قال لي ابنُ شهاب: يا يونسُ لا تكابرْهذا العلمَ فإنَّما هو أوديةٌ، فأيها أخذتَفيه قبل أن تبلغَه قطع بك، ولكن 

خذْه مع الليالي والأيام .
هذا أثر صحيح .

وهذا من نصائح أهل العلم للطالب التدرُّج في أخذ العلم.


 وأخرج  الخطيبُ في «جامعه» (453) من طريق عبدالرزاق 


قال: سمعت معمرًا يقول: منطلب الحديث جملةً ذهب منهجملة،

إنما كنا نطلب حديثًا وحديثين.

هذا أثر حسن .

وأخرج أبونعيم في حلية الأولياء(7/140) من طريق أبي الوليد 

الطيالسي، ثنا شعبة قال: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين ثم 

يقول لي: أزيدك فأقول: لا حتى أتحفظهما وأتقنهما.

والأثر ثابتٌ .


وقد يأتي عند الطالب في بداية العلم حماسٌ شديد، عنده نهمةٌ 


وهمَّةٌ ولكنه يُسيء التصرف .


 فمثلًا كان في دار الحديث بدماج الدروس تُفتح في اليوم كذا و 

كذا من الدروس ما يقارب خمسين درسًا، و ما أشبه ذلك .


 فإذا لم يكن عنده معرفة بآداب طلب العلم،  يُحَمِّل نفسَه  فوق 


طاقتها فيتخبط ، يجمع له ستة دروس أو نحو ذلك وتختلط 

المعلومات، ما يهضِم، و يسوءُ فهمُه.


 فيأخذ من العلم والدروس والحفظ فوق طاقته، فيسبب له فشلًا 

في سيره حتى قيل:


ومُشَتَّتُ العزماتِ ينفق عمرَه ***** حيران لا ظَفَرٌ ولا إخفاقُ


لكن بفضل الله، إذا فيه من يُربِّي من المشايخ  

والمعلِّمين الناصحين يكون الطالبُ مُسدَّدًا في طلبه 

وموفَّقاً في سيره.

وقد كانَ والدي رحمه الله يحذِّرُ كثيراً الطالبَ من سوء التصرف 


في الطلب ومنه حفظنَا البيتَ السابق .


(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): محمد بن مسلم الزهري، متفق على جلالته 

وإتقانه.

وعيبَ عليه الدخولُ على الأمراء، و لكنه كان يدخل عليهم 

لنصحهم.


وقد قالالنبي ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ كما جاء في 

مسند أحمد (18830) عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ 

رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ: أَيُّ 

الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ".

وهو القائل ـ رحمه الله تعالى ـ (إعادة الحديث علي أشد من نقل 

الصخر) يعني ثقيل أن يعيد العبارة بلفظها قد ينقص وقد يزيد.

واستفدنا من دروس والدي رحمه الله

أنَّ الزُّهْرِيَّ كان يأكل الزبيبَ ليقوى حفظُه .

ولا يأكل التفاحَ ويقول : أكلُ التفاحِ يورثُ النسيانَ .

و من مذاكرته للعلم أنهُ كان يسمعُ العلمَ من عروةَ وغيرِه فيأتي 

إلى جاريةٍ له وهي نائمةٌ فيوقِظها فيقول:

 اسمعي حدثني فلانٌ كذا وفلانٌ كذا فتقول: مالي وما لهذا الحديثِ  .
فيقول: قد علمتُ أنك لا تنتفعينَ به ولكن سمعتُه الآنَ فأردتُ أن 

أستذكرَه .

واختبره هشامُ بنُ عبدالملك  في قوله تعالى { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .

فقد دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْمَانُ {الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ }مَنْ هُوَ ؟.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ  .
 قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ  .
قَالَ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ  .
 فَدخل الزُّهْرِيّ فَقَالَ يَا ابن شهَاب من الَّذِي تولَّى كبره قَالَ ابن أُبَيٍّ قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ  .
فَقَالَ أَنَا أكذب لَا أبالك وَاللَّهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا كَذَبْتُ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ  .

وجاء عن الوليد بن عبدالملك أنه سأل الزهري عن ذلك  .اهـ
قلتُ : أثر مذاكرة الزهري للجارية عند الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1887) بسندٍ حسن .

وقصة اختبار الزهري في الذي تولَّى كبره (ينظر فتح الباري 7/تحت رقم 4146)  .

(عَنْ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ المُسَيِّبِ): هو ابن المسيب بن حَزْن، أبوه 

صحابي وقدأخرجَ البُخاري (6190)من طريق  ابْنِ المُسَيِّبِ، 

عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا 

اسْمُكَ» قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ» قَالَ: لاَ أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ 

أَبِي قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: «فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ» .


قال النبي ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ لجده حزن: ما 

اسمك؟ قال: حزْن، لم يقل : أبوفلان لأنه سأل عن اسمه.


قال سعيد بن المسيب: فما زالت الحُزونة فينا بعدُ - أي الشدة 

والصلابة.


لأن  جدَّه ما امتثل ما عرض عليه النبيُّ ـ صلى الله عليه وعلى 

آله وسلم ـ من تغيير اسمه.


سعيد بن المسيب من كبار التابعين.


وقد اختلف أهل العلم في أفضل التابعين، و نصَّ بعضهم كالإمام 

أحمد أنه سيِّد التابعين وعن علي ابن المديني أنه أجلُّ التابعين .


 قال الحافظ ابنُ كثير في مختَصَر علوم الحديث 194: وقد اختلفوا في أفضل التابعين من هو؟ فالمشهور: أنه سعيد بن المسيب، قاله أحمد بن حنبل وغيره، وقال أهل البصرة: الحسن. وقال أهل الكوفة: علقمة، والأسود. وقال بعضهم: أويس القرَني ، 

وقال أهل مكة: عطاء بن أبي رباح.اهـ


 قال شيخُنا الوالد الكريم : الصواب أنَّه أويس القرَني ؛ وذلك لما 

رواه الإمام مسلم (2542) عنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: إِنِّي 

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ 

رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ 

لَكُمْ» 

.
قلتُ :خَيْرَ التَّابِعِينَ أي أفضل التابعين و هذا نصٌ في المسألة .


سعيد بن المسيب متزوِّج بابنة أبي هريرة ـ رضي الله عنه .


كان هناك واحدة زارتنا في عهد الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله 


تعالى ـ قبل وفاته بنحو ثلاث سنين، فذكرت قصة -والله أعلم 


بصحتها- قالت: "إن سعيد بن المسيب لما تزوج بابنة أبي هريرة ـ 

رضي الله عنه ـ رأته زوجته قام ليتأهَّب، فقالت له: إلى أين؟ 

قال: إلى أبي هريرة. فقالت له: اجلس علم أبي هريرة عندي". 

فقالت هذه المرأة ناصحة لي- أي لأم عبد الله- بعد أن ذكرَت 

القصة: فهكذا كوني ، يكون علم أبيك عندك .


وجزاها الله خيرًا، نصيحة عظيمة. نسأل الله أن ينفعنا بالنصائح 

الطيبة. بعض النصائح الإنسانُيتذكَّرها ويبكي .ونسأل الله أن 

ينفعنا و يوفقنا للخير والصواب.


(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): مُختلَفٌ في اسمه على أقوال كثيرة. والمشهور 

أنه عبد الرحمن بن صخر. هذا الصحابي الجليل ـ رضي الله عنه 

ـ حافظ الصحابة، بل هو أحفظ الأمة.


 وقد قال الذهبي ـ رحمه الله تعالى


ـ في الموقظة: و الحفاظ طبقات ذروتهم أبو هريرة ـ رضي الله 

عنه.هذا الصحابي أسلم عام خيبر في السنة السابعة من الهجرة .

وحبُّه من الإيمان و بغضه من النفاق، فقد روى مسلم في 

صحيحه (2491) عن أَبُي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه الحديث في 

قصة إسلام أمِّ أبي هريرة وفي آخره :قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا، قَالَ: 

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - 

يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمِ 

الْمُؤْمِنِينَ» فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي .

و الرافضة يبغضون أبا هريرة، ويسبُّونه بل يسبون صحابة 


رسول الله ـ صلى الله عليه و على آله و سلم، ولايحبون إلا أهل 

البيت فيما يزعمون .

وقد جاء النَّهْي عن سبِّ الصحابة  كما في صحيح البخاري (3673) وصحيح مسلم (2541) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ 

اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، 

وَلاَ نَصِيفَهُ».

 فلا يجوز أن يُسَبَّ أحدٌ، حتى من لابس منهم الحروب ونحوها ، 

بل نقول كما قال ربنا عزو جل: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ 

وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة:141].

أبوهريرة ـ رضي الله عنه ـ كان بعضهم يَنتقد عليه الإكثار من 

الحديث، فيقول كما في الصحيحين البخاري (2350) ومسلم 

(2492): "يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ، وَاللَّهُ المَوْعِدُ، 

وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَإِنَّ 

إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي 

مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ 

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ 

يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ ...." الحديث.


وأخرج ابنُ سعدٍ في الطبقات ترجمة أبي هريرة من 

طريق الْمَقْبُرِيِّ وهو سعيد ابنُ أبي سعيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ 

إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: قَدْ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ 

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: فَلَقِيتُ رَجُلا فَقُلْتُ: أَيَّةَ سُورَةٍ قَرَأَ 

بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ .

فَقَالَ: لا أَدْرِي! فَقُلْتُ: أَلَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: قُلْتُ وَلَكِنِّي 

أَدْرِي قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا .

وسندهُ حسن .

 مشيرًا إلى اهتمامه بالعلم واجتهاده رضي الله عنه .

وفي المستدرك عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا دَعَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : يَا 

أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنَا أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهَا عَنِ النَّبِيِّ 

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ؟ هَلْ سَمِعْتَ إِلَّا مَا سَمِعْنَا ؟ وَهَلْ رَأَيْتَ 

إِلَّا مَا رَأَيْنَا ؟ قَالَ : يَا أُمَّاهُ ، إِنَّهُ كَانَ يَشْغَلُكِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى 

اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَرْآةُ وَالْمُكْحُلَةُ ، وَالتَّصَنُّعُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى 

اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كَانَ يَشْغَلُنِي عَنْهُ شَيْءٌ.

وأخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة» (1/486)  وهو أثرٌ صحيح .

فأفحمَها رضي اللهُ عنهما .

ما أحسن حياة الصحابة  ، حياة تبعث في القلوب الحياة ، وقوَّةَ 

الإيمان ،والهمة العالية ، والرغبة في الآخرة .

هذا الصحابي الجليل فضائله كثيرة لازم النبي ـ صلى الله عليه 

وعلى آله وسلم ـ أربع سنين.


وابن عمر يشهد له ويقول: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ 

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَأَحْفَظَنَا لِحَدِيثِهِ. كما جاء عند الترمذي (3836) .

احترام الصحابة، و محبتهم، و حسن الظن بهم واجب ،وهذا من 

عقيدتنا.


 (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مِثْلَهُ)  يعني بدل سعيد بن المسيب.


 ـ في هذا الحديث من الفوائد إثبات عدة صفات لله عز وجل.


1-صفة القبض لله عز و جل (يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ). 

والقبض: أخذ الشيء باليد.


2- صفة الطوي لله عز و جل لقوله (وَيَطْوِي السَّمَاءَ)، و في 


القرآن الكريم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ 


يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا 

يُشْرِكُونَ}[الزمر:67] وقال سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ 


السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}


[الحج:104].


 السجل: الصحيفة. والطَّي: معروفٌ لف الشيء بعضه إلى بعض.


قال الزَّبِيدي في تاج العروس : طَوَى الصَّحيفَةَ يَطْويها طَيّاً، 

فالطَّيُّ المَصْدَرُ، وَهُوَ نَقِيضُ نَشَرَها . اهـ


هذه الصفة على ظاهرها ،أما أهل التحريف فيقولون : هالكة 

،تالفة .


2-إثبات صفة اليمين لله عزوجل (وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ)، (وكلتا 


يديه يمين) كما في صحيح مسلم (1827) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو 


قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ 

عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ 

يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» .

أما ما جاء في صحيح مسلم (2788)في المتابعات عَنْ عُمَرَ بْنِ 

حَمْزَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ 

رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَطْوِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ 

يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ 

الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: 

أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟".


 فلفظة (بِشِمَالِهِ) من طريق عمر بن حمزة و هو ضعيف فهي 

لفظةٌ منكرةٌ، و قد حكم بنكارتها بعض العلماء. وكان الشيخ 

مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ يذكر أنها غير ثابتة.


3-إثبات صفة القول لله عز وجل (ثُمَّ يَقُولُ).


4- الرد على من قال: لا يقال (الله يقول) وإنما يقال (قال الله)، و 

من الأدلة أيضًا قول ربنا عز وجل: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي 

السَّبِيلَ}[الأحزاب:4]. وهذا عليه جمهور العلماء أنه يجوز 


ولاكراهة فيه.


والذي خالف مطرِّف بن عبدالله بن الشخِّير كما أخرج أبونعيمٍ في 

الحلية ترجمة مطرِّف  من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ وهو ابنُ مهدي ، 

عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ، 

قَالَ: " لَا تَقُلْ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ وَلَكِنْ قُلْ: قَالَ اللهُ الأثر .


 و قد ذكر هذا النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في التبيان في آداب 

حملة القرآن .


5-إثبات اسم لله عز و جل و هو (الملِك) .


ويتضمن هذا الاسم إثبات الملك لله سبحانه و تعالى.


قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بدائع الفوائد في معنى الملك: 


أما الملك فهو الآمر الناهي، المعز المذل، الذي يُصَرِّفُ 


أمورعباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء.


و هذا الاسم مشترك في التسمية به بين الله عز وجل وبين خلقه، 


قال سبحانه: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى ...}[يوسف:43] سماه ملك .


العزيز قال سبحانه: {.... قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ}[يوسف:51].


المؤمن، ويسمى العبد المؤمن مؤمنًا ومن أدلة ذلك عَنْ أَبِي 

هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: 

مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ 


احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ" رواه البخاري (6424).


البصير قال سبحانه: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}[فاطر:19] 

هذا للمخلوق.


ومن أسماء الله عز و جل البصير، قال تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ 


الْبَصِيرُ}[الشورى:11].

الحي من أسماء الله {الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[البقرة:255]، و من أسماء 

المخلوق {... وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}[يونس:31] .


الكريم من أسماء الله وهو أيضاً يطلق على الكريم من المخلوقين 


أخرج البُخاري (3390)عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ 


النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ، 

ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ 

عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ» .

 و ما أشبه ذلك والله أعلم .


6-في هذا الحديث إثبات عظمة الله عز و جل وقوته و قدرته، 

يقبض الأرض بيده ويطوي السماء بيده مع سعة الأرض 

و السماء و عظمهما. فسبحان الله ما أعظم قدرته!


7- أن مآلَ هذه الدنيا و من عليها إلى الزوال و الفناء. فالأرض 

تَفنى، و كذلك السماء تَفنى. {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ 

وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:48] .

 و قد جاء حديث يبين أين يكون الناس إذا بُدِّلت الأرض. فقد 

روى مسلم في صحيحه (315)عن ثوبان رضي الله عنه 

 الحديث و فيه أن يهوديًا سأل النبي ـ صلى الله عليه و على آله و 

سلم ـ ": أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ 

وَالسَّمَاوَاتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ فِي 

الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ» ...." الحديث. الجسر: الصراط.

و هذه مسألة غيبية نؤمن بها. وقد ذكر لنا الوالدُ الشيخ مقبل ـ 


رحمه الله تعالى ـ أن شيخًا سُئل أين يكون الناس إذا غُيرت 

الأرض، قال فأنكر الشيخ و قال: سبحان الله هذه أمور غيبية!


قال الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى: و الحديث في صحيح مسلم أن 

الناس يكونون في ظلمة دون الجسر.اهـ

 و سبحان ربنا ، لاعلم لنا إلا ماعلَّمنا . فالإنسان يلزمه التواضع 

إذا علِم شيئاً جهِلَهُ غيره ،ويحمد الله عز و جل إذ علَّمه ما جهل غيره .


8ـ و في الحديث التزهيد في الدنيا؛ لأنه إذا كان هذا حال الدنيا، 

و حال أهلها - الفناء و الزوال - فإن هذا ينفِّر القلوب من محبتها 

ويبعث الرغبة في الآخرة. دار الدنيا دار فناء، وكل من عليها 

يفنى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[الرحمن:27،26] .

 و لهذا ربنا عز و جل في أدلة كثيرة يُرغِّبُ في الآخرة؛ لأن 

الآخرة هي دار الحياة الحقيقية كما قال سبحانه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ 

الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا 

يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64]. لَهِيَ الْحَيَوَانُ: أي الحياة الحقيقية.


و أمر سبحانه بالصبر على مجالسة أهل الآخرة، ولزوم صحبتهم 

فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ 

يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا 

تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}

[الكهف:28] .


 وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}

[التوبة:119]. و الصدق: عام في الأقوال و الأفعال و العقائد.


نسأل الله العافية من فتنة المحيا والممات .

(أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ) (أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)

  كما في بعض الروايات الأخرى. أي أين ذهب ملوك الأرض، و أين ذهب الجبارون، وأين ذهب المتكبرون؟


- أما قوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ}[الناس: 2] .


الله عز و جل مالك الكون كله، و لكن خَصَّ الناس لسبب. قال 

ابن جرير ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير هذه الآية، قال: (هو ملك 
جميع الخلق إنسهم و جنهم و غير ذلك - ثم ذكر وجه تخصيص 

ذلك بـ (ملك الناس)- و قال: إعلامًا منه بذلك من كان يعظِّم الناسَ تعظيم المؤمنين ربهم، أنه ملك من يعظِّمهم، و أن ذلك في 

مُلكه و سلطانه تجري عليه قدرته. و أنه أولى بالتعظيم، و أحق 

بالتعظيم له ممن يعظمه و يتعبد له من غيره من الناس).


أي (إعلامًا منه )إيذانًا بأنه يجب أن تنصرف القلوب إلى تعظيم 

الله وحده، و تحقيق توحيده، و إفراده بالعبادة سبحانه فالناس كلهم 

ملك لله.

الشاهد من الباب إثبات اسم الملك لله عز وجل .


 فالملك اسم ثابت لله عز وجل بالكتاب والسنة


ومن أسمائه (مليك) كما قال سبحان {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ 

مُقْتَدِرٍ}[القمر:55] .



 و(مالك) كما قال سبحانه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4].

واللهُ أعلم .