تابع/سلسلة المسائل النسائية
أخرجَ الحاكِمُ في المستدرك عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا دَعَتْ أَبَا هُرَيْرَةَ
،
فَقَالَتْ لَهُ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنَا
أَنَّكَ تُحَدِّثُ
بِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
؟ هَلْ سَمِعْتَ إِلَّا مَا
سَمِعْنَا ؟ وَهَلْ رَأَيْتَ إِلَّا مَا رَأَيْنَا ؟ قَالَ
: يَا أُمَّاهُ ، إِنَّهُ كَانَ يَشْغَلُكِ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَرْآةُ وَالْمُكْحُلَةُ ، وَالتَّصَنُّعُ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا
كَانَ يَشْغَلُنِي
عَنْهُ شَيْءٌ.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة» (1/486) وهو
أثرٌ صحيح .
ما أحسن حياة الصحابة رضي اللهُ عنهم حياة تبعث في القلوب
الحياة ،وقُوَّة الإيمان ،والهمة العالية.
أبو هريرة رضي اللهُ عنه يبيِّن لعائشةَ رضي اللهُ عنها أنه كانَ
متفرِّغَاً للعلم .
وأنها كانت قد تُشغل بخدمة زوجها رسولِ الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم والتَّزَيُّن له عن العلم .
ونستفيدُ أيضاً من أثر أبي هُريرة رضي اللهُ عنه
المُحافظة على
سلامة العِرْض ودرْءُ
التُّهْمة عن النَّفس .
ولهذا أدلة كثيرة منها قوله تعالى {
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا
جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي
قَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } .
يوسف نبيُّ الله عليه الصلاة
والسلام ما خرج من السجن مع
طول المدة
حتى ظهرت واتضحت براءتُه ونزاهتُه وعِفَّتُهُ .
ولمَّا خَرَجَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أمِّ المؤمنين صفية ،
فَلَقِيَهُ
رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ،
ثُمَّ أَجَازَا، وَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «تَعَالَيَا إِنَّهَا
صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» ، قَالاَ: سُبْحَانَ
اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ
الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ
فِي أَنْفُسِكُمَا
شَيْئًا» والحديثُ متفقٌ عليه .
لكنِّي أُنبِّه أنَّ هذا عند الحاجة واللُّزوم
فلا يُتشاغلُ بهذا عمَّا هُوَ
أهَمُّ وعن العِلْم وعندَاللهِ الموعِد وهُنَاكَ يُقامُ العدلُ ويُتقَاصُّ
للمظلُومِ من الظالم .
وحقوقُ الآدميين مبنيَّةٌ على المُشاحَّة ،وحقوقُ اللهِ
مبنيةٌ على
المُسامحة .واللهُ المُستعان .