فيها مسائل
1-الإيمان بالبعث وهذا هو الركن الخامس من أركان الإيمان .
2-قال الحافظ ابن كثير : وفيه
إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب مَنْ يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم
بالضلالة، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق، كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب: {
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ
الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الحديد: 17] .
3-أن الله يكتب ما قدموا من الأعمال في دار الدنيا كما قال سبحانه {وَكُلَّ
إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى
بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}وقال :{ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا
نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال
:{ وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا
تَفْعَلُونَ}وقال { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ
وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} .
4-أن الله يكتب آثارهم .
وهذا فيه قولان
أن المراد آثارُهم التي أورثوها أي سنُّوها من بعدهم سواء من خير أو
شر كما قال تعالى { لِيَحْمِلُواْ
أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ
بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النحل : 25 ] الآية .
وقال تعالى : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ
أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] .
ولحديث جرير عند مسلم(1017)أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ
سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ
بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ
فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ
عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ
شَيْءٌ» .
وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ
انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ
جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ "
.
وعلى أحد التفاسيرفي قوله تعالى : { يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ
بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ }وقوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ
وَأَخَّرَتْ }
أن المراد{ بما أخَّر} و{ وَأَخَّرَتْ }أعماله التي سنَّها بعده .
الثاني :آثار خُطاهم إلى الطاعة أو المعصية إلى المسجد أوغيره فقد قال تعالى : { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً
إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } [ التوبة : 121 ] .
قال الشنقيطي في تفسير يس {
وآثارهم }فإن ذلك يستلزم أن تكتب لهم خطاهم التي قطعوا بها الوادي في غزوهم .
والحافظ ابن كثير يبين أنه لا تنافي بين التفسيرين وأن الآية دليل
للمسألتين يقول رحمه الله :
وهذا القول-أي أن الآثار هي الخُطا إلى الطاعة أو المعصية - لا تنافي
بينه وبين الأول-أنها أعمالهم التي باشروها والأعمال السيئة التي سنُّوها من بعدهم
-، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق
الأولى والأحرى.
فإنه إذا كانت هذه الآثار
تُكتَب، فلأن تُكْتَبَ تلك التي فيها قُدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى، والله
أعلم .
وقد يحصل إشكالٌ بينَ قوله
تعالى {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى } فإنَّ هذه الآية دليلٌ على أنه لا يحمل أحدٌ ذنبَ أحد .
وبين الأدلة الأخرى في حمل أوزار الذين يُضلونهم بغيرعلم .
وقد طرَح السؤالَ الشنقيطيُّ
رحمه الله في أضواء البيان في تفسير سورة العنكبوت وأجاب عنه وقال :
فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَحَمُّلِهِمْ بَعْضَ أَوْزَارِ غَيْرِهِمُ
الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ
رُؤَسَاءَ الضَّلَالِ وَقَادَتَهُ تَحَمَّلُوا وِزْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وِزْرُ
ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ.
وَالثَّانِي: وِزْرُ إِضْلَالِهِمْ غَيْرَهُمْ ; لِأَنَّ مَنْ سَنَّ
سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يُنْقِصُ
ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا. وَإِنَّمَا أُخِذَ بِعَمَلِ غَيْرِهِ ;
لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَنَّهُ وَتَسَبَّبَ فِيهِ، فَعُوقِبَ عَلَيْهِ مِنْ
هَذِهِ الْجِهَةِ ; لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، فَصَارَ غَيْرَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ الْآيَةَ اهـ .
وبهذا يزول الإشكال أنه لا يحمل أحدٌ ذنب أحد وأن هؤلاء الذين ذكرالله
أنهم تحمَّلوا أوزار غيرهم لأنهم(ضلُّوا
وأضلُّوا) سعوا بالضلال ودعوا إلى الشرك وإلى البدع وإلى الفتن فتحمَّلوا آثام غيرهم لكونهم السبب في فعلها .
وفي هذا تخويف لدعاة السوء والضلال فالإنسان يكفيه تحمُّل ذنوبه فكيف
يحمل وزرَ غيره .
5-كتابة كل شيء في اللوح المحفوظ .
{ أحصيناه في إمام مبين }أي بين واضح .
قال ابنُ الجوزي في زاد المسير: أَحْصَيْناهُ أي حَفِظْناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ وهو
اللوح المحفوظ .
6-الحث على مراقبة الله والاستكثار من الخير لأن أعمال ابن آدم مكتوبة
خيرها وسيئها قال تعالى :{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ
(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) } وقال سبحانه :{ إِنَّا
لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} .