مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله ونبيه محمد الأمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد
فإن سيرة الرسول سيد ولد آدم صلى الله عليه وعلى أبينا آدم وسلَّم تسليما كثيراً تشمل حياة
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلَّها من ولادة النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم حتى وفاته ، أفعاله، عبادته، حياته،
شمائله، غزواته .
وإن دراسة سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمن أعظم
نِعم الله عز وجل لِمَا في دراستها من الإعانة على الحصول على الخير والأجر
والسعادة في الدنيا والآخرة.
سيرة رسول الله ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ـ من ثمار معرفتها ودراستها أنها- تحقق المتابعة للنبي ـ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ـ الذي قال الله عز وجل عنه:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب :21] .
ولا
سعادة ولا فوز بالجنة إلا بلزوم نهجه وطريقته {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا
اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْكَافِرِينَ}.
وأخرج البخاري في صحيحه (7280) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ
إِلَّا مَنْ أَبَى» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ
أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» .
سيرة النبي صلى الله عون على محبته وإجلاله وقد أخرج البخاري في صحيحه
(14 )عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ».
وكما أنها تبعث المحبة فكذلك
قراءة السيرة من أسباب زيادة الإيمان والإيمان به
وكم من إنسان أسلم بسبب سماعه ومعرفته سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم ـ وما رزقه الله من الأخلاق العالية فيُسلِم، ويترك دينه وطريقته.
فسيرة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مؤثِّرة .
قال ابن حزم رحمه الله في
"الفِصل في الملل والنحل " (2/73) إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها
تقتضي تصديقه ضرورةً، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، فلو لم
تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى اهـ
دراسة سيرة نبينا محمد من خلالها نعرف الحق من الباطل والمحق من المبطل .
وعون على فهم الدين فهما صحيحا وفهم العقيدة والتوحيد وعون على فهم
القرآن كما أن معرفة أسباب النزول عون على فهم القرآن .
وعون لنا على الأخلاق الزكية فقد أعطاه الله السيرة العلِيَّة والصفات
الزكيَّة في سلوكه وسمته وكرمه وشجاعته ورفقه ورحمته وحُسن معاملته كما وصفه ربه
سبحانه بذلك فقال: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال :{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}وقال
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
فسيرة رسول الله دعوة إلى الأخلاق الحميدة كالصدق، والحياء، والكرم،
والشجاعة، والصبر، والحلم ، والزهد في الدنيا الفانية الزائلة، والإقبال على الآخرة ، والاستعداد لدار المعاد
، فكل حياته ووقته جهاد ومجاهدة .
ومن خلال معرفة سيرة هذا النبي الكريم نعرف عبادته وصومه وصبره
وعبوديته لربه مما يبعث الهمم والشوق إلى المقامات العالية .
أخرج البخاري (4837)ومسلم (2820)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ
مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ
هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا
.. »
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه (485)من طريق ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ فِي الرُّكُوعِ؟ قَالَ: أَمَّا
سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. فَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ
نِسَائِهِ، فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ
يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» فَقُلْتُ: بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي لَفِي شَأْنٍ وَإِنَّكَ لَفِي آخَرَ.
من خلال معرفة السيرة النبوية نعرفة منزلة النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم فلا غلو فنرفعه فوق منزلته ولا
جفاء فننزله عن منزلته .
هذه بعض ثمار دراسة سيرة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ونحمد الله سبحانه وتعالى إذ وفَّقنا لقراءة سيرة رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم .
وبين يدينا كتاب الحافظ ابن كثير
"الفصول في سيرة الرسول "نسأل الله أن يفقهنا في دينه .
وسمى الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ كتابه ب (الفصول ) لأن هذا الكتاب عبارة عن فصول
.
تعريف الفَصْل
قال الجُرجاني في "التعريفات " ص 167 : قطعةٌ من الباب
مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها .
مؤلف الكتاب
هو الإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عُمر بن كثير ـ رحمه الله
تعالى ـ
وهو
مؤلف التفسير الذي أثنى عليه العلماء بثناء عظيم قال الزرقاني في" شرح
المواهب اللدنية" (1/77) عن تفسير ابن كثيرلم يؤلف على نمطه مثله .
وقال السيوطي في "ذيل تذكرة الحفاظ" في ترجمة ابن كثير: له
التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله .
وقال الشوكاني في ترجمة ابن كثير من "البدر الطالع ":
وله تصانيف مفيدة منها التفسير المشهور وهو في مجلدات وقد جمع فيه فاوعى ونقل
المذاهب والاخبار والآثار وتكلم بأحسن كلام وأنفسه وهو من أحسن التفاسير ان لم يكن
أحسنها .
و ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ من كبار المحدثين ومن كبار العلماء
وأسرته أسرة علم كما أن آل أبي شيبة أسرة علم، وآل أبي اسحاق ـ عمرو بن عبدالله ـ
السَّبيعي أسرته أسرة علم ، وهذامن النعم العظيمة أن تكون الأسرة كلها أسرة علم،
الجد والأب والأبناء والأحفاد .
قال الشوكاني في " البدر الطالع "ترجمة ابن كثير : ولد
بقرية من أَعمال مَدِينَة بصرى سنة 701 ثمَّ انْتقل إلى دمشق سنة سِتّ وَسَبْعمائة
وتفقه بالشيخ برهَان الدَّين الفرارى وَغَيره وَسمع من الْقَاسِم بن عَسَاكِر
والمزي وَغَيرهمَا.
وبرع في الْفِقْه
وَالتَّفْسِير والنحو وأمعن النظر في الرِّجَال والعلل .
وَمن جملَة مشايخه شيخ الإسلام تقى الدَّين ابْن تَيْمِية ولازمه
وأحبه حبا عَظِيما كَمَا ذكر معنى هَذَا ابْن حجر في الدُّرَراهـ
وزوجة ابن كثير اسمها زينب بنت الحافظ المزي حافظة للقرآن سمعت من
أبيها .
وأم زينب اسمها عائشة زوجة الحافظ المزي امرأة فاضلة عابدة مقرئة
للقرآن
ترجم لها الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة" (3/ 2)
وقال :عَائِشَة بنت إِبْرَاهِيم بن صديق زوج الْحَافِظ الْمزي ولدت سنة 61 وَسمعت
من أبي الْفضل بن عَسَاكِر وَغَيره وَحدثت وَكَانَت تحفظ الْقُرْآن وتلقنه
النِّسَاء قَالَ ابْن كثير وَكَانَ زوج ابْنَتهَا كَانَت عديمة النظير لِكَثْرَة
عبادتها وَحسن تأديتها لِلْقُرْآنِ تفضل فِي ذَلِك على كثير من الرِّجَال وأقرأت
عدَّة من النِّسَاء وختمن عَلَيْهَا وانتفعن بهَا وَكَانَت زاهدة فِي الدُّنْيَا
متقللة مِنْهَا مَاتَت فِي جُمَادَى الأولى سنة 741.
وهذه بعض التعليقات المفيدة على كتاب الحافظ ابن كثير (الفصول في سيرة الرسول صلى عليه وسلم)أرجو من ربي أن ينفعني بها وأن ينفع بها إنه جواد كريم .
ولمَّا كان يرغب بعض الأخوات حفظهن الله في حضور الدرس معنا ولكن لم
يتيسر لهن وعدتُهن بإدخال درس "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه
وسلم" في المدونة (فوائد ورسائل أم عبدالله الوادعية) ودرس (كتاب التوحيد من
صحيح البخاري) رغبةً في التعاون على الخير ونشر السنة أسأل من ربي التوفيق وأن
يعيننا على ما أردنا ولا حول ولاقوة إلا بالله .
أم عبدالله بنت الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله .
***********************
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، حمداً كثيراً طيباً مباركاً
فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أخلص
له قلبه وانجابت عنه أكدار الشرك وصفا، وأقر له برِقِّ العبودية، واستعاذ به من شر
الشيطان والهوى، وتمسك بحبله المتين المنزل على رسوله الأمين محمد خير الورى صلوات
الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الحشر واللقا، ورضي الله عن أصحابه وأزواجه
وذريته وأتباعه أجمعين، أولي البصائر والنهى.
**************************
(الحمد لله ) تعريف الحمد: الإخبار بالشيء مع محبته وإجلاله
وتعظيمه كما قاله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى وتلميذه ابن القيم في بدائع
الفوائد رحمهما الله.
على هذا إذا أخبر بأوصاف من غير محبة لا يقال له حمد .
أما الثناء فهو: تَكرار المحامد، كما قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى
ـ في "بدائع الفوائد" .
ومْن هنا يُستفادُ الفرق بين
الحمد والثناء ودليل ذلك ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي
ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي
وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي
عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، قَالَ اللهُ
تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي الحديث .
الشاهد أنه قال سبحانه في الحمد ( حمدني عبدي) فلما كررالوصف
قال ( أثنى علي عبدي) لأن الثناء تَكرار المحامد، وأما الحمد فلا يلزم فيه
التكرار.
الفرق بين الحمد والمدح
قال ابن كثير في تفسيره (1/67) وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ أَعَمُّ
مِنَ الْحَمْدِ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْحَيِّ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْجَمَادِ أَيْضًا
كَمَا يمدح الطعام
المكان وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيَكُونُ قَبْلَ الْإِحْسَانِ وَبَعْدَهُ،
وَعَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَاللَّازِمَةِ أَيْضًا فَهُوَ أَعَمُّ.
وقال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/92) المخبر عن محاسن الغير إما أن
يقترن بإخباره حب له وإجلال أو لا فإن اقترن به الحب فهو الحمد وإلا فهو المدح اهـ
.
تبيَّن من هذا أن المدح قد يكون للحي وللميت وللجماد ولا يلزم أن يكون
في الصفات الاختيارية، أما الحمد فلا يكون إلا على الصفات الاختيارية ومع محبة،
ولهذا المدح أعم والحمد أخص فكل حمدٍ مدحاً وليس كل مدح حمداً.
الصفات الاختيارية يُخرِج الصفات الاضطرارية ـ و الصفات الاضطرارية هي
الجبلِّيَّة مثل: الطول والجمال هذه صفات جبلِّيَّة ماهي باختيار الإنسان ـ مثلاً:
فلان جميل ،فلان طويل ،هذا يكون مدحاَ .
الحمد يكون في الصفات
الاختيارية التي يختارها الشخص، مثل الكرم، والحلم ، والشجاعة .
وأيضاً مع المحبة لو مدح تاجراً فقال فلان التاجر كريم وهوما يحبه لأن
متكبر لكنه وصفه بهذا والكرم من الصفات الاختيارية ، هذا يقال له مدح ولا يقال له
حمد.
(الذين اصطفى )أي اختار.
(وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له) الشهادة: الإخبار بالشيء مع صحته واعتقاد ثبوته، كما قال الشيخ الهراس ـ
رحمه الله تعالى ـ في شرح العقيدة الواسطية .
إذن لو أقرَّ بلسانه بدون قلبه لا يسمى شهادة، لهذا لما ذكر الله عز
وجل قصة المنافقين (ِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ
لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقين:1] كذَّبهم الله على شهادتهم
لأنها ما هي شهادة صادقة لابد من الشهادة أن تكون باللسان والقلب.
وذكرُ الشهادة في خطبة الحاجة مستحب لما رواه أبوداوود في سننه(4841)بسند
حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ».
فلهذا ينبغي أن نتنبَّه إذا ذكرنا خطبة الحاجة أو طرفاً منها لا
نتساهل في كتابة الشهادتين قد يحدث خطأ وقد يكون عن جهل ولكن بالعلم يذهب الخطأ
ويزول الجهل .
وذات مرة كتبت رسالة عند الوالد الشيخ مقبل- رحمه الله -وفي أولها
طرفٌ من خُطبة الحاجة ولم أكتب الشهادتين فقال لي الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ
:اكتبي الشهادتين لحديث «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ
كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ».
فهذا من أدب خطبة الحاجة ذكر
الشهادتين .
(شهادة من أخلص له قلبه وانجابت عنه أكدار الشرك وصفا)
الإخلاص أحد شروط لا إله إلا الله { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ
الْخَالِصُ} .
وبقية الشروط تُراجع من درسنا الآخر (كتاب التوحيد) .
(انجابت) : أي زالت وانكشفت. (أكدار):
الأكدار الأوساخ.
(وأقر له برق العبودية}وهذا غاية الشرف للنفس أن تكون تحت رق
العبودية لله عز وجل لا للمخلوقين، ولهذا ربنا وصف نبيه ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ بالعبودية في أشرف المقامات، ففي مقام الإسراء قال سبحانه وتعالى:(
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...)[
الإسراء:1] وفي مقام الإيحاء قال سبحانه وتعالى:( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا
أَوْحَى)[النجم:10] وفي مقام الدعوة قال سبحانه وتعالى:( وَأَنَّهُ لَمَّا
قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ...)[الجن:19] وفي مقام التحدي قال سبحانه
وتعالى:(وإن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ...)[البقرة:23] ذكر هذا شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ
في كتابه العبودية.
وقد يعبد الإنسان المخلوق وقد يعبد الدنيا كما أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ
عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله
عليه وسلم ( تَعِسَ عَبْدُ اَلدِّينَارِ, وَالدِّرْهَمِ, وَالْقَطِيفَةِ, إِنْ
أُعْطِيَ رَضِيَ, وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ).
قال ابن القيم في تحفة المودود 114 أما قَوْله تعس عبد الدينَّار
فَلم يرد بِهِ الِاسْم وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْوَصْف وَالدُّعَاء على من يعبد
قلبه الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَرضِي بعبوديتها عَن عبودية ربه تَعَالَى اهـ
(واستعاذ به من شر الشيطان والهوى)
الاستعاذة: الالتجاء إلى الله والتحصن به من شر كل ذي شر، كما قال
الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير الاستعاذة من تفسيره.
الشيطان :كل عاتٍ متمرد .
وعلى هذا التعريف اللغوي ـ تعريف الشيطان ـ يدخل فيه كل من تمرد من
حيوان، ومن إنس، ومن جن قال سبحانه وتعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ
نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا...)[الأنعام:112] أثبت شياطين من الجن، وشياطين من
الإنس، ويقال للدابة المتمردة شيطانة.
والهوى الهوى: ميل الطبع إلى ما يلائمه، كما قال ابن القيم ـ رحمه الله
تعالى ـ في روضة المحبين .
وغالباً جاءت الأدلة في
ذم الهوى، لأن الهوى يكون متجاوزاً للحد غالباً .
وقد يأتي الهوى في الشيء
المستحسن وفي المباح فلا يكون مذموماً، ومن هذا ما في الصحيحين من حديث عائشة ـ
رضي الله عنها ـ لما نزل قوله تعالى: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي
إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكَ) [الأحزاب:51] قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ :(ما أرى ربك إلا يسارع إلا
في هواك) .
وفي صحيح مسلم (1213) من حديث جابر بن عبدالله ـ رضي الله
عنهما ـ في قصة حجة أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قَالَ: وَكَانَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا سَهْلًا، إِذَا هَوِيَتِ
الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ. ( سهلاً) أي ليناً .
وهكذا الإنسان يهوى الطعام
والشراب والنوم وهذا لا شيء فيه.
(وتمسك بحبله المتين)
الحبل ذكره الله عز وجل في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا)[آل عمران:103]ومن المفسرين من يقول :حبل الله القرآن، ومنهم من يقول
:حبل الله الإسلام ولا تعارض في ذلك .
وروى مسلم في صحيحه (2408)
عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قال :أَلَا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ، هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ
تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ ".
والثاني ذكره مسلم في رواية سابقة «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ
اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ
اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» .
والشاهد أن القرآن يصدق عليه حبل الله لأنه يوصل إلى الله، وإلى الجنة
ـ جعلنا الله من أهلها ـ
المتين: القوي.
(خير الورى)
الورى: الخلق.
وقداستعمل الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ في هذه المقدمة السجع.
والسجع على قسمين فإن كان بحق
فهو محمود وهو نوع من البلاغة ، ومنه حديث (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن
قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ) .
وإن كان في باطل فهو مذموم
ومنه ما في صحيح البخاري (5758)وصحيح مسلم (1681) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ
اقْتَتَلَتَا، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ بَطْنَهَا
وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى: أَنَّ دِيَةَ مَا فِي
بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، فَقَالَ وَلِيُّ المَرْأَةِ الَّتِي
غَرِمَتْ: كَيْفَ أَغْرَمُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ،
وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الكُهَّانِ».
عارض السنة فكان سجعه مذموماً .
**********************************
أما بعد:
فإنه لا يجمل بأولي العلم إهمال معرفة الأيام النبوية والتواريخ
الإسلامية، وهي مشتملة على علوم جمة وفوائد مهمة، لا يستغني عالم عنها، ولا يعذر
في العُرُوِّ منها.
وقد أحببت أن أعلق تذكرةً في ذلك لتكون مدخلاً إليه وأنموذجاً وعوناً
له وعليه، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وهي مشتملة على ذكر نسب رسول
الله عليه الصلاة والسلام، وسيرته وأعلامه، وذكر أيام الإسلام بعده إلى يومنا هذا،
مما يمس حاجة ذوي الأرَب إليه، على سبيل الاختصار إن شاء الله تعالى.
************************************
(لا يجمل): أي لا يحسُن.
(ولا
يعذرُ في العُروِّ منها)
العرو: الخُلو . أي أن يكون خالياً من علم السيرة لا يعرف عنها شيئاً.
وقد اعتنى العلماء بالكتابة في السيرة النبوية، ومن هذه الكتب (السيرة
النبوية من البداية والنهاية )وهو كتاب أشمل وأوسع من كتابنا هذا الذي نقرأُ فيه (
الفصول من سيرة الرسول)، وهناك أيضاً كتب أخرى ك سيرة ابن إسحاق وغيرها.
وفي زاد المعاد لابن القيم جملة كبيرة في سيرة رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم .
وهنا فائدتان استفدتهما من والدي الشيخ مقبل رحمه الله:
1-سألت والدي الشيخ مقبل رحمه
الله عن أحسن كتاب في السيرة فقال :(البداية والنهاية ) لابن كثير .
2-سمعت الوالد رحمه الله أكثر مِن مَرَّة يقول: قال الإمام أحمد بن
حنبل: ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير.
قال : يعني الإمام أحمد كتباً مخصوصة كمغازي الواقدي وتفسير الكلبي .
قلت :الأثر أخرجه ابن عدي رحمه الله في «مقدمة الكامل» (1/119) ومن
طريق ابن عدي أخرجه الخطيب في «جامعه» (1536) بسند صحيح .
وقال عقبه الخطيب : هذا الكلام محمول على وجه وهو أن المراد به كتب
مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال
مصنفيها وعدم عدالة ناقليها وزيادات القصاص فيها. اهـ المراد
وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة «اللسان» (1/24) هذا الأثر ثم قال: قلت:
ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة إذا كانت
العمدة في المغازي على مثل الواقدي، وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي، وفي
الملاحم على الإسرائيليات، وأما الفضائل فلا تحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت
وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية بدأوا بفضائل الشيخين وقد أغناهما الله
وأعلى مرتبتهما عنه. اهـ
(وذكر
أيام الإسلام بعده إلى يومنا هذا)وفي هذا الكتاب ليس هناك ما أشار إليه من ذكر
أيام الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يومنا هذا إلى يوم ابن
كثير ـ رحمه الله تعالى ـ لكن هذا في كتابه الآخر ( البداية والنهاية) .
(ذوي الأرَب إليه)الأرَب: الحاجة.
(على سبيل الاختصار) قال الفَيُّومِي في المصباح المنير
: اخْتِصَارُ الْكَلَامِ :الِاقْتِصَارُ عَلَى تَقْلِيلِ اللَّفْظِ دُونَ
الْمَعْنَى .
(إن شاء الله تعالى) هذا من حُسْن
الأدب قول(إن شاء الله) سواء في الكلام أو الكتابة فإن الله عز وجل يقول:( وَلَا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا
نَسِيتَ)[الكهف:23،24] .
وأخرج البخاري (3424) ومسلم (1654)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ
دَاوُدَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، تَحْمِلُ كُلُّ
امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ
شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلَّا وَاحِدًا، سَاقِطًا
أَحَدُ شِقَّيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ
قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " .
علَّق والدي على هذا الحديث وقال: كلمةُ إن شاء الله كلمة مباركة لا
تُذكَرُ في شيء إلا تحقَّقَ غالباً .
وفي إحالات الوالد في بحوثه وكتاباته كان يقول:إن شاء الله .
وكان إذا نسي وذكَّره أحد أن يقول إن شاء الله: يقولها ويدعو لمن
ذكَّره .
ومرة رأى في يد صبي مُصحفاً فقال :يابُني هذا مُصحفُكَ؟.
فقال الصبي: إن شاءالله .
فتعجَّب الوالد الشيخ مقبل ورأى أن هذا ليس موضع إن شاء الله وقال:كيف
إن شاءالله.
وكان ينبه رحمه الله على خطأ بعض الناس في كتابة إن شاءالله يكتبها
هكذا (إنشاءالله ).
يقول :إن شاءالله تُكتب إن مفصولة هكذا (إن شاء الله) .لأنهما كلمتان إن و
شاء .
***********************************
الجزء الأول
سيرتهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَزَواتُهُ
فصل: ذكرُ نسبِه صلى الله عليه وسلم
هو سيد ولد آدم: أبو القاسم محمد، وأحمد، والماحي الذي يمحى به الكفر،
والحاشر الذي يُحشَرُ الناس، والعاقب الذي ليس بعده نبي، والمقفي، ونبي الرحمة،
ونبي التوبة، ونبي المَلْحَمة.
***********************************
(هو سيد ولد آدم) أي المقدَّم عليهم
في المنزلة، والكرامة، ودخول الجنة وغير ذلك.
والسيد لغة :من ساد قومه .
وقوله(هو سيد ولد آدم) إشارة إلى ما في صحيح مسلم (2278)
عن أبي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ
مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ».
و النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ سيد ولد آدم يوم القيامة، و
قبل يوم القيامة ، في الأولى وفي الأخرى، لكن نُصَّ على يوم القيامة لأنه ما فيه
أحد ينازع النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في سيادته بخلاف الدنيا هناك
الملوك هناك الرؤساء لهذا قال :( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ) .
نظيرقوله عز وجل (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة:4] الله سبحانه
وتعالى مالك الأولى والأخرى.
قال ابن كثير رحمه الله في
تفسير سورة الفاتحة :وَتَخْصِيصُ الْمُلْكِ بِيَوْمِ الدِّينِ لَا يَنْفِيهِ
عَمَّا عَدَاهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَحَدٌ هُنَالِكَ شَيْئًا وَلَا
يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ
الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ
الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النَّبَأِ: 38] وَقَالَ تَعَالَى:
وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً
[طَهَ: 108] وقال تَعَالَى: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هُودٍ: 105] اهـ
(أبو القاسم) هذه كنية النبي ـ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ـ أبو القاسم.
(محمد، وأحمد، والماحي الذي يُمحَى به
الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس، والعاقب الذي ليس بعده نبي).
قال الإمام البخاري بَابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ} [الفتح: 29]
وَقَوْلِهِ {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] "
ثم ذكر حديث جبير بن مطعم
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (3532) وهو عند الإمام مسلم (2354)، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ:
أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي
الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا
العَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رَءُوفًا
رَحِيمًا ".
وليس عند البخاري (الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ
اللهُ رَءُوفًا رَحِيمًا) .
وفي رواية لمسلم (وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى
عَقِبِي) بدل قدمي .
وكأنه في هذه النسخة (الفصول) سقط( عَلَى قَدَمِي ) وقال في
البداية والنهاية (2/ 252): وَالْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى
قَدَمَيْهِ.
(والمقفي، ونبي الرحمة،
ونبي التوبة، ونبي الملحمة).
دليله . أخرج مسلم في صحيحه (2355)عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ
أَسْمَاءً، فَقَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ،
وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ».
زاد الإمام أحمد في مسنده(32/ 291)
من حديث أبي موسى (ونَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ ) .
هذه بعض أسماء النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ واقتصر
عليها مع أن له أسماءً أُخرى صلى الله
عليه وعلى آله وسلم .
وقد بيَّن السبب الإمام النووي في شرحه لهذا وقال :
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَسْمَاءِ
مع أن لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءُ غَيْرُهَا كَمَا سَبَقَ
لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وموجودة للأمم السالفة اهـ
وقد فُسِّرَتْ ثلاثة من أسماء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في
هذا الحديث ( أناالْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ
الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ وَالْعَاقِبُ
الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ).
قال النووي في شرح صحيح مسلم : (وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ
النَّاسُ عَلَى عَقِبِي )قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُمَا يُحْشَرُونَ عَلَى
أَثَرِي وَزَمَانِ نُبُوَّتِي وَرِسَالَتِي وَلَيْسَ بَعْدِي نبي وقيل يتبعوني .
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(1/ 92) وَأَمَّا
الْحَاشِرُ، فَالْحَشْرُ هُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، فَهُوَ الَّذِي يُحْشَرُ
النَّاسُ عَلَى قَدَمِهِ، فَكَأَنَّهُ بُعِثَ لِيُحْشَرَ النَّاسُ.
وقال ابن رجب في فتح الباري(4/ 336) فالحاشر: الذي يحشر الناس لبعثهم يوم القيامة على قدمه - يعني: أن
بعثهم وحشرهم يكون عقيب رسالته، فهو مبعوث بالرسالة وعقيبه يجمع الناس لحشرهم.
(وَالْمُقَفِّي)هو بمعنى العاقب الذي
ليس بعده نبي.
يعني أنه خاتم الأنبياء.
(وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ) قال النووي في شرح
صحيح مسلم: وَأَمَّا نَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ
الْمَرْحَمَةِ فَمَعْنَاهَا مُتَقَارِبٌ وَمَقْصُودُهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالتَّوْبَةِ وَبِالتَّرَاحُمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ نَبِيُّ الْمَلَاحِمِ لِأَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِالْقِتَالِ اهـ
نبي الرحمة كما قال سبحانه وتعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107]
و ظاهر الآية أنها عامة (للعالمين ) فهو رحمة للمؤمنين ورحمة للكفار.
وقد سُئِل الوالد الشيخ مقبل رحمه الله هل النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم بُعِث رحمة للكفار؟.
فأجاب : نعم لقوله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ).
قال ابنُ القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 93)وَأَمَّا نَبِيُّ
الرَّحْمَةِ، فَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ،
فَرُحِمَ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، أَمَّا
الْمُؤْمِنُونَ فَنَالُوا النَّصِيبَ الْأَوْفَرَ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَأَمَّا
الْكُفَّارُ فَأَهْلُ الْكِتَابِ مِنْهُمْ عَاشُوا فِي ظِلِّهِ وَتَحْتَ حَبْلِهِ
وَعَهْدِهِ، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَأُمَّتُهُ فَإِنَّهُمْ
عَجَّلُوا بِهِ إِلَى النَّارِ وَأَرَاحُوهُ مِنَ الْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي
لَا يَزْدَادُ بِهَا إِلَّا شِدَّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ اهـ.
قلت: ومن رحمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالكفارأنه كان لا يتعجَّل في عقوبتهم
وأنه كان إذا قيل له يدعو عليهم يدعو لهم .
أخرج البخاري (3231 )ومسلم (1795) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَتْهُ
أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى
عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ
مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ
العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ
كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ
عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ
فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ
فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ
قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ
لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ
عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ
أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ
يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " .
وأخرج البخاري (2937) ومسلم (2524) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا
عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ
عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ
بِهِمْ» .
وأخرج مسلم في صحيحه (2599)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ
رَحْمَةً».
فهذا من رحمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالكفار .
فرحمته عامة حتى إنه كان رحيما بالحيوان أخرج أبو داود في سننه (2549)بسند
صحيح وأصله في مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ جَعْفَرٍ الحديث وفيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ
حَائِطًاً لِرَجُلٍ من الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ،
فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟» ، فَجَاءَ فَتًى
مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي
اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ
شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» .
قال صاحب عون المعبود : (حَنَّ) أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ وَبَكَى .
وقوله (فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ) قال الخطابي في معالم السنن : الذفري من البعير مؤخر رأسه وهو الموضع الذي
يعرق من قفاه.
(وتدئبه ) يريد تكده وتتعبه اهـ.
ومِن معرفتنا لمعاني أسمائه نعلم أن أسماءالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعلام
وأوصاف .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 84)
وَكُلُّهَا نُعُوتٌ
لَيْسَتْ أَعْلَامًا مَحْضَةً لِمُجَرَّدِ التَّعْرِيفِ، بَلْ أَسْمَاءٌ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ صِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَدْحَ وَالْكَمَالَ اهـ.
فكل اسم يتضمن صفة أو أوصافاً
هذا معنى أعلام وأوصاف، فالاسم الأول محمد اسم علم يشتمل على صفة يقولون سُمي بذلك
لكَثرة خصاله الحميدة .
وَأَمَّا أَحْمَدُ، فَهُوَ اسْمٌ عَلَى زِنَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ
مُشْتَقٌّ أَيْضًا مِنَ الْحَمْدِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ هَلْ هُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ
مَفْعُولٍ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، أَيْ حَمْدُهُ
لِلَّهِ أَكْثَرُ مِنْ حَمْدِ غَيْرِهِ لَهُ، فَمَعْنَاهُ: أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ
لِرَبِّهِ .
ومنهم من قال :هو بمعنى مفعول أي يحمده الخلقُ .
ذكر هذا ابن القيم ثم رجح في زاد المعاد(1/90) أن
محمداً وأحمد وَاقِعَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ قال :وَهَذَا أَبْلَغُ فِي
مَدْحِهِ وَأَكْمَلُ مَعْنًى. وَلَوْ أُرِيدَ مَعْنَى الْفَاعِلِ(أي أن أحمد بمعنى
فاعل) لَسُمِّيَ الْحَمَّادَ، أَيْ كَثِيرَ الْحَمْدِ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ الْخَلْقِ حَمْدًا لِرَبِّهِ، فَلَوْ كَانَ
اسْمُهُ أَحْمَدَ بِاعْتِبَارِ حَمْدِهِ لِرَبِّهِ لَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ
الْحَمَّادَ كَمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ أُمَّتُهُ اهـ المراد.
ويراجع (جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام )لابن القيم .
و الماحي الذي يمحَى به الكفر قال ابن القيم في زاد المعاد: وَلَمْ
يَمْحُ الْكُفْرَ بِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ مَا مُحِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ بُعِثَ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ
إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ مَا بَيْنَ عُبَّادِ أَوْثَانٍ
وَيَهُودَ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِمْ وَنَصَارَى ضَالِّينَ وَصَابِئَةٍ دَهْرِيَّةٍ لَا
يَعْرِفُونَ رَبًّا وَلَا مَعَادًا، وَبَيْنَ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ، وَعُبَّادِ
النَّارِ، وَفَلَاسِفَةٍ لَا يَعْرِفُونَ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا
يُقِرُّونَ بِهَا، فَمَحَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِرَسُولِهِ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ
دِينُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ دِينٍ، وَبَلَغَ دِينُهُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ، وَسَارَتْ دَعْوَتُهُ مَسِيرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ.
، و الحاشر الذي يحشر الناس على عقبه ، و العاقب الذي ليس بعده نبي نجد كل اسم
وله تفسير، مما يدل على أن أسماء النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ليست
أعلاماً محضة.
******************************
ابن عبد الله، وهو أخوالحارث، والزبير، وحمزة، والعباس، ويكنى أبا
الفضل، وأبي طالب، واسمه عبد مناف، وأبي لهب، واسمه عبد العزى، وعبد الكعبة، وهو
المقوم، وقيل: هما اثنان، وحجل، واسمه المغيرة، والغيداق، وسمي بذلك لكثرة جوده،
وأصل اسمه نوفل، وقيل: حجل، وضرار.
*********************************
(ابن عبدالله )هذا والد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وقد مات على الكفر أخرج مسلم في صحيحه (203)عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ
رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: «فِي النَّارِ» ،
فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ
هُوَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ لِلتَّسْلِيَةِ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمُصِيبَةِ
.
(وهو أخوالحارث…) هؤلاء أعمام النبي ـ
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهم عشرة (الحارث، والزبير، وحمزة، والعباس،
ويكنى أبا الفضل، وأبوطالب، واسمه عبد مناف، وأبو لهب، واسمه عبد العزى، وعبد
الكعبة، وهو المقوم، وقيل: هما اثنان، وحجل، واسمه المغيرة، والغيداق، وسمي بذلك
لكثرة جوده –أي كرمه-، وأصل اسمه نوفل، وقيل: حجل، وضرار).
قال ابن القيم في زاد المعاد(1/102) وَأَسَنُّ أَعْمَامِهِ الحارث- أي
أكبرهم سناً -، وَأَصْغَرُهُمْ سِنًّا: العباس، وَعَقَبَ مِنْهُ حَتَّى مَلَأَ
أَوْلَادُهُ الْأَرْضَ اهـ.
ومات أغلبُهم على الكُفر .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في زاد المعاد: وَلَمْ يُسْلِمْ
مِنْهُمْ إِلَّا حمزة، والعباس اهـ.
وأدرك الاسلامَ منهم أربعةٌ قال الحافظ في فتح الباري (3884 ):مِنْ
عَجَائِبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمُ الْإِسْلَامُ مِنْ أَعْمَامِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمُ
اثْنَانِ وَأَسْلَمَ اثْنَانِ وَكَانَ اسْمُ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ يُنَافِي
أَسَامِيَ الْمُسْلِمَيْنِ وَهُمَا أَبُو طَالِبٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ
وَأَبُو لَهَبٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى بِخِلَافِ مَنْ اسْلَمْ وهما حَمْزَة
وَالْعَبَّاس .
أما أبو طالب فجاء النص أنه
من أهل النار أخرج البخاري(3883)ومسلم (209) عن العباس بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا
أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ:
«هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ
الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ».
وأخرج البخاري(3884)عنابْنِ المُسَيِّبِ وهوسعيد، عَنْ
أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، دَخَلَ عَلَيْهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ:
«أَيْ عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا
عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا
أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالاَ
يُكَلِّمَانِهِ، حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ
عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ» فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ
لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ
كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ
الجَحِيمِ} [التوبة: 113] . وَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}
[القصص: 56].
أبو لهب معروف نزل فيه (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)[المسد:1]
فهو من أهل النار.
كما أخرج البخاري(4770) ومسلم (208)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي
عَدِيٍّ» - لِبُطُونِ قُرَيْشٍ - حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ
يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو
لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا
بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا:
نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ
بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ
اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2] .
وقد ذكر الحافظ ابن كثير أسماءهم فمن كان مشهوراً بكنيته بدأ بكنيته
ثم اسمه ومن كان مشهوراً باسمه بدأ باسمه ومن له لقب ذكر لقبه وذلك لتمام الفائدة
رحمه الله .
*******************************
وصفية، وعاتكة، وأروى، وأميمة، وبَرَّة، وأم حكيم ـ وهي البيضاء .
*******************************
هؤلاءعمات النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
كم عدد عمات النبي ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ـ؟ ست وأعمامه عشرة صار المجموع ستة عشر كلهم أولاد عبد المطلب
.
وصفية هي أم الزبير بن العوام ـ رضي الله عنهما .
قال ابن القيم ـ رحمه الله
تعالى ـ في زاد المعاد(1/102) أَسْلَمَ مِنْهُنَّ صفية، وَاخْتُلِفَ فِي
إِسْلَامِ عاتكة وأروى، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ إِسْلَامَ أروى.
*******************************
هؤلاء كلهم أولاد عبد المطلب، واسمه شيبة الحمد على الصحيح، ابن هاشم
واسمه عمرو، وهو أخو المطلب ـ وإليهما نسب ذوي القربى ـ وعبد شمس، ونوفل، أربعتهم
أبناء عبد مناف أخي عبد العزى، وعبد الدار، وعبد، أبناء قصي، واسمه زيد، وهو أخو
زهرة، ابنا كلاب أخي تيم، ويقظة أبي مخزوم، ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي، وهصيص، وهم
أبناء كعب أخي عامر، وسامة، وخزيمة،
وسعد، والحارث، وعوف، سبعتهم أبناء لؤي أخي تيم الأدرم.
ابني غالب أخي الحارث، ومحارب، بني فهر أخي الحارث ابني مالك أخي
الصلت، ويخلد، بني النضر أخي مالك، وملكان، وعبد مناة، وغيرهم، بني كنانة أخي أسد،
وأسدة، الهون، بني خزيمة أخي هذيل، ابن مدركة، واسمه عمرو، وهوأخو طابخة، واسمه
عامر، وقمعة، وثلاثتهم أبناء إلياس، أخي الناس، وهو عيلان والد قيس كلها، كلاهما،
ولد مضر أخي ربيعة وهما الصريحان من ولد إسماعيل، وأخي أنمار، وإياد، وقد تيامنا،
أربعتهم أولاد نزار أخي قضاعة في قول أكثر أهل النسب، كلاهما ابنا معد بن عدنان.
****************************
عبد المطلب الجد الأول للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأجداده
إلى عدنان عِشرون .
وقوله (عبد المطلب) التعبيد لغير الله لا يجوز.
والتسمية بالتعبيد لغير الله عز وجل من عدم الإحسان إلى الأولاد، ومن
المستحب اختيار الاسم الحسن للولد ومن حق الولد على أبويه .
وقد قال ابن حزم ـ رحمه الله
تعالى ـ في "مراتب الإجماع في
العبادات والمعاملات والاعتقادات " 154: وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم كل اسْم معبَّد لغير الله عز وَجل كَعبد
الْعُزَّى وَعبد هُبل وَعبد عَمْرو وَعبد الْكَعْبَة وَمَا اشبه ذَلِك حاشا عبد
الْمطلب اهـ
استثنى عبدالمطلب وهذا رأى ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ وليس بصحيح وقد
خالفه العلماء في هذا.
ويراجع تحفة المودود لابن القيم .
(عبدالمطلب )سبب تسميته بهذا
قال
الحافظ في فتح الباري : وَسُمِّيَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَاشْتُهِرَ بِهَا لِأَنَّ
أَبَاهُ لَمَّا مَاتَ بِغَزَّةَ كَانَ خَرَجَ إِلَيْهَا تَاجِرًا فَتَرَكَ أُمَّ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْمَدِينَةِ فَأَقَامَتْ عِنْدَ أَهْلِهَا مِنَ
الْخَزْرَجِ فَكَبُرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَجَاءَ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ
فَأَخَذَهُ وَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ فَرَآهُ النَّاسُ مُرْدِفَهُ فَقَالُوا هَذَا
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَغَلَبَتْ عَلَيْهِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَة ذكرهَا بن إِسْحَاق
وَغَيره اهـ.
قالوا له عبدالمطلب على أنه غلامه ثم غلب عليه واشتهر به .
(واسمه شيبة الحمد على الصحيح) يقال له (شيبة) لأنه عنده خصال
من الشعر بيض ولُقِّب الحمد لأنه كان كريماً.
(على الصحيح)وهذا قول الجمهور . قال الحافظ
في فتح الباري :اسْمُهُ شَيْبَةُ الْحَمْدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَزعم ابن
قُتَيْبَةَ أَنَّ اسْمَهُ عَامِرٌاهـ
الجد الثاني من أجداد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هاشم يقول
ابن كثير واسمه عمرو .
قال الحافظ في فتح الباري : وَقِيلَ لَهُ هَاشِمٌ لِأَنَّهُ أول من
هشم الثَّرِيد بِمَكَّة لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ وَلِقَوْمِهِ أَوَّلًا فِي سَنَةِ
الْمَجَاعَةِ وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ
عَمْرُو الْعُلَا هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف
(وهو أخو المطلب ـ وإليهما نسب ذوي القربى
)
أخو المطلب ـ سبحان الله ـ يذكر الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ
إخوة كل جد للفائدة.
واختار ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ أن ذوي القربى هم بنو المطلب
وبنو هاشم، وهو قول الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ ودليل من قال بنو المطلب من أهل
البيت ما أخرج البخاري (3140 )عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ
أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ
وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بَنُو المُطَّلِبِ، وَبَنُو
هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ».
وجمهور العلماء يقولون : ليس
بنو المطلب من أهل البيت.
وقوله وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لأنهم
كلهم أولاد عبد مناف .وعثمان بن عفان رضي الله عنه من بني عبد شمس وجبير رضي الله
عنه من بني نوفل .
(أربعتهم أبناء عبد مناف) أولاد عبد
مناف أربعة هاشم، والمطلب، وعبدشمس، ونوفل.
(ابنا كلاب أخي تيم، ويقظة أبي مخزوم،
ثلاثتهم أبناء مرة)
ثلاثتهم: أي كلاب ، وتيم، ويقظة.
(أبناء لؤي أخي تيم الأدرم ابني غالب)
ابني غالب (ابني): للتثنية، لؤي وتيم الأدرم.
(ابني مالك أخي الصلت، ويخلد)
وفي بعض النسخ مَخلد.
(بني النضر أخي مالك، وملكان، وعبد مناة،
وغيرهم، بني كنانة)
أولاد كنانة أربعة النضر، ومالك ، وملكان، و عبد مناة ، كلهم أولاد
كنانة.
(كلاهما، ولد مضر أخي ربيعة وهما الصريحان
من ولد إسماعيل)
(وهما ) أي مضر، وربيعة.
(الصريحان من ولد إسماعيل)
أي بلا نزاع قال ابن عبدالبرفي الإنباه على قبائل الرواة 38 وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن الصَّرِيح من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ
السَّلَام مُضر وَرَبِيعَة ابْنا نزار بن معد بن عدنان .
(وأخي أنمار، وإياد، وقد تيامنا)
أي قصدا اليمن ، فإن إيادا وأنمارا لَحقا بِأَرْض الْيمن كما
في الإنباه على قبائل الرواة .
(أربعتهم أولاد نزار)مضر، وربيعة،
وأنمار، وإياد.
(أخي قضاعة في قول أكثر أهل النسب)
ابن كثير ينص أن قضاعة هوأخو نزار في قول أكثر أهل النسب .
وقال ابن عبدالبر في الإنباه : فَأَما قضاعة فالاختلاف فِيهَا كثير
وَالْأَكْثَر على أَنَّهَا من معدّ بن عدنان وَأَن قُضاعة بكرْ ولدَ مَعدّا وَبِه
كَانَ يكنى .
وعلى هذا يكون قضاعة عدنانية .
(كلاهما ابنا معد بن عدنان) عدنان
الجد العشرون للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
أجداد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عِشرون أدناهم عبدالمطلب
وأعلاهم عدنان .
وما فوق عدنان لا يصح فيه شيء،
أما إلى عدنان فهذا نسب صحيح بإجماع العلماء لانزاع فيه بين العلماء .
انتهينا من نسب النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وابن كثير ـ
رحمه الله تعالى ـ ذكر جملة من الفوائد والمسائل في أثناء سرد نسب النبي ـ صلى
الله عليه وعلى آله وسلم ـ ومن هؤلاء أعمام وعمات النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ـ، إخوة كل جد من أجداد النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ذكرالألقاب
أيضاً إلى غير ذلك.
واستفدنا أيضاً أن مضر وربيعة
بلا خلاف أنهما من نسل إسماعيل عليه السلام .
وبما أن الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ ذكر فوائد وجُملاً من
المسائل في أثناء سرد النسب النبوي نذكر نسب النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ـ سرداً من أجل أن يسهل حفظه .
قال الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ في صحيحه في ترجمة حديث(3851)
"(بَاب مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ
فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ
عَدْنَانَ" .
*********************************
فجميع قبائل العرب ينتسبون إلى من ذكرت من أبناء عدنان.
وقد بين ذلك الحافظ أبو عمر النمري في كتاب الإنباه بمعرفة قبائل
الرواة بياناً شافياً رحمه الله تعالى .
*********************************
(من أبناء عدنان )أي نسل عدنان .
(الحافظ أبو عمر النمري) هو الشهير
بابن عبدالبر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر.
وقوله(فجميع قبائل العرب) أي العدنانية ومع قول ابن كثير ـ رحمه
الله تعالى فيما سيأتي (ص 10) :( فأما
قبائل اليمن كحمير وحضرموت وسبأ، وغير ذلك، فأولئك من قحطان ليسوا من عدنان)
يفيد أن ابن كثير يرى أن العرب على قسمين عدنانية وقحطانية، وهذا عليه جمهور أهل
الأنساب على هذا يكون عدنان من نسل إسماعيل ، أما قحطان فلا .
ومن أهل العلم من يقول : العرب كلهم العدنانية والقحطانية من نسل
إسماعيل ، هذا قول لبعض العلماء وأما الجمهورفهم على التقسيم السابق .
قال ابن عبدالبر في الإنباه على قبائل الرواة 28: يشْهد لقَوْل من
جعل قحطان وَسَائِر الْعَرَب من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قولُ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقوم من أسلم وَالْأَنْصَار ارموا بني إِسْمَاعِيل
فَإِن أَبَاكُم كَانَ رامياً .
وكيف يكون إسماعيل نسله من
العرب وإسحاق نسله من العجم مع أنهما أخوان ؟.
إسماعيل ليس بعربي أصالة ، ولكنه لمَّا تزوج بامرأة من جرهم وتلقَّى
منهم اللغة العربية ،وهكذا أولاده صار يتكلم باللغة العربية، فمن كان من نسله كان
من العرب .
**************************
وقريش على قول أكثر أهل النسب هم الذين ينتسبون إلى فهر بن مالك بن
النضر بن كنانة وأنشدوا في ذلك:
قصي لعمري كان يدعى مجمعاً ... به جمع الله القبائل من فهر.
**************************
عندنا الآن مسألة قريش تنتسب إلى من ، من أبو قريش؟ .
قريش تنتسب إلى فهر بن مالك على قول أكثر أهل النسب.
قُصي يقال له مجمع لأنه جمع أهل مكة بعد تفرقهم، (به جمع الله القبائل
من فهر)الذي هو أبو قريش عند جمهور أهل النسب .
على هذا من كان من ولد فِهْر
فهو قُرشي ومن ليس من ولد فِهر فلا يكون قرشياً.
وكل هاشمي قرشي وليس كل قرشي هاشمياً.
****************************
وقيل: بل جماع قريش هو النضر بن كنانة، وعليه أكثر العلماء والمحققين،
واستدل على ذلك بالحديث الذي ذكره أبو عمر بن عبد البر ـ رحمه الله تعالى ـ «عن
الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد
كندة فقلت: ألستم منا يا رسول الله؟ قال: لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا
أمنا ولا ننتفى من أبينا » .
وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن، وفيه: فكان الأشعث يقول: لا
أوتَى برجل نفى رجلاً من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد.
***************************
(بل جماع قريش) أي يجتمع نسب قريش في
النضر ، قريش هو النضر بن كنانة .
(وعليه أكثر العلماء والمحققين) هذا
قول أكثر العلماء .
والقول الأول قول أكثر أهل النسب -أهل الفن-أن قريشاً تنتسب إلى فهر بن مالك.
(لا نقفوا أمنا): قال ابن الأثير في النهاية : أَيْ لَا
نَتَّهِمها وَلَا نَقْذِفُها. يُقَالُ: قَفَا فُلانٌ فُلاناً إِذَا قَذَفَه بِمَا
لَيْسَ فِيهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا نَتْرك النَّسَب إِلَى الْآبَاءِ ونَنْتَسِب
إِلَى الأمَّهات.
(فكان الأشعث يقول: لا أوتى برجل نفى
رجلاً من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد)
لأن الأشعث وهو ابن قيس ـ رضي الله عنه ـ على ما دل عليه الحديث .
والحديث في السلسلة الصحيحة (2375) للشيخ الألباني رحمه الله
تعالى .
الحديث فيه أن قريشاً من ولد النضر بن كنانة .
قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ في البداية والنهاية عن هذا الحديث
(2/201):" هذا الحديث هو فيصل قوي في هذه المسألة فلا التفات إلى قول من
خالفه ".
************************
وقيل: إن جماع قريش إلياس بن مضر بن نزار.
وقيل: بل جماعهم أبوه مضر.
وهما قولان لبعض أصحاب الشافعي، حكاهما أبو القاسم عبد الكريم الرافعي
في شرحه، وهما وجهان غريبان جداً.
فأما قبائل اليمن كحمير وحضرموت وسبأ، وغير ذلك، فأولئك من قحطان
ليسوا من عدنان.
وقضاعة فيها ثلاثة أقوال: قيل: إنها من العدنانية، وقيل: قحطانية،
وقيل: بطن ثالث لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، وهو غريب، حكاه أبو عمر وغيره.
******************************
هذه أربعة أقوال ذكرها ابن كثير في بيان من تنتسب إليه قريش .
وقوله(فأما قبائل اليمن كحمير وحضرموت وسبأ)
قال ابن عبدالبر في الإنباه على قبائل الرواة :(إذا قلت سبأ لم تحتج
إلى ذكر حمير بن سبأ) .
وهذه فائدة وابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسير سورة النمل
(وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)[النمل:22] يقول:( وَسَبَأٌ: هُمْ: حِمْير).
وقوله (وقضاعة فيها ثلاثة أقوال)
من أين قضاعة؟
قال ـ رحمه الله تعالى ـ :" قيل : إنها من العدنانية"
الذين هم من نسل إسماعيل عليه السلام. وتقدم نص الحافظ ابن كثير (…نزار
أخي قضاعة في قول أكثر أهل النسب).
فهذا قول أكثر أهل النسب أن قُضاعة من نسل عدنان .
فقهنا ربي جميعا في دينه ونسأله أن ينفعنا بما يعلمنا .والله المستعان
.