بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام أبوعبد الله محمد بن إسماعيل
بن إبراهيم بن المغيرة البخاري ـ رحمه الله تعالى:
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ
أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
*********************
تَبَارَكَ : أي تعالَى و تعاظم .
وهذه الصفة من خصائص الله عز و جل قال تعالى: {تَبَارَكَ
الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك:1] .
وقال عز و جل: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ
عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1] .
{قُلْ ادْعُوا اللَّهَ}
تقدم معنا لفظ الجلالة (الله) في سورة الصمد،
و أنه دال على صفة الألوهية لله عزو جل؛ أي أن الله هو المستحق للعبادة وحده.
{أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ}
أو ادعوا الرحمن ، الرحمن من أسماء الله
عز و جل.
وتكلم أهل العلم في الفرق بين الرحمن و الرحيم، فمن
الأقوال المشهورة ما جاء عن محمد بن عبيد الله العرْزَمي أنه قال: الرحمن بجميع الخلق،
و الرحيم بالمؤمنين .
وذكر ابنُ القيم
رحمه الله في بدائع الفوائد :أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه .
والرحيم دال على
تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف والثاني للفعل .
فالأول دال أن
الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته .
وإذا أردت فهم
هذا فتأمل قوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ
رَحِيمٌ} ولم يجيء قط رحمن بهم فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم
برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب وإن تنفستْ عندها مرآةُ قلبك لم تنجل لك
صورتها.
وقد شرح السفاريني
في لوامع الأنوار البهية (1/32) قولَ ابن القيم (فالأول دال أن
الرحمة صفته) قال أي صفة ذات له سبحانه .( والثاني دال على أنه يرحم خلقه
برحمته )قال: أي صفة فعل له اهـ.
على هذا صفة
الرحمن صفة ذاتية قائمة بالله مثل العلم والقوة والحياة ولا تتعلق بالمشيئة .
واسم الرحيم يدل
على صفة الفعل وهذا يتعلق بالمشيئة .
(الله و الرحمن) هذان الاسمان لا يجوز لأحد أن يتسمى
بهما.
و قد ذكر المُناوي في فيض القدير في شرح حديث (إِنَّ
أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ) رواه مسلم
(2143 ) .
قال :ومن العجائب التي لا تخطر بالبال ما نقله ابن بريدة عن بعض شيوخه أن أبا العتاهية كان له ابنتان سمى إحداهما الله والأخرى الرحمن وهذا من أعظم القبائح وأشد الجرائم والفضائح وقيل إنه تاب .والله أعلم .
والرحمن كان معروفاً هذا الاسم عند أهل
الجاهلية .
وأما قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}[الرعد:30]
فبيّن ابن جرير و الحافظ ابن كثير ـ رحمهما الله تعالى ـ في تفسيرَيهما أن إنكارهم
لاسم الرحمن إنما هو جحود وعناد.
ومما ذكروا من أشعار الجاهلية في هذا المعنى.
قولُ بعضهم:
ألَا ضَرَبَتْ تِلكَ الفتاةُ هَجـِينَهَا ألَا قضَبَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَمِينهَا
هجينها: حملها قضب الرحمن:
قطع
{أَيًّا مَا تَدْعُوا}
أي أيهما شئتم فادعوا ، ادعوا الله أو ادعوا
الرحمن.
{فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
الأسماء الحسنى :قال الإمام السعدي
رحمه الله في تفسيره: أي له كلُّ اسم حسن .
قال :وضابطه :كلُّ اسمٍ دالٍ على صفة
كمال عظيمة .
وهذه قاعدة :أن كلَّ اسم من أسماء الله الحُسنى ،
دالٌ على صفة كمال لله عزوجل .
وقد أفاد ابنُ القيم رحمه الله في
بدائع الفوائد (1/ 161): أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى
كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالُها .
قال :وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن
هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه .
ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق
بل هو الفعَّال لِما يريد فإن الإرادة والفعل والصُنع منقسمةٌ ولهذا إنما أطلق على
نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا.
وقال ابنُ القيم رحمه الله في شفاء العليل 132:وأما لفظ الصانع فلم يرد في أسماء الرب سبحانه ولا يمكن ورودها فإن
الصانع من صنع شيئا عدلا كان أو ظلما سفَها أو حكمة جائزا أو غير جائز وما انقسم
مسماه إلى مدح وذم لم يجئ اسمه المطلق في الأسماء الحسنى كالفاعل والعامل والصانع
والمريد والمتكلم لانقسام معاني هذه الأسماء إلى محمود ومذموم بخلاف العالم والقادر
والحي والسميع والبصير اهـ المراد .
و قد جاءت رواية من حديث عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ
كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ).
وقد أفادنا الوالد الشيخ مقبل
الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ أن لفظة صانع
شاذة و أن الصواب خالق ، يصنع .
قلتُ:أخرج ابنُ أبي عاصم في السنة عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ
صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» .
وأخرجه البخاري في خلق أفعال
العباد 46 :بلفظ
«إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ».
قلت: وقرَّرأيضاً الشيخ بكرأبوزيد في معجم المناهي اللفظية 322:أن الصانع ليس من أسماء الله .
هذه الآية الكريمة فيها إثبات الأسماء الحسنى لله
عز وجل.
ونفي أسماء الله عز وجل أو نفي بعضها إلحاد.
الإلحاد في اللغة: الميل ومنه اللحد الذي يكون في
جانب القبر .
ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ
مُلْتَحَدًا}[الجن:22] .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في بدائع
الفوائد (1/ 169) :أي من تعدل إليه وتهرب إليه
وتلتجئ إليه وتبتهل فتميل إليه عن غيره تقول العرب التحد فلان إلى فلان إذا عدل
إليه .
- الإلحاد في أسماء الله عز وجل على أقسام:
1- نفي أسماء الله عز وجل أوبعضها قال سبحانه
و تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180]
وقد أنكرت الجهمية الأسماء لله عز وجل.
2- نفي الصفات التي دلت عليها أسماء الله
عز و جل إلحاد ، فإن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة فمثلاً السميع من أسماء الله
عزوجل وهو متضمن لصفة السمع ، البصير من أسماء
الله عز وجل وهو متضمنٌ لصفة البصر ،وهكذا. وقد أنكرت هذا المعتزلة وأثبتوا لله عز
وجل أسماء أعلامًا محضة لا تدل على صفات وهذا إلحاد.
3- أن يُسَمَّى الله عز وجل بما لم يُسِمِّ
به نفسَه.
وذلك لأن أسماء الله عز وجل توقيفية وأيضاً
صفاته كما قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36].
و لكن أهل العلم يقولون باب الإخبار أوسع. فمثلًا يقال: الله موجود وموجود
ليس من أسماء الله عز وجل و لكنه من باب الإخبار.
4- أن يثبت لله عز و جل أسماء لكنه يجعلها
دالة على التمثيل.
قال الشيخ ابنُ عُثيمين رحمه الله في القول المُفيد(2/ 317): فيقول: الله سميع بصير قدير، والإنسان سميع بصير قدير، اتفقت هذه
الأسماء; فيلزم أن تتفق المسميات، ويكون الله -سبحانه وتعالى- مماثلا للخلق،
فيتدرج بتوافق الأسماء إلى التوافق بالصفات.
ووجه الإلحاد: أن أسماءه دالة على معان لائقة بالله لا يمكن أن تكون
مشابهة لما تدل عليه من المعاني في المخلوق.
5- أن ينقل أسماء الله عز وجل إلى المعبودات
من دون الله عز و جل. كأن يسمي الصنم الله أو الإله أو يشتق من أسماء الله عز و جل
ويجعلها لآلهتهم كاشتقاق اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان قال
تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ( 19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى
(20)}[النجم:19،20] .
تراجع المسألة من بدائع الفوائد لابن القيم
و شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.
- من القواعد في أسماء الله عز وجل:
1- أنها مترادفة و متباينة. مترادفة باعتبار
الذات فهي أسماء لمسمَّى واحد، و متباينة باعتبار الصفات .
2- أسماء الله عز وجل أعلام و أوصاف ، فكل
اسم يدل على صفة.
3- كل اسم من أسماء الله عز وجل له ثلاث
دلالات يدل على المطابقة و التضمن والالتزام.
المطابقة: دلالة اللفظ على جميع معناه ،
التضمن: دلالة اللفظ على بعض معناه ، الالتزام: أن يلزم بعض اللوازم من إثبات اللفظ.
مثلًا السميع يدل دلالة مطابقة على اسم
الله السميع، و على الصفة .
ويدل دلالة تضمن على الاسم وحده وعلى صفة
السمع وحدها .
و بدلالة الالتزام يلزم أن الله حي من إثبات هذا
الاسم.
وهكذا في سائر أسماء الله عز و جل كل اسم
يدل على هذه الثلاث الدِلالات (بكسر الدال وفتحها).
4-أسماء الله عزوجل وصفاته توقيفية فلا نسمي اللهَ ولا نصفه بما لم
يأت في الشرع.
وللتوسع في باب أسماء الله و صفاته يراجع
بدائع الفوائد لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ و القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه
الله تعالى.
***********************
7376-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِي ظَبْيَانَ
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ) .
**********************
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ )
البيكندي.
(حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ )
محمد بن خازم الضرير. أحفظ الناس لحديث
الأعمش رحمه الله تعالى.
(عَنْ الْأَعْمَشِ )
سليمان بن مهران أبو محمد الكوفي. وهذا
الإمام كان فقيراً صبوراً و كان أحقر من يكون في مجلسه الأغنياء. و ذلك لزهده؛ فإنه
كان زاهداً ورعاً، بخلاف أهل عصورنا يفرحون أشد الفرح بمجالسة الأغنياء لمحبتهم الشديدة
للدنيا التي يعد التنافس فيها مهلكة، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ـ (فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ
عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا
كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) أخرجه البخاري ومسلم .
و الأعمش ـ رحمه الله تعالى ـ رفعه الله
بالعلم و بتقواه. و قد أخرج أبوالقاسم البغوي رحمه الله في زوائد الجعديات (753) من طريق سفيان بن
عيينة قال: رأيت الأعمش لبس فروًا مقلوبًا، وبتًّا تسيل خيوطه على رجليه، ثمَّ
قال: أرأيتم لولا أنِّي تعلَّمت العلم من كان يأتيني، لو كنت بقالًا كان يقذرني
النَّاس أن يشتروا منِّي.
والفرو (جلد الغنم) و بتًا (كساء) بقالاً:
أبيع البقل ، لقذرني: أي ما يأتون إليه يشترون لأنهم يتقذرون.
قال الخليلُ بن أحمد في كتاب العين :مادةعمش:
رجل أَعْمَشُ، وامرأة عمشاء، أي: لا تزال عينها تسيل دمعاً، ولا تكاد تُبصِرُ بها.
و هذا من الآثار عن السلف في منزلة العلم
ورفعته.
وأخرج البيهقي في المدخل (1/398) بسندٍ
صحيح عن أبي العالية قال: كنت آتي ابن عبَّاسٍ فيرفعني على السَّرير وقريشٌ أسفل
من السَّرير فتغامز بي قريشٌ وقالوا: يرفع هذا العبد على السَّرير، ففطن بهم ابن
عبَّاسٍ فقال: إنَّ هذا العلم يزيد الشَّريف شرفًا، ويجلس المملوك على الأسرَّة.
و الشاعر يقول:
العلم يرفع بيتًا
لا عمــــاد له والجهل يهدم بيت العز
والشرف
بل ربنا سبحانه وتعالى يقول: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]
والأعمش له ولد اسمه هود.
قال ابن حبان في الثقات (5/ 515) :هود بن الْأَعْمَش يروي عَن أَبِيه روى عَنهُ أَبُو مُعَاوِيَة
الضَّرِير.
(عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ)
مخضرم. المخضرم في اللغة: من عاش بين جيلين.
واصطلاحًا: هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ثم أسلموا في حياة النبي ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ـ ولم يروه أو بعد مماته.
والمخضرمون يذكرهم أهل المصطلح في قسم التابعين .
الخضرمة: القطع، يقولون وذلك لأنهم
كأنهم قُطِعوا عن نظائرهم.
ومن المخضرمين أيضاً ،زر بن حبيش ، وأبو عثمان النهدي،
وأبومسلم الخولاني ،والنجاشي ،و غيرهم.
(وَأَبِي ظَبْيَانَ )
حصين بنُ جُندب، والد قابوس بن أبي ظبيان ، قابوس ضعيف.
(عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ)
هو البجلي. صحابي يمني.
وهناك عدد من الصحابة يمنيون: جرير بن عبدالله
من بجيلة، وائل بن حجر الحضرمي ، العلاء بن الحضرمي ،أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس ، أبو هريرة و غيرهم.
وقدكان الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ يفيدنا
بهذا وأكثر في هذه المسألة .
وهذا شرف لأهل اليمن-نسأل الله أن يُصلِحهم- أن منهم جملةً من صحابة رسول
الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنهم علماء جهابذة. ومن هؤلاء العلماء
الكِبارعبد الرزاق بن همام الصنعاني.
يقول الوالدالشيخ مقبل الوادعي
ـ رحمه الله تعالى ـ (ما رُحل إلى عالم مثل ما رُحل إلى عبد الرزاق بن همام الصنعاني)
.
وعبد الرزاق تغيَّر في آخر عمره، ولكن يقول يحيى بن معين: لو ارتد عبد
الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه)كما في "الضعفاء للعقيلي" .
يعني حديثه السابق قبل الردة رحمه الله وقد حفظه الله من هذا.
************************
7377-حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي الْمَوْتِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا
أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى
فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَعَادَتْ الرَّسُولَ أَنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَدُفِعَ
الصَّبِيُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا قَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا
اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ
*************************
(حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) محمد بن الفضل السدوسي.
(حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ )هو ابن درهم، و في طبقته حماد بن سلمة بن دينار.
قال بعضهم : فضل حماد بن سلمة على حماد
بن زيد كفضل الدينار على الدرهم.
علَّق الوالد الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه
الله تعالى ـ على هذا و قال :هذا من حيث السنة ،حماد بن سلمة بن دينار أرجح في السنة.
وحماد بن زيد بن درهم في الحديث أرجح.
(عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ) عاصم بن سليمان.
(عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ) عبدالرحمن
بن مُل.
(عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ) أسامة
بنُ زيد بن حارثة أمه أم أيمن بركة.
(سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) سيد الخزرج. أما سعد بن معاذ فهو سيد الأوس.
(وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) أنصاري. و سعد بن عبادة أيضًا من الأنصار لأن الأوس من الأنصار.
(تَقَعْقَعُ ) تضطرب.
(كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ) الشن: القربة البالية.
(فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )أي سالت بالدموع.
- في هذين الحديثين-
إثبات صفة الرحمة لله عز وجل نثبتها على
ظاهرها من غير تشبيه، و لا تمثيل، و لا تكييف، و لا تعطيل، و لا تحريف.
- الحث على الرحمة بالخلق ، وهذا من مكارم
الأخلاق .
وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه
-تعزية المصاب بالموت (لِلَّهِ مَا أَخَذَ
وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى).
وألفاظ التعزية ليست محصورة فيعزَّى المصاب
بالموت بما يسلِّي عليه.
و قد أفادنا بذلك الشيخ الوالد مقبل الوادعي
ـ رحمه الله تعالى ـ لأن المقصود من التعزية تسلية المصاب.
وأن الأفضل التعزية بما ثبت به الدليل .
و كان هناك مَن توفي مِن أقارب الشيخ الوالد
ـ رحمه الله تعالى ـ على عهده، فقال لي الوالد: اذهبي إليهم وعزِّيهم، وقولي لهم (إن
شاء الله إنه إلى خير ). فسُرَّ أهلُ الميت بهذه التعزية.
أهل الميت يفرحون إذا جاء ما يؤانسهم ويبشِّرهم
بالخير عن ميتهم، وقد مر الصحابةُ بجنازة و أثنوا عليها خيراً فقال النبي ـ صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ـ وجبت أي وجبت له الجنة.
ثمَّ التعزية تحصلُ سواء لقيه في الطريق ،أو راسله ،أواتصل عليه ،أو
نحو ذلك .
- إبرار المقسم قال: (أَنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) و هذا من حق المسلم على أخيه المسلم. فقد قال البراء بن عازب أمرنا
النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بسبعة أشياء و ذكر منها إبرار المقسم.
ولكن في الصحيحين أن أبا بكر ـ رضي الله
عنه ـ لما عبر رؤيا، فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أصبت بعضًا و أخطأت
بعضًا قال أبو بكر: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرنّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ. قال النبي
ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا تُقسم.
فإذا كان المقسِم ليس له حق، أو كانت المصلحة
في عدم إبرار قسمه فلا يُبرُّ قسمُه.
وهذا ما كان يُفيدنا به الوالد ـ رحمه الله
تعالى ـ .
*************************
بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ) .
*************************
*************************
هذه الآية فيها إثبات اسم الرزاق لله عز وجل. و يدل على إثبات صفة الرزق الكثير؛ لأن رزاق من أمثلة المبالغة على وزن فعَّال.
وذو القوة بمعنى صاحب القوة، و هذا فيه إثبات صفة القوة لله عز وجل.
المتين هو الشديد و يفيد إثبات اسم المتين وصفة الشدة لله عز و جل .
وهل (ذو القوة )من أسماءالله عزوجل ؟.
شيخ الإسلام يعدُّ الأسماء المضافة من أسماء الله .
يقول شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(22/ 485): وَمِنْ أَسْمَائِهِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ اسْمُهُ: السُّبُّوحُ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ} وَاسْمُهُ " الشَّافِي " كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: {أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا} .
قال:وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ الْمُضَافَةُ مِثْلَ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَجَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَثَبَتَ فِي الدُّعَاءِ بِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
وقال الشيخ ابن عثيمين في القواعد المُثلى16: ومن أسماء الله تعالى ما يكون مضافا مثل: مالك الملك، ذي الجلال والإكرام.
**************************
**************************
7378-حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ
عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ يَدَّعُونَ لَهُ
الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ .
*************************
(حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ) عبدالله بن عثمان بن جبلة المروزي.
(عن أَبِي حَمْزَةَ ) هو محمد بن ميمون السكري. نسبة إلى بيع السُكَّر.
يعلِّق الوالد ـ رحمه الله تعالى ـ أحياناً على هذه النسبة وما
أشبهها ويقول: كان السلف منهم من يحترف - أي يكتسب- مع طلب العلم. ومنهم أبو صالح السمّان
نسبة إلى بيع السمن.
(عَنْ الْأَعْمَشِ ) تقدم سليمان بن مهران.
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ) الوالبي، قتله الحجاج ظلماً وعدواناً والناس أحوج ما يكونُ إلى علمه.
والحجاج هوابن يوسف الثقفي الظالم.
(عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ)
عبدالله بن حبيب السُلَمي. نسبة إلى سُلَيم وهي قبيلة من العرب مشهورة يقال سُلَيم
بن منصور. المرجع: الأنساب للسمعاني.
من فوائدالحديث
إثبات صفة الصبر لله عز وجل.
نُثبتها مع إثبات المعنى لأن المعنى
معلوم من غير تمثيل.
التفويض في معنى صفات الله عزوجل لا
يجوز ،المعنى معلوم .
التفويض في كيفية صفات الله سبحانه هذا
لا بد منه لأن الكيف مجهول { ولا يحيطون به علما} .
وهنا تأتي مسألة صفات الله عز وجل هل هي من قبيل المحكم أو المتشابه؟
من قبيل المُحكم باعتبار أن معناها معلوم
فالمعنى معلوم، السمع معلوم و هو الذي يَسمعُ الأصوات ، و البصير الذي يُبصِرُ ، وتعالى
الله عن تشبيهه {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النحل:60].
وصفات الله من قبيل المتشابه من حيث الكيفية، (الكيف
مجهول) كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ والدليل قوله عز وجل: { وَلَا يُحِيطُونَ
بِهِ عِلْمًا} [طه:110].
و من قال إن صفات الله تعالى من قسم المتشابه
فهو مخطئ جاء هذا المعنى عن بعضهم .
و ذكرالشيخ الوالد مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أنه
جاء عن السيوطي .
قلت : كلام السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن3/ 14) يقول:مِنَ
الْمُتَشَابِهِ آيَاتُ الصِّفَاتِ ....
ثُمَّ الصبر أيضًا من صفات المخلوقين، و
لكن شتان بينهما قال ابن القيم رحمه الله في عِدَةِ الصابرين 276:
وصبره تعالى يفارق صبر المخلوق ولا يماثله من وجوه متعددة .
منها : أنه عن قدرة تامة .
ومنها : أنه لا يلحقه بصبره ألم ولا حزن ولا نقص بوجهٍ ما .اهـ المراد
وهل من أسماء الله الثابتة الصبور؟.
جاء عند الترمذي في سننه(3507) من حديث أبي هريرة في سرد الأسماء
التسعة والتسعين قال:والصبور .
وقد وهِم في سردها الوليد بن مسلم .
قال الحافظ ابنُ كثير في تفسير قوله تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ }:
وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَنَّ سَرْدَ الْأَسْمَاءِ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُدْرَجٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ
زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، أَيْ أَنَّهُمْ جَمَعُوهَا مِنَ الْقُرْآنِ.
كما روي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَبِي زَيْدٍ
اللُّغَوِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(22/482): وَحُفَّاظُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ
مِمَّا جَمَعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ شُيُوخِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ
.
ومن أثبت هذا الاسم -كابنِ القيم فإنه أثبته في عِدَةِ الصابرين -كان
معتمداً على هذه الرواية وعلى ما لم يثبُت .
وقد أنكر ابنُ حزم في الفِصَل في الملل والأهواء والنحل(2/125) أن يكون الصبور من أسماء الله وقال :وسمى نَفسه الْكَرِيم فسماه
السخي والجواد وسمى نَفسه الْحَكِيم فسماه النَّاقِد الْعَاقِل وسمى نَفسه
الْعَظِيم فسماه الفخم الضخم وسمى نَفسه الْحَلِيم فسماه الْمُحْتَمل: الصابر
الصبور الصبار..
الشيخ ابن عثيمين عدَّ في القواعد المثلى تسعة وتسعين اسماً لله عزوجل
وما أدخل هذا الاسم الصبور .
ومن فوائد الحديث
أن الله سبحانه وتعالى يؤذَى وكما قال عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ
عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب:57] .
ولكن لا يصل إلى الله عز وجل شيءٌ من الضرر قال سبحانه
و تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا
اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:176].
و في الحديث القدسي (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ
تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي) رواه مسلم
(2577)
فالله عز وجل يُؤذَى ومِن أذاه ادِّعاء
الولد له.
وأيضًا هذا من شتم الله عز وجل كما في صحيح
البخاري (4975) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ
وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي
لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ
لِي كُفُؤًا أَحَدٌ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ كُفُؤًا} .
- و فيه نفي الولد لله عز و جل و الرد على
اليهود و النصارى الذين يدعون لله ولداً و هذا إفك عظيم قال سبحانه
و تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ
وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)} [مريم:88 ، 89]
-(ثُمَّ يُعَافِيهِمْ) فيه أن العافية
بيد الله سبحانه .
العافية :دفاع الله عن العبد.
والعافية من نعم الله العظيمة و لهذا كان
من أدعية النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في الصباح و المساء (اللهم إني أسألك
العفو والعافية في الدنيا والآخرة) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" برقم
698 .
ويقول أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه:
(ما أعطي أحد بعد اليقين خيراً من العافية) والأثر في الصحيح المسند لوالدي رحمه
الله .
و العافية لا تدوم ، فلا بد من أن يعقبها
سقم و تعب وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما في صحيح البخاري (6049) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ).
فينبغي استغلال العافية؛ فإن من مرض أو
شُغِل -لأن العافية دفاع الله عن العبد تشمل المرض والانشغال والسوء -يفوته من الجد
ويحصل له الضعف مما لا يستطيع الاستمرار على الحال الذي كان عليه. ولهذا قال عبدالله
بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (وخذ من صحتك لمرضك و من حياتك لموتك) أخرجه البخاري.
استغلال الصحة قبل أن يأتي المرض، فاليوم
صحة وغدًا مرض، اليوم حياة، وغدًا موت. اليوم أُولى، وغدًا أخرى. اليوم شباب، و غدًا
كِبَر وهرم. اليوم فراغٌ، و غدًا شُغل. فهكذا الحياة مما يجعل العبرة لمن اعتبر والتوفيق
بيد الله سبحانه وتعالى.
- و في الحديث مع الآية الكريمة أنَّ الرزق
بيد الله عز وجل.
والرزق عام وأعظمه رزق الهدى والعلم. فالرزق
ليس خاصاً بالمال. الحفظ رزق من الله، و الذكاء، و الفهم، و الولد، الزوجة الصالحة،
والزوج الصالح ،إلى غيرذلك والأرزاق كلها من عندالله قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ
نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)
[النحل:53]
- و فيه الحث على الاتصاف بصفة الصبر؛ لأن
الله عز وجل إذا كان يصبر - وعنده القدرة على الانتقام والأخذ على يد الظالم والمؤذي-
فينبغي للمخلوق الضعيف أن يتخلق بخُلق الصبر.
ولا تقوم الحياة إلا بالصبر. نسأل الله
أن يجعلنا من الصابرين. و ما عالج أحدٌ مشاكله بمثل الحلم والصبر. فالصبر خُلُق عظيم.
والله المستعان.
انتهينا ولله الحمد، الباب الأول في قوله
تعالى (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْمَاءُالحُسْنَى ) وتحت هذا الباب حديثان حديث جرير بن عبدالله وحديث أسامة بن زيد ـ رضي الله
عنهما.
والباب الثاني في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ
هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) و تحت هذا الباب حديث أبي موسى ـ رضي
الله عنه.
و نجد أن الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى
ـ في كثير من تبويباته في كتاب التوحيد يستدل بالآية ثم يذكر الحديث. الحافظ ابن حجر
- رحمه الله تعالى - في فتح الباري تحت حديث رقم (7377) يقول: ( الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ
تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ فِي "كِتَابِ التَّوْحِيدِ" أَنَّهُ يَسُوقُ الْأَحَادِيثَ
الَّتِي وَرَدَتْ فِي الصِّفَاتِ الْمُقَدَّسَةِ فَيُدْخِلُ كُلَّ حَدِيثٍ مِنْهَا
فِي بَابٍ وَيُؤَيِّدُهُ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى خُرُوجِهَا عَنْ
أَخْبَارِ الْآحَادِ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ فِي تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا فِي
الِاعْتِقَادِيَّاتِ ، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ جَمِيعًا) .
قوله (لِلْإِشَارَةِ إِلَى خُرُوجِهَا عَنْ
أَخْبَارِ الْآحَادِ) آخبار الآحاد :ما رواه
واحد عن واحد أو أكثر مالم يبلغ حد التواتر. فيدخل فيه ما تفرد به واحد، و يدخل فيه
العزيز، و المشهور.
قوله (عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ) التنزل للخصم الذي يقول ما يقبل خبر الآحاد في باب
الاعتقاد. وهذا قول المعتزلة، بل عند المعتزلة رد أخبار الآحاد مطلقًا في العقيدة و
في غيرها و لا يقبلون إلا المتواتر. وقد رد عليهم أهل العلم، و ممن رد عليهم الإمام
البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ فله كتاب أخبار الآحاد في صحيحه.
فهذا فيه الحكمة من تصرُّف الإمام البخاري
ـ رحمه الله تعالى ـ أنه يبدأ و يذكر الآية، ثم يذكر حديثًا فيه إثباتُ الصفة. فمثلاً
الرحمن في الباب الأوَّل ذكر الآية (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ
أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، ثم استدل بحديثين في إثبات
صفة الرحمة.
فإذا قال المخالف: هذا خبر آحاد نقول قد
جاء في القرآن إثبات صفة الرحمن.
حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ فيه إثبات
صفة الرزق، يقول المخالف هذا خبر آحاد، نقول قد جاء في القرآن إثبات الرزاق قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58] وهكذا .
مسألة :هناك تفصيل مفيد ومهِم لابن القيم رحمه الله في شرح الأسماء والصفات للناس.
قال رحمه الله في بدائع الفوائد(1/ 170) ثم اشرح
الأسماء الحسنى -(والأسماء الحسنى متضمنة للصفات)-إن وجدتَ قلبا عاقلا ولسانا
قائلا ومحلا قابلا .
وإلا فالسكوت أولى بك فجناب الربوبية أجل وأعز مما يخطر بالبال أو
يعبر عنه المقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} حتى ينتهي العلم إلى من
أحاط بكل شيء علما .