جديد الرسائل

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

درس /(باب استقبال القبلة)من عُمدة الأحكام 13من شهر صفر 1437 .

بسم الله الرحمن الرحيم           

  "باب استقبال القبلة"
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ , حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ , يُومِئُ بِرَأْسِهِ , وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) .
وَفِي رِوَايَةٍ: (كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ) .
وَلِمُسْلِمٍ: (غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ) .
وَلِلْبُخَارِيِّ: (إلاَّ الْفَرَائِضَ) .
*****************************
 [الشرح]
(يُسَبِّحُ ) السُّبْحة/النافلة  ،وقيل  لصلاة النافلة سُبحة ﻷنها مشتملة على التسبيح .
والتسبيح أيضاً في صلاة الفريضة لكن  قال الحافظ في فتح الباري شرح هذا الحديث : وَأَمَّا اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالنَّافِلَةِ فَهُوَ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي هذا الحديث من الفوائد
- صلاة النافلة على الراحلة في السفر .
قال الخطابي رحمه الله في معالم السنن (1/ 266 ) :ولا أعلم خلافاً في جواز النوافل على الرواحل في السفر إلاّ أنهم اختلفوا في الوتر فقال أصحاب الرأي لا يوتر على الراحلة وقال النخعي كانوا يصلون الفريضة والوتر بالأرض وإن أوترت على راحلتك فلا بأس.
وأماقوله تعالى {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ } [البقرة : 144]  هذا في الفريضة ، وهكذا النافلة في غير السفر، فلا تصلى النافلة في الحضر على الراحلة .
أما قول  السيوطي ـ رحمه الله ـ في الإتقان في علوم القرآن (2/50) : 
قَدْ أكْثَرَ النَّاسُ في المَنْسُوخِ مِنْ عَدَدِ              وأدْخَلُوا فِيــهِ آياً لَيْسَ تَنْحَصِــــرُ 
وهَاكَ تَحْـرِيرَ آيٍ لا مَـزِيـدَ لَهَا                  عِشْرِينَ حَرَّرَهَا الحُذَّاقُ والكُبَـــــرُ 
آيُ التَّوَجُهِ حَيْثُ المَرْءُ كـانَ               وأنْ  يُوصِي لأهْلِيهِ عِنْدَ المَوْتِ مُحْتَضِرُ 
فقول السيوطي(آيُ التَّوَجُهِ حَيْثُ المَرْءُ كـانَ  ) يشير إلى اﻵية الكريمة  { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة : 115] .
 أي أنها منسوخة .
والصحيح أنها غير منسوخة  فهي في التطوع في السفر .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه وفيه نزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} .
وجواز النافلة في السفر على الراحلة من رحمة الله قال ابنُ دقيق العيد رحمه الله في إحكام الأحكام شرح هذا الحديث :وَكَأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ –أي جواز صلاة النافلة في السفر-: تَيْسِيرُ تَحْصِيلِ النَّوَافِلِ عَلَى الْمُسَافِرِ وَتَكْثِيرِهَا ، فَإِنَّ مَا ضُيِّقَ طَرِيقُهُ قَلَّ وَمَا اتَّسَعَ طَرِيقُهُ سَهُلَ، فَاقْتَضَتْ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادِ أَنْ قَلَّلَ الْفَرَائِضَ عَلَيْهِمْ تَسْهِيلًا لِلْكُلْفَةِ ، وَفَتَحَ لَهُمْ طَرِيقَةَ تَكْثِيرِ النَّوَافِلِ تَعْظِيمًا لِلْأُجُورِاهـ.

وإذا كان السفر سفر معصية هل له أن يترخص بهذه الرخصة فيصلي النافلة على راحلته ؟.

جمهور العلماء على أنه ليس له الترخص برخص السفر لأن سفره معصية .
ومنهم من قال : له أن يترخص بِرُخَص السفر فالأدلة عامة .
وهذا اختيار والدي الكريم الشيخ مقبل رحمه الله .
 -التنفل في السفر فلايترك المسافر النافلة وإنماكان النبي صلى الله عليه وسلم يترك الرواتب عدا راتبة الفجر فلم يتركها سفراً ولا حَضَراً.
فينبغي أن يحرص المسافر على النوافل مثل قيام الليل وصلاة الضحى  .
- تخصيص  قوله تعالى  {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِالْحَرَامِۚ} فاﻵية عامة مخصوصة بالنافلة في السفر.
وهل للمسافر أن يصلي النافلة ماشيا؟ .
الدليل دل على صلاة النافلة في السفرلمن كان راكبا فنبقى على عموم اﻵية في المنع .
- الإيماء بالرأس وهذا في الركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه أخرج أبوداود في سننه (1227)وأحمد في مسنده (22/ 420)من طريق  أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، قَالَ: «فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ».
وأبوالزبير قد صرَّح بالسماع في مسند أحمد (22/ 61) فالحديث حسن.
- العمل بالدليل لقوله (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) .
- أن الوتر نافلة وليس بفريضة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى الوتر على الراحلة في سفره .
وكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة).
 أيضا دليل أن الوترنافلة ﻷن قوله( خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة)المراد به مايتكرر بتكرر اليوم والليلة كما قال ابنُ القيم في ( كتاب  الصلاة)  وصلاة الوترتتكررفي كل ليلة.
 وهذا عليه جمور العلماء .
أما أبو حنيفة فيرى أن الوترفرض وهذا مخالف للدليل .
- استقبال القبلة في صلاة الفريضة  وهذا فرض كما قال تعالى  {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِالْحَرَامِۚ} .قال النووي في شرح صحيح مسلم :وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ واستثنَى رحمه الله بعض الاستثناءات في هذه المسألة.
ولاتصح صلاةُ الفريضة على الراحلة إﻻفي بعض الحالات النادرة مثل الخوف من السيل ومن كان راكبا في طائرة أو سفينة ومن كان مربوطا إلى غير القبلةأو مريض لايجد من يساعده على استقبال القبلة وماأشبه ذلك.
وكذلك لا يجوز أن تُصلَّى النافلة على الراحلة في الحَضَر لأنه ما ثبت في هذا ما يُخصِّص عمومَ قوله سبحانه { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ  } .وهذا قولُ الْجُمْهُورِ أنه َلَا يَجُوزُ فِي الْبَلَدِ كما قال النووي في شرح صحيح مسلم شرح هذا الحديث .
***************************
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ , فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ , وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ , فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ , فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ) .
**************************
من فوائدالحديث
 -هذا الحديث من جملة اﻷدلة في استسلام الصحابة للشرع .
وهكذا كانت حياة الصحابة  المسابقة  إلى العمل بالدليل وعدم التردد ،انقيادٌ تام .
وأخرج البخاري في صحيحه (4758)عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا " .
وهذا معدود في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم.
استسلام ورغبة في الخير، ماكانوا يترددون ،أويتتبعون الرُّخص ويقدِّمون هوى النفس،  إذعان واستسلام ﻷن الله عز وجل يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب : 36] .
نسأل الله أن يجعلنا من المتسابقين إلى العمل بالدليل .
- قبول خبر الواحد وهناك المعتزلة يردُّون خبر اﻵحاد وقد رد عليهم أهل العلم وللإمام البخاري في صحيحه. "كتاب أخبار اﻵحاد" .
المعتزلة مايقبلون إلا المتواتر تبعاً ﻷهوائهم وأخذاً ببعض الشُبَه.
- نسخ الصلاة إلى بيت المقدس فالصلاة إلى بيت المقدس كان هذا مشروعا ،صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهراكما في حديث البراءبن عازب  . ثم نُسخ باستقبال الكعبة.
 - دليل على نسخ السنة بالقرآن فإن بيت المقدس ما له ذِكر في القرآن .
فنُسِخَ بالقرآن وهو قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِالْحَرَامِۚ} .
وهذا أحدمايكون به النسخ ، نسخ السنة بالقرآن.
-وهناك أحوالٌ أخرى
-نسخ القرآن بالقرآن ومنه  قوله تعالى:في سورة اﻷنفال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (65)} ثم نسخ باﻵية التي بعدها  { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (66)} [الأنفال : 65-66] .

 -نسخ القرآن بالسنة ومنه قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء : 15] هذا منسوخ كما في صحيح مسلم (1690)عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» .
- نسخ السنة بالسنة ومنه حديث بريد بن حُصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) .
هذه أربعة في بيان الناسخ  .والله أعلم .
 وفي الحديث تبليغ العلم  .
*****************************
 عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: (اسْتَقْبَلْنَا أَنَساً حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ , فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ , فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ , وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ - يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ - فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ مَا فَعَلْتُهُ)  .
***************************
عين التمر/ قال ياقوت الحموي في معجم البُلدان (4/ 176)عَينُ التمر:
بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شفاثا، منهما يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد، وهو بها كثير جدّا اهـ
  والحديث تقدم معناه من حديث ابن عمر الحديث اﻷول في الباب .
وفيه أيضا استقبالُ العلماء إذا قدموا .

والله تعالى أعلم.
  وبهذا انتهينا من "باب استقبال القبلة"  ولله الحمد والمنة .