جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 21 ديسمبر 2019

(23)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي


فتورُ الهمة وبعض أسبابه وعلاجه

تقول أختٌ لنا :كنتُ ذات همة ونشاط في طلب العلم وقراءة القرآن لكن تغير الحال ونزلت همتي وازدادت ضعفا ..وصرت الآن مدمنة على الجوال الله المستعان.

 أطلب منك النصيحة أحسن الله إليك

 وكيفية استرجاع تلك الهمة التي كانت عندي؟بارك الله فيك وجزاك خيرا.

بسم الله الرحمن الرحيم

الهمَّة العالية نعمةٌ من الله سبحانه،ورزْقٌ وموهبة من الله.

ولا ينبغي لطالب العلم  أن يمَلَّ ويفتر ويرجع إلى الوراء بعد أن كان إلى الأمام فقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ فِي عِلْمٍ لَا يَشْبَعُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لَا يَشْبَعُ»رواه الحاكمُ في «المستدرك »(312).

وكما أن الذي يعمل في الدنيا يسعى ويكُدُّ في تحصيلها باستمرارٍ وعملٍ دؤوب والذي يطلب العلم أحق وأجدر أن يسعى جادًّا في تحصيل العلم لأنه يلتمس طريق السعادة والجنة،ويسلك طريقًا لا نظير لها،فينبغي أن يكون كل يوم في ازدياد،يجمع الفائدة إلى سابقتها،ويضم المسألة إلى سوابقها،وما يشعر بإذن الله إلا وقد استفاد.

اليومَ شيءٌ وغدًا مثلُه  ...  مِنْ نُخَبِ العلم التي تُلْتقَطْ

يُحصِّلُ المرءُ بها حكمةً  ...  وإنما السَّيْلُ اجتماعُ النُّقَطْ

وإذا شعر الطالب أنه قد استفاد تعلو همَّتُه ويزداد قوةً ونشاطًا.


أما الذي عنده ملل وكسل فهذا يوشك أن ينقطع ولا يستمر

وإن استمر ما يكون عنده ما يؤهِّلُه أن يكون مستفيدًا ومرجعًا لإخوانه.

 اطْلُبْ وَلَا تَضْجَر مِنْ مَطْلَبٍ  ...  فَآفَةُ الطَّالِبِ أَنْ يَضْجَرَا

أَمَا تَرَى الْماءَ بِتَكْرَارِهِ  ...  فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ قَدْ أَثَّرَا

ويقول ابن الوردي رحمه الله:

اطلُبِ العلمَ ولا تكسلْ  فما       أبعدَ الخيرَ على أهل الكسل

واحتفل للفقه في الدين ولا      تشتغل عنه بمالٍ وخَوَل


الذي يصل به  فتور الهمة إلى الانقطاع عن طلب العلم والانشغال بغيره سلك طريقًا لا يحبها الله.

روى مسلم (782)  عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ».

والهمَّة إذا فترت ليس باليسير إعادتها إلى رُشدها ومعاليها وطموحاتها.

وفتور الهمة يكون له أسباب:

المعاصي فإن المعصية حِرْمَان وخُذلان.قال تعالى:﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(5)﴾[الصف]. 


الأمراض والشواغل وكِبَرُ المسؤليَّة.

لكن لا ينبغي الاستسلام والهبوط فقد قال ربنا سبحانه:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾[آل عمران].

وإذا كانت النفوسُ كبارا..هانت في مرادها الأجسام 


محبة الدنيا ومطامعها قال تعالى:﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾[الأعراف:175-176].

فطمع الدنيا يُسْلِب بركة العلم،ويُسْلِبُ الفهمَ الصحيح،ويُسْلِبُ الهمة،وربما جرَّه ذلك أن يكون من المثبِّطين المزهِّدين في العلم الشرعي.


جلساء السوء المثبطين،ولهذا في أدلةٍ كثيرة الحث على مجالسة الصالحين والبعد عن جلساء السوء لِمَا له من تأثيرٍ كبيرٍ على جليسِه.

قال ابن القيم رحمه الله في«مدارج السالكين»(1/453): وَهَلْ آفَةُ النَّاسِ إِلَّا النَّاسُ؟ وَهَلْ كَانَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الْوَفَاةِ أَضَرَّ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ؟ لَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تُوجِبُ لَهُ سَعَادَةَ الْأَبَدِ.


واعلمي أن مِن جلساءِ السوء:أجهزة التواصل الحديثة إذا لَهَتْ وشغلت عن طلب العلم وضيعت الوقت،أو استخدمت فيما حرم الله.


والفتور الطارئ الذي يُصاب به طالبُ العلم أحيانًا هذا لا يضر،والموفق إذا شعر ببدء الفتور أنه يسوسُ نفسَه ولا يُهمل،فإذا شعر بفتورعن مراجعة القرآن أخذ له حظًّا من العبادات الأخرى كالصلاة،أويجعل له لقاءً علميًا فربما لا ينتهي اللقاء إلا وقد تحسَّن حالُه،لأن العلم طمأنينة وسعادة، وفيه تثبيتٌ لقلب صاحبه،أو يأخذ له كتابًا في الفتاوى أو السيرة أو الآداب ..ويطالع فيه..


ولنعلم أنَّ للهِمَّة العالية أسبابًا تُعين على الوصول إليها إذا صَحِبَ ذلكَ توفيقٌ من الله.من هذه الأسباب:


العلم النافع فهو نور وبصيرة وحياة للقلوب ويخرج من ظلمات الجهل والغفلة والغي إلى النور والحياة والسعادة.قال تعالى:﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..(122)﴾[الأنعام].


الإكثار من الذكر  والاستغفار والدعاء قال تعالى:﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)﴾[البقرة].


كثرة ذِكْرِ الموت لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ. يَعْنِي الْمَوْتَ.رواه الترمذي(2307).

وكثرة تذكُّر الموت يُفيق من الغفلة المتراكمة ويُرغِّب في الآخرة وأسباب الوصول إليها.


مجالسة ذوي الهمم العالية.قال تعالى:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:28]. 


القراءة في سيرة الأنبياء وتراجم سلَفِنا الصالح فإنها تبعثُ الهمة وخشية القلوب.ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يرحم الله موسى لقد أُوذي بأكثرَ من هذا فصبر.


الصبر والمجاهدة،قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾[العنكبوت].  


فأفيقي وتبصَّري وجاهدي واستعيني بالله سبحانه وحده لا شريك له  كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.

ولا بُدَّ من الاهتمام ببذل الأسباب مع حُسن النية وصدق الطوية.والله الموفِّق.