التحذير
من مخالفة العمل القول
من أوصاف
المتعلِّم والعالم أيضًا ربطُ القول بالعمل لئلَّا يخالف عملُه قولَه
فيضرُّ نفسَه .
قال
تعالى:﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)﴾[البقرة]. وقال
سبحانه:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ
(2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾[الصف].
وروى الخطيب في«اقتضاء القول العمل»(رقم70)عَنْ
جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: «مَثَلُ
الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ
السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيَحْرِقُ نَفْسَهُ».
والحديث ذكره الشيخ الألباني رحمه
الله في«سلسلة الأحاديث الصحيحة»(7/ص 1132) .
واستفدتُ من والدي رحمه الله أنه
حديثٌ حسن.
ووالله إننا نخشى على أنفسنا أن
الناس يدخلون الجنة، ونحن عندنا الأبواب، أو قد ذُهِب بنا إلى مكان آخر والعياذ
بالله، فإن الله تعالى يقول: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ
بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (44)﴾[البقرة]. اهـ كلام والدي رحمه الله .
وعدم العمل بالعلم داخل في العلم الذي لا ينفع ،لكن ليس معناه أن الذي لا يعمل بعلمه يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[المائدة:78-79].
قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله في«تفسير سورة البقرة»(1/152):الْغَرَضُ أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى ذَمَّهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ، وَنَبَّهَهُمْ عَلَى خَطَئِهِمْ فِي
حَقِّ أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِالْخَيْرِ وَلَا يَفْعَلُونَهُ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَمُّهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ بِالْبِرِّ مَعَ تَرْكِهِمْ لَهُ،
فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ واجب على العالم، ولكن الواجب
والأولى بالعالم أن يفعله مع مَن أَمَرَهُمْ بِهِ وَلَا يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ
كَمَا قَالَ شعيب عليه السلام: ﴿وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا
أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما
تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هُودٍ:
88]، فَكُلٌّ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِعْلِهِ وَاجِبٌ لَا يَسْقُطُ
أَحَدُهُمَا بِتَرْكِ الْآخَرِ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ.
وَذَهَبَ
بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي لَا يَنْهَى غَيْرَهُ عَنْهَا ،وَهَذَا
ضَعِيفٌ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ تَمَسُّكُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ لَا
حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْعَالِمَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنِ ارْتَكَبَهُ.
قَالَ
مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ: سَمِعْتُ سعيد بن جبير يقول: لَوْ كَانَ الْمَرْءُ لَا
يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ
شَيْءٌ مَا أَمَرَ أَحَدٌ بِمَعْرُوفٍ وَلَا نَهَى عن منكر. قال مَالِكٌ:وَصَدَقَ
مَنْ ذَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شيء؟.
(قلت)
لكنه وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَذْمُومٌ عَلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ وَفِعْلِهِ
الْمَعْصِيَةَ لِعِلْمِهِ بِهَا وَمُخَالَفَتِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ
مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ .اهـ