جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 14 مارس 2016

(9) الاخْتِيَارَاتُ العِلْمِيَّةُ لوالدي الشيخ مقبل رحمه الله

                
              الطهارة في الصلاةمن النجاسة

سألتُ والدي رحمه الله عن طهارة المصلي ثيابه وبدنه ومكانه من النجاسة .

فأجاب:الطهارة من النجاسة للمصلي واجبة ولا تصل إلى الشرطية .

واستدل بحديث ابن مسعود عند البخاري (240) ومسلم (1794) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» . ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» - وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ -، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى، فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ .

قال :وذبائح المشركين ميتة نجسة ولم يعد الصلاة، ولو كانت الطهارة من النجاسة شرطًا ﻷعاد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة.

 وبما أخرج أبو داود(650)ﻋَﻦْ ﺃَﺑِﻲ ﺳَﻌِﻴﺪٍ اﻟْﺨُﺪْﺭِﻱِّ، ﻗَﺎﻝَ: ﺑَﻴْﻨَﻤَﺎ ﺭَﺳُﻮﻝُ اﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﻳُﺼَﻠِّﻲ ﺑِﺄَﺻْﺤَﺎﺑِﻪِ ﺇِﺫْ ﺧَﻠَﻊَ ﻧَﻌْﻠَﻴْﻪِ ﻓَﻮَﺿَﻌَﻬُﻤَﺎ ﻋَﻦْ ﻳَﺴَﺎﺭِﻩِ، ﻓَﻠَﻤَّﺎ ﺭَﺃَﻯ ﺫَﻟِﻚَ اﻟْﻘَﻮْﻡُ ﺃَﻟْﻘَﻮْا ﻧِﻌَﺎﻟَﻬُﻢْ، ﻓَﻠَﻤَّﺎ ﻗَﻀَﻰ ﺭَﺳُﻮﻝُ اﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﺻَﻼَﺗَﻪُ، ﻗَﺎﻝَ: «ﻣَﺎ ﺣَﻤَﻠَﻜُﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﺇِﻟْﻘَﺎءِ ﻧِﻌَﺎﻟِﻜُﻢْ»، ﻗَﺎﻟُﻮا: ﺭَﺃَﻳْﻨَﺎﻙَ ﺃَﻟْﻘَﻴْﺖَ ﻧَﻌْﻠَﻴْﻚَ ﻓَﺄَﻟْﻘَﻴْﻨَﺎ ﻧِﻌَﺎﻟَﻨَﺎ، ﻓَﻘَﺎﻝَ ﺭَﺳُﻮﻝُ اﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ: " ﺇِﻥَّ ﺟِﺒْﺮِﻳﻞَ ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﺃَﺗَﺎﻧِﻲ ﻓَﺄَﺧْﺒَﺮَﻧِﻲ ﺃَﻥَّ ﻓِﻴﻬِﻤَﺎ ﻗَﺬَﺭًا  ﺃَﻭْ ﻗَﺎﻝَ: ﺃَﺫًﻯ  " ﻭَﻗَﺎﻝَ: " ﺇِﺫَا ﺟَﺎءَ ﺃَﺣَﺪُﻛُﻢْ ﺇِﻟَﻰ اﻟْﻤَﺴْﺠِﺪِ ﻓَﻠْﻴَﻨْﻈُﺮْ: ﻓَﺈِﻥْ ﺭَﺃَﻯ ﻓِﻲ ﻧَﻌْﻠَﻴْﻪِ ﻗَﺬَﺭًا ﺃَﻭْ ﺃَﺫًﻯ ﻓَﻠْﻴَﻤْﺴَﺤْﻪُ ﻭَﻟْﻴُﺼَﻞِّ ﻓِﻴﻬِﻤَﺎ ".

----

قلت: وقد ذهب إلى هذا جماعةٌ من العلماء أن الطهارة من النجاسة للمصلي واجبة وليس بشرط .قال الشوكاني رحمه الله في
 نيل الأوطار(2/139) :وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَنَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ. وَثَانِيهِمَا أَنَّهَا فَرْضٌ مَعَ الذِّكْرِ سَاقِطَةٌ مَعَ النِّسْيَانِ وَقَدِيمُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ شَرْطٍ.

واختار القول بالوجوب الشوكاني في نيل اﻷوطار  وناقش أدلة الجمهور وخلص بِأَنَّ أدلة الجمهور أَوَامِرُ وَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَحِلُّ النِّزَاعِ .

ثم قال: إذَا تَقَرَّرَ لَك مَا سُقْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَمَا فِيهَا فَاعْلَمْ أَنَّهَا لَا تَقْصُرُ عَنْ إفَادَةِ وُجُوبِ تَطْهِيرِالثِّيَابِ، فَمَنْ صَلَّى وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ كَانَ تَارِكًا لِوَاجِبٍ، وَأَمَّا أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ كَمَا هُوَ شَأْنُ فِقْدَانِ شَرْطِ الصِّحَّةِ فَلَا لِمَا عَرَفْت.

وتبعه على ذلك صديق حسن خان رحمه الله في الروضة الندية(1/253).

وخالف في ذلك أكثر العلماء قال ابن قدامة رحمه الله في المغني(2/48)في شرح قول الخِرَقي: (وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ثِيَابُهُ طَاهِرَةً، وَمَوْضِعُ صَلَاتِهِ طَاهِرًا، أَعَادَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.اهـ المراد.
وكان من أدلة الجمهور قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر : 4].
وحديث أسماء في الصحيحين قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: «تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ».
وفي صحيح البخاري (216) وصحيح مسلم (292)عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا» أَوْ: «إِلَى أَنْ يَيْبَسَا».
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث : رُوِيَ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ يَسْتَتِرُ بِتَائَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ وَيَسْتَنْزِهُ بِالزَّايِ وَالْهَاءِ وَيَسْتَبْرِئُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزَةِ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَمَعْنَاهَا لَا يَتَجَنَّبُهُ وَيَتَحَرَّزُ مِنْهُ .وَاللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ.
قالوا: فيه العقاب على ترك الطهارة من النجاسة فدلَّ على أن إزالة النجاسة  شرط .


هذا وقد اتفقوا على أن الطهارة من النجاسة مأمورٌ به .قال ابنُ رشد في بداية المجتهد(1/ 81): اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ لِمَكَانِ هَذِهِ الْمَسْمُوعَاتِ عَلَى أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهَا فِي الشَّرْعِ .اهـ.