6/محرم/1447
في إحدى حجاتي جلس بجواري امرأتان: سورية
ورفيقتها مصرية.
فكان هناك نغمة جوال موسيقى مع غناء، فنصحت
ونبَّهت من بجواري أن هذا حرام، ويُستبدل بنغمة عادية، وأن الحاج يُحافظ على حجه
من المعاصي؛ حتى يكون حجه مبرورًا.
فاعترضت السورية-وبغضب-: ما فيه أي دليل على
تحريم الغناء!
قلت: الله عز وجل يقول: {وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6].
واللهو: الغناء.
السورية: من أين جاء هذا التفسير؟ غير صحيح.
قلت: جاء عن بعض الصحابة، وهم أعلم بالتفسير
ومقاصد القرآن مِنِّي ومنكِ.
وبفضل
الله الأثر خرَّجته فيما بعد بما يلي:
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (4/ 268) من طريق
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: الْغِنَاءُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ.
وأخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (20/ 127) من
طريق سعيد بن جُبَير، به، وعنده زيادة: يرددها ثلاث مرات.
والأثر صححه ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (1/
424)، والشيخ الألباني في «تحريم آلات الطرب» (143).
ومن جهالاتها الشنعاء: أني عند أن ذكرت أيضًا في
استدلالي على تحريم الغناء بحديث: «لَيَكُونَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي،
يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ»، رواه البخاري.
اعتراضها: ما ينفع؛ البخاري روى عن يهود في
كتابه.
قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، أما تعلمين أنه
قد قال بعض العلماء: من خُرِّج له في الصحيح فقد جاوز القنطرة([1]).
وابن الصلاح يذكر أنَّ الأُمَّةَ تَلَقَّتْ
هَذَيْنِ الكِتَابَيْنِ بِالقَبُولِ، سِوَى أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ، انْتَقَدَهَا
بَعْضُ الحُفَّاظِ، كَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ.
وأُضيف هنا:
قال
النووي رَحِمَهُ الله في مقدمة «شرح صحيح مسلم»(1/14): اتفق العلماء رحمهم الله
على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز «الصحيحان»: البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة
بالقبول. اهـ.
وما هذا إلا لجلالة رجالهما، فمن تكلَّم في
الصحيحين فقد انحرف وغوى، وابتعد عن طريق الحق والهدى.
وأنكرَتْ عليها رفيقتها المصرية، وقالت: ليش
تقولي هذا؟ ثم أشارت إلى فيها-يعني: أن المقام سكوت-، وقالت: ﴿وَلَا
جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾[البقرة:197].
([1]) قال الحافظ
في مقدمة «فتح الباري»(384):
وَقد كَانَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْمَقْدِسِي يَقُول فِي الرجل الَّذِي يخرج
عَنهُ فِي الصَّحِيح: هَذَا جَازَ القنطرة، يَعْنِي بذلك أَنه لَا يلْتَفت إِلَى
مَا قيل فِيهِ.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَتْح الْقشيرِي فِي «مُخْتَصره»، وَهَكَذَا
نعتقد، وَبِه نقُول وَلَا نخرج عَنهُ إِلَّا بِحجَّة ظَاهِرَة وَبَيَان شاف، يزِيد
فِي غَلَبَة الظَّن على الْمَعْنى الَّذِي قدمْنَاهُ، من اتِّفَاق النَّاس بعد
الشَّيْخَيْنِ على تَسْمِيَة كِتَابَيْهِمَا بالصحيحين، وَمن لَوَازِم ذَلِك
تَعْدِيل رواتهما.
قال الحافظ: فَلَا يقبل
الطعْن فِي أحد مِنْهُم إِلَّا بقادح وَاضح.