جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 19 أبريل 2024

(31)سلسلة النساء الفقيهات

 

                من فقِه ابنَتَي الرجل الصالح

قال الله تَعَالَى في شأن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)﴾[القصص].

من فوائد قصة هاتين البنتين الصالِحَتين:

-خروج المرأة للحاجة.

-أنه لا بأس أن تقوم المرأة برعاء المواشي.

-قيام المرأة بالمَهَامِّ من أمور المعيشة، إذا كان لا يوجد أحد من الرجال يقوم بذلك.

-أن الأصل قرار المرأة في بيتها؛ ولهذا اعتذرتا عن خروجهما، ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ.

-درء التُّهَمِ عن النفس؛ حيث ذكرتا له السبب في خروجهما.

-البعد عن الاختلاط بالرجال وعدم مزاحمتهم.

فكيف بمن تزاحم الرجال، وتفرِّق بينهم بدخولِهَا؛ لهدَفٍ تافه، أو لا شيء.

وقد تكون متعطرةً، وفي صورة شيطان؟!

-أن صوت المرأة ليس بعورة.

-أن المخاطبة بين الأجانب تكون بقدر الحاجة، وبما يؤدي المطلوب من غير زيادة؛ ولهذا نبي الله موسى لمَّا رأى ذلك منهما خاطبهما بقوله: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا﴾، فأجابتا بما قصه الله علينا في هذه الآيات المباركات.

-دليلٌ على عِظَمِ حيائهِما وأدَبِهِمَا.

-وفيه أيضًا ما يدل على حياء إحدى ابنتَي الرجل الصالح.

قال الشيخ أبو زيد بكر بن عبد الله رَحِمَهُ الله في «حراسة الفضيلة»(89): وأعلى من ذلك وأجل ما ذكره الله سبحانه في قصة ابنتي شيخ مدين: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص: 25]، فقد جاء عن عمر رضي الله عنه  بسند صحيح أنه قال: جاءت تمشي على استحياء، قَائِلَةً بثوبها على وجهها، لَيْسَت بِسَلْفَعٍ مِن النساء ولَّاجةً خرَّاجة. والسلفع من النساء: الجريئة السليطة، كما في « تفسير ابن كثير» رحمه الله تعالى.

-وفيه أن الحياء أعم من الحياء في الكلام، فالحياء يكون في الألفاظ، المشي، اللباس، التعامل، الأخلاق..

-وفي الآية أيضًا كما في «حراسة الفضيلة»(89): من الأدب والعفة والحياء، ما بلغ ابنة الشيخ مبلغًا عجيبًا في التحفظ والتحرز؛ إذ قالت: ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ، فجعلت الدعوة على لسان الأب؛ ابتعادًا عن الرِّيَب والرِّيبة.

-مدح القوة والأمانة.

-أن من صفات العامل أن يكون قويًّا أمينًا.

-الفراسة؛ فقد حكمت إحدى الفتاتين على نبي الله موسى بالقوة والأمانة؛ لأمرين: أما القوة فلأنه نزع لهما الماء وكفاهما مؤنة ذلك، وأما الأمانة فلأنه كما يقول بعض أهل التفسير: مشى أمامها وليس وراءها.

وهذا مِنْ أهمِّ أوصاف الرجل، الذي ينبغي اختيار الزواج به،  أن يكون قويًّا، يكفي المرأة نفقتهَا، ويقوم بأمورِها وحوائجها. وأن يكون أمينًا، يرعاها، ويعينها على دينِها، ويُكرمها ولا يُهينها.

-رغبة الفتاة الصالحة في الرجل الصالح ولو كان فقيرًا، فلم تُعارض أباها الزواج بنبي الله موسى.

وقد علَّق والدي رَحِمَهُ الله على هذه القصة كما في (ش: بر الوالدين)، وقال: ما قالت: يا أبت، هذا رجل فقير، وقد قال موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)[القصص].

ما قالت: يا أبت، هذا رجل غريب لا تزوجْه؛ فإنه رجل غريب، الأسرة الصالحة رحمة من الله سبحانه وتعالى، وقَلَّ من يحصل له أسرة صالحة. اهـ.

-أن الكفاءة في الدين، ليس في الأموال...

-وفيه كما قال القرطبي في «تفسيره»(31/271): دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَشْرُوعَةً مَعْلُومَةً، وَكَذَلِكَ كَانَتْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ مِنْ ضَرُورَةِ الخليقة، ومصلحة الخلطة بين الناس.