جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 18 فبراير 2024

(15)من أحكام الجنائز

 

                           أقسام زيارة القبور

 

زيارة القبور على ثلاثة أقسام:

زيارة شرعية: أن يزور القبر للاتعاظ والذكرى والدعاء للأموات، كما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْآخِرَةَ» رواه ابن ماجه(1569).

وزيارة شركية: كأن يزور القبر، ويستغيث به، ويلجأ إليه، وينذر له، هذه زيارة شركية.

وزيارة بدعية: كأن يزور القبر؛ ليدعو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك المكان، يعتقد فضيلة المكان، ويتوسل إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عند القبر، ولا يتوسل بصاحب القبر. فإذا توسل به تصير الزيارة شركية، ومثل: شد الرحل لزيارة القبور، بمعنى: أن يذهب إلى القبر مسافة سفر هذا بدعة؛ لأن النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وبالنسبة لزيارة المرأة للقبر الصحيح أنه يجوز، وفي ذلك أدلة:

 منها: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي» قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» رواه البخاري (1283)، ومسلم (926).

هذا الحديث فيه دليلٌ على جواز زيارة المرأة للقبور. وقد بوَّب الإمامُ البخاري رحمه الله على هذا الحديث(بَابُ زِيَارَةِ القُبُورِ).قال الحافظ في «فتح الباري» شرح هذا الحديث: وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَتَقْرِيرُهُ حجَّة.

وروى الإمام مسلم (974) عن عائشة رضي الله عنها الحديث وفي آخره أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ».

وأيضًا عندنا عموم قول النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا» رواه مسلم (1977) عَنْ بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وروى الحاكم في «المستدرك» (1392)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْمَقَابِرِ فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ قَالَتْ: مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهَا: أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، «كَانَ قَدْ نَهَى، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا». والحديث صحيح.

 

والمانعون من زيارة المرأة القبور استدلوا بحديث « لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ » وهو حديث ضعيف؛ فيه أبو صالح باذام مولى أم هانئ.

وهناك حديث «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» هذا لا بأس به؛ له بعض الطرق، لكن المراد به المكثرات من الزيارة « زَوَّارَاتِ » على وزن فعَّال من أمثلة المبالغة، فيكون هذا أحيانًا، ومع أمن المرأة أن تقول هُجرًا، وأن تقع في الشرك أو تقع في النياحة، فقد تضعف إذا زارت قبر أبيها أو قبر أخيها أو مَنْ هو عزيز عليها، فإذا كان كذلك فلا يجوز لها أن تزور القبور.

[مقتطف من الدرس الحادي عشر من دروس تطهير الاعتقاد لابنة الشيخ  مقبل رحمه الله]