جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 11 أكتوبر 2023

(109) نصائح وفوائد

 

التفكر للاتعاظ

 

التفكر يحث الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) [الأنعام:50].

 ويقول سُبحَانَهُ: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) [آل عمران].

 فالتفكر في مخلوقات الله الدالة على قدرة الله وتوحيده، والتفكر في نعم الله وآلائه، التفكر في هذا التشريع الإسلامي، وما فيه من العلوم والعبر والمعجزات.

وفي كل الأحوال مما يشاهد في نفسه، قال تَعَالَى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)[الذاريات]، وما يشاهد في الكون من آيات الله سُبحَانَهُ من العظة والعِبَرِ، وما يجد من تغير الأحوال كل هذا فيه عظة وعِبْرَةٌ، فمثلًا:

إذا وجد مصائب اتعظ بها، إذا وجد مريضًا اتعظ به وبضعفه؛ إذ اليوم صحة وغدًا سُقم، أو وجد مبتلى في نفسه أو أهله أو ماله اتعظ به؛ إذ دار الدنيا دار المصائب والمحن والأحزان، إذا وجد مُحْتَضَرًا أو ميتًا اتعظ به؛ إذ اليوم حياة وغدًا موت، ﴿كل شيء هالك إلا وجهه، إذا وجد فقيرًا اتعظ به وبحاله، وقد يكون هذا الفقير من قبل ثريًّا، وافتقر بعد غنًى، فيعتبر به وأن دار الدنيا لا يُغتر بها؛ فهي كثير المكدرات، إذا وجد مشغولًا اتعظ به وبادر إلى عبادة ربه والمجاهدة في طاعته؛ إذ دار الدنيا مليئة بالصوارف والعوائق، والفراغ لا يدوم، النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» أخرجه مسلم (118) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ويا أيتها البنت ويا أيتها الفتاة استغلي الفرصة التي تعيشينها في دِفْءِ أبوَيْكِ، واحفظي القرآن، وتزودي من العلم النافع، وأقبلي على الدروس المفيدة النافعة قبل الزواج والمسؤولية والأولاد، وانظري إلى مَنْ حولَكِ من النساء بعد الزواج، الكثيرُ منهنَّ شُغِلْنَ ولا يجدن وقتًا يراجعن فيه ويحفظن ويستفدن، ولم يبقَ إلا تفتت القلب حسرة وندامة، والسعيد من وعظ بغيره لا بنفسه، كما قال عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ» رواه مسلم في أول حديث (برقم2645).

قال المناوي في «فيض القدير»(2/175): أي: السعيد من تصفح أفعال غيره، فاقتدى بأحسنها وانتهى عن سيئها، ثم ذكر قول الشاعر:

إن السعيد له من غيره عظة

وفي التجارب تحكيم معتبر

فهذا من علامة السعادة أن يكون له عظة بغيره في صلاحه، في استقامته، وفي مداواة قلبه، وإصلاح نقصه، والانزجار عن اقتراف المعاصي والكبائر.

ومن ثمار التفكر:

أنه عبادة جليلة ويجلب الخشية وشكر الله سُبحَانَهُ، والاستعداد للآخرة.

وفيه دواء وعلاج للقلب، فكم من قلب أحياه الله بسبب التفكير، يتفكر فيرجع إلى الله، ويتوب إلى الله من كفره وشركه ومن معاصيه!

 

[مقتطف من درس رياض الصالحين لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]