قَوْله تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: 18].
قوله تَعَالَى: ﴿مَثَلُ﴾ أي: صفة.
﴿أَعْمَالُهُمْ﴾ أي: أعمالهم الخيرية تذهب أدراج الرياح، وكما ثبت في «صحيح مسلم» (214)عَنْ عَائِشَةَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ».
﴿ كَرَمَادٍ﴾ الرَّمَادُ: مَا بَقِيَ بَعْدَ احْتِرَاقِ الشَّيْءِ. كما في «تفسير القرطبي»(9/353).
﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾ قال أبو حيان رَحِمَهُ اللهُ في «البحر المحيط» (6/424): ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ بِهَذِهِ الْحَالِ. وَعَلَى مِثْلِ هَذَا الْغَرَرِ الْبَعِيدِ الَّذِي يُعْمِقُ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَأُبْعِدَ عَنْ طَرِيقِ النَّجَاةِ، وَالْبَعِيدُ عَنِ الْحَقِّ، أَوِ الثَّوَابِ.
﴿في يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ فيه قولان: أن العصوف من صفة الريح، وإنما وُصف اليوم بالعصوف؛ لأن الريح تكون فيه، كما يقال: «يوم حار، ويوم بارد».
أن في الآية حذف، أي: في يوم عاصف الريح. فحذف الريح؛ لأنها قد ذُكِرت قبل ذلك في قوله تَعَالَى: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾.
قوله سبحانه: ﴿ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ﴾ قال ابن القيم: لَا يَقْدِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِمَّا كَسَبُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ عَلَى شَيْءٍ، فَلَا يَرَوْنَ لَهُ أَثَرًا مِنْ ثَوَابٍ وَلَا فَائِدَةٍ نَافِعَةٍ.
الأعمال أربعة: واحد مقبول وثلاثة مردودة.
المقبول: الْخَالِصُ الصَّوَابُ، فَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَالصَّوَابُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والمردود:
أن يكون العمل لغير الله.
أن يكون غير موافق لشرع الله عَزَّ وَجَل.
ما اتصف فيه الأمران، يعني: اجتمع فيه الأمران: عمل لغير الله، وغير موافق لشرع الله.
من فوائد هذه الآية:
-بطلان عمل الكافر، وإحباطه، وضياعه.
قال ابن الجوزي رَحِمَهُ اللهُ في «زاد المسير»(2/509): قال المفسرون: ومعنى الآية: أن كل ما يتقرَّب به المشركون يُحْبَط ولا ينتفعون به، كالرماد الذي سَفَتْه الريح فلا يُقدَر على شيء منه، فهم لا يقدرون مما كسبوا في الدنيا على شيء في الآخرة، أي: لا يجدون ثوابه، ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ من النجاة. اهـ.
أركان التشبيه في هذه الآية:
المشبه: أعمال الكفار. حرف التشبيه: الكاف. المشبه به: الرماد الذي طيَّرته الريح في يوم عاصف. وجه الشبه: اضمحلال أعمال الكفار التي عملوها من البر والخير كاضمحلال الرماد الذي طيَّرته الريح في يوم عاصف، لا يبقى منه شيء، وهكذا أعمال الكفار لا يبقى لها أثر ولا نفع.
سبب التشبيه بالرماد: قال ابن القيم: وَذَلِكَ لِلتَّشَابُهِ الَّذِي بَيْنَ أَعْمَالِهِمْ وَبَيْنَ الرَّمَادِ فِي إحْرَاقِ النَّارِ، وَإِذْهَابِهَا لِأَصْلِ هَذَا وَهَذَا. فَكَانَتْ الْأَعْمَالُ الَّتِي لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل وَعَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ طُعْمَةً لِلنَّارِ. وَبِهَا تُسَّعَرُ النَّارُ عَلَى أَصْحَابِهَا، وَيُنْشِئُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْبَاطِلَةِ نَارًا وَعَذَابًا.