من مميِّزات دعوة أهل السنة ملازمة العدالة
قال والدي رَحِمَهُ الله:
يقول الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى في كتابه الكريم:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:135]، ويقول سُبْحَانَهُ وتَعَالَى في كتابه الكريم:﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾[النحل:90].
وفي «الصحيحين»([1]) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:«بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَكْرَهِ وَالْمَنْشَطِ ، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ فِيهِ مِنَ اللَّهِ بُرْهَانٌ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ الْحَقَّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ».
وروى الإمام أحمد في «مسنده» عن أبي ذر رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أمره أن يقول الحقَّ ولو كان مُرًّا([2]).
أهل السنة هم أسعدُ الناس بهذه الأدلة، فهم يعدلون في حكمِهم، وفي أهليهِم، وما وُلُّوا، وهم أيضًا يَعدلون معَ خُصَمائِهم، بل فيما بينهم.
فأهلُ السُّنة ليست لديهم محاباةٌ، فرُبَّما الرَّجُلُ من المحدثين يتكلم في أبيه، وذاك يتكلم في أخيه، وذاك يتكلم في ولده([3]).
وإلى زمننا هذا وأهل السنة قائمون بالقسط، يُنزِّلون الناسَ منزلتَهم، فمنزلة الكافر معروفةٌ، ومنزلة الفاسق أيضًا لا ينزِّلُونه منزلة الكافر، ومنزلة المبتدع الفاسقِ أقلُّ إثمًا من المبتدع، لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول:إن الله حجب التوبةَ عن كل صاحبِ بدعةٍ حتى يدعَ بدعته([4]).
وهكذا أيضًا منزلة العدو والصديق، والقريب والبعيد، الذكر والأنثى، ينزِّلُون كُلًّا منزلته ، وهذه هي العدالة.
نعم، إن سنةَ رَسُولِ اﻟﻠَّﻪِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تأمر بذلك،وإن طريق رَسُولِ اﻟﻠَّﻪِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يأمر بذلك، فهم مع خصومهم من زمنٍ قديم لا يريدون أن يوقعوا بهم مكروهًا، أو أن يحلَّ بهم –بسببهم- أذى.
ففي هذا الزمن بحمد لله نحن نتحدى ونتحدى ونتحدى، من يقول: إننا قد وصلنا إلى مسؤول نشكو بصوفي مع أننا نعتقدُ أنهم مبتدعة، أو بشيعي مع أننا نعتقد أنهم مبتدعةٌ، أو بحزبي مع أننا نعتقد أنهم مبتدعةٌ وأنهم شتَّتُوا شملَ المسلمين. نعم وهكذا أيضًا أصحاب الجمعيات التي شَتَّتْ شمل المسلمين. نعم بخلاف ما هم عليه فإنهم بِعَدَنَ وبالشِّحْرِ ، كذلك في بلادٍ أخرى يذهبون إلى الأمن ويشكون بأهل السنة. وأخرجوا أهل السنة من مساجدهم، لماذا تُخرجونا؟ أصحابُ جمعية الحكمة والإخوانُ المسلمون تعاونوا على إخواننا.
لماذا تخرجونا من المساجد؟ قالوا: لأنكم تتكلمون في الحكومة، قالوا: نحن نقسم لكم ألَّا نتكلمَ في الحكومة، قالوا: لأنكم تنهونَ الناس عنِ الانتخابات، قالوا: نحن نقسم لكم ألا ننهى الناس عن الانتخابات، دعونا نَدْرُسُ كتابَ الله وسنةَ رَسُولِ اﻟﻠَّﻪِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
فالعدالة بها قامتِ السماوات والأرض، وبها كما يقولُ بعض العلماء: إن الحكومة إذا كانت عادلةً حتى ولو كانت كافرةً ربَّما يدوم ملكُها، بخلاف الحكومةِ التي ليست بعادلة فإنها معرَّضَةٌ للزوال.
فعلينا معشر الإخوة أن نلازمَ العدالةَ مع جميع المسلمين.
[المرجع القول النقي في معنى سلفي لوالدي رَحِمَهُ الله]
([2]) رواه أحمد في «مسنده» (25/ 327) وهو في «الصحيح المسند» (267) لوالدي الشيخ مقبل رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
([3])من هؤلاء الذين تكلموا في أقاربهم:
-زيد بن أبي أنيسة جرح أخاه يحيى،أخرج ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/130) من طريق عبيدالله بن عمرو قال: قال لي زيد بن أبي أنيسة: لا تحدث عن أخي يحيى بن أبي أنيسة فإنه كذاب.
-علي بن المديني .قال محمد بن حَاتِمِ بنِ الْمُظَفَّرِ الأثر وفيه «فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُحَابِي فِي الْحَدِيثِ أَبَاهُ، وَلَا أَخَاهُ، وَلَا وَلَدَهُ. وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، وَهُوَ إِمَامُ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ، لَا يُرْوَى عَنْهُ حَرْفٌ فِي تَقْوِيَةِ أَبِيهِ ،بَلْ يُرْوَى عَنْهُ ضِدُّ ذَلِكَ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا وَفَّقَنا». رواه الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (41).
وقال ابن حبان في« المجروحين» -ترجمة عبدالله بن جعفر والد علي بن المديني- وَقد سُئِلَ عَليّ بن الْمَدِينِيِّ عَن أَبِيه؟.
فَقَالَ اسألوا غَيْرِي. فَقَالَوا سألناك فَأَطْرَقَ ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ :هَذَا هُوَ الدِّين أبي ضَعِيف.
-جرير بن عبد الحميد جرح أخاه أنسًا.روى عبدالرحمن بن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/289) سمعت أبي يقول سمعت يحيى بن المغيرة قال سألت جريرًا عن أخيه أنس فقال: لا يكتب عنه فإنه يكذب في كلام الناس . وأثر جرير حسن.
يَحْيَى بن المغيرة بن إِسْمَاعِيل بن أيوب المخزومي.ترجمته في «تهذيب الكمال»برواية أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي عنه.وهو صدوق.
-شعبة بن الحجاج، قال: سميت ابني سعدًا، فما سعد ولا أفلح.
وكان يقول له: اذهب إلى هشام الدستوائى فيقول: أريد أن أرسل الحمام. «ميزان الاعتدال» ترجمة سعد بن شعبة .
-أبو داود السجستاني ورد أنه كذَّب ولده عبدالله .يراجع« سير أعلام النبلاء»ترجمة عبد الله بن أبي داود السجستاني.
وقد كنا نستفيد ما تقدم من والدي رحمه الله في بيان أن المحدثين ليس لديهم محاباة.
([4])رواه ابن ماجه في «سننه» (50) عَنْ ابن عباس، وفيه بعض الضعفاء.
ورواه الطبراني في « المعجم الأوسط» (4202)، وابن أبي عاصم في «السنة» (37)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (398) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
واستفدت من والدي رحمه الله: الحديث حسن. وانظر «الصحيحة» للعلامة الألباني (1620).
وقد سألت والدي عن معنى هذا الحديث، فقال: معناه: لا يوفَّقُ للتوبة.