محاسبة النفس
قسَّم ابن القيم رحمه الله في «إغاثة اللهفان» (1/39) محاسبة النفس بعد العمل إلى ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصَّرت فيها من حق الله، فلم تُوقِعها على الوجه الذي ينبغي.
وحق الله في الطاعة بمراعاة ستة أمور وهي:
الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود مِنّة الله عليه فيه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله. فيحاسب نفسَه:
هل وَفَّى هذه المقامات حقَّها؟
وهل أتى بها في هذه الطاعة؟
الثاني: أن يحاسب نفسه على عمل كان تركُه خيرًا له من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد: لِمَ فعله؟
وهل أراد به الله والدار الآخرة فيكون رابحًا فيه، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظَّفَرُ به. اهـ.
وكلما كان الإنسان أكثر خشية لربه كان أشد محاسبة لنفسه؛ ولهذا أهل العلم كثيرو المحاسبة لأنفسِهم.
ومن هؤلاء عبد الله بن وهب كان رحمه الله دقيق المحاسبة لنفسه، فقد ثبت عنه أنه قال: نَذَرتُ أَنِّي كُلَّمَا اغْتَبْتُ إِنْسَانًا أَنْ أَصُوْمَ يَوْمًا، فَأَجْهَدَنِي، فَكُنْتُ أَغْتَابُ وَأَصُوْمُ، فَنَوَيْتُ أَنِّي كُلَمَّا اغْتَبتُ إِنْسَانًا، أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ، فَمِنْ حُبِّ الدَّرَاهِمِ تَرَكتُ الغِيْبَةَ. والأثر أخرجه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ، به. كما في ترجمة عبد الله بن وهب في «سير أعلام النبلاء» (9/228). هذا أثرٌ حسن؛ من أجل حَرْمَلَة وهو: ابن يَحيى بن حَرملة أبو حفص التُّجِيبيُّ، المِصْريُّ، صاحبُ الشَّافعيِّ: صدوقٌ.
وقد علق عليه الإمام الذهبي، وقال: قُلْتُ: هَكَذَا-وَاللهِ-كَانَ العُلَمَاءُ، وَهَذَا هُوَ ثَمَرَةُ العِلْمِ النَّافِعِ. اهـ.
فهكذا أهل العلم لشدة خوفهم من الله يحاسبون أنفسهم لماذا فعلت؟ لماذا قصرت؟
وذكر لنا والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ أنه لما طلعت أولُ شيبة في لحيته قال: مسكت لحيتي وقلت: ماذا قدَّمت للإسلام؟! فنسأل الله أن يعيننا على أنفسنا.