جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 19 ديسمبر 2021

(36) نصائح وفوائد

  من آفات التسويف

إن التسويف في الأعمال وتأخير الأولويات لوقتٍ لاحق مع القدرة طريق العاجزين، لا طريق الناجحين، وعاقبته الندامة والحرمان؛ لأنه استجابة لدعوة الشيطان، وقد قال سُبحَانَهُ في كتابه الكريم عن دعوة الشيطان: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)﴾ [فاطر: 6].

فالتسويف في الأعمال بئست البضاعة، وهي طريق الحرمان والندامة، ولنا عبرة بما حصل لكعب بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي كان من خبره أنه تخلف عن غزوة تبوك قال: «وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ» الحديث.

هذا الحديث نستفيد منه: التحذير من التسويف في الأعمال وأنه سبب للحرمان، وبيان أن التسويف في الأعمال له آفات.  

 وهناك مقالة ذكرها ابن الجوزي في «صيد الخاطر»(206): وإياك والتسويف، فإنه أكبر جنود إبليس. اهـ.

وقال ابن القيم«زاد المعاد» (2/326): فَإِنَّ التَّمَنِّيَ رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ.

يعني: صاحب التسويف قد يُحرم، فما يدريه أنه في الغدِ من الأموات، وما يدريه أنه يكون من الأمراض، وما يدريه أنه يعرض له شواغل وصوارف؛ ولهذا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يقول: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» أخرجه مسلم (118) عن أبي هريرة رضي الله عنه. بادروا بالأعمال فتنا. أي: قبل نزول الفتن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من أعظم أسباب التسويف:

·     ضعف الهمة.

·          الذنوب، ﴿فإن تولوا فاعلم أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة: 49]. طرق الخير أمامك، العلم موجود والصحة موجودة، فمن يُحرم الخير مع تهيؤ أسبابه قد يكون هذا بسبب الذنوب.

·          طول الأمل من أشدِّ أسباب التسويف، وهو من الأمراض،﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) [الحجر: 3].

قال ابن القيم رحمه الله في «طريق الهجرتين» (274): فليس للعبد أنفع من قصر الأمل، ولا أضر من التسويف وطول الأمل.

فينبغي تقصير الأمل ومعالجته بكثرة ذكر الموت، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» رواه النسائي (1824 وهو في «الجامع الصحيح»(1150) لوالدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ.

كلنا عندنا عجز وضعف، فعلينا أن نجاهد وأن نكثر من الدعاء أن يرزقنا الله العزيمة، إذا رُزقنا العزيمة ذهب عنا داء التسويف، النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ علَّم حصينًا والد عمران رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، وقال له: «قل: اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لي عَلَى رُشْدِ أَمْرِي» رواه النسائي رَحِمَهُ اللهُ في «عمل اليوم والليلة» (993).

ويقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» رواه الإمام أحمد (28/338) عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ.