جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 21 نوفمبر 2021

(4) اختصار دروس الأمثال في القرآن

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اختصار الدرس الرابع من الأمثال في القرآن

فَصلٌ:

﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾[هود].

﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِأي: فريق المؤمنين والكافرين.

﴿ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ ﴾ الأعمى: من فقد حاسة البصر. والأصم: من فقد حاسة السمع.

 وبدأ الله بالأعمى؛ لأنه تقدم قبل هذا ذكر الكفار ووصفهم أنهم ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون في قوله: ﴿ أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَالآيات، ثم ذكر المؤمنين في قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)﴾ ووصفهم بعبودية الظاهر: العمل الصالح. ووصفهم بعبودية الباطن: الإيمان والإخبات التواضع-.

ولم يقل الله: كَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ وَالْأَصَمِّ وَالسَّمِيعِ فَيَكُونُ مُقَابَلَةً فِي لَفْظِ الْأَعْمَى وَضِدِّهِ، وَفِي لَفْظَةِ الْأَصَمِّ وَضِدِّهِ.

 قال أبو حيان في «البحر المحيط»(6/139): وَذَلِكَ هُوَ الْأُسْلُوبُ فِي الْمُقَابَلَةِ، وَالْأَتَمُّ فِي الْإِعْجَازِ. اهـ.

﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ﴾ هل: حرف استفهام، ومعناه: النفي، أي: لا يستوي الفريقان.

﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ الهمزة: للاستفهام، وهذا الاستفهام للإنكار والتوبيخ.

﴿تَذَكَّرُونَ﴾ قال البغوي في «تفسيره» (2/444): أي: تتعظون. اهـ.

يضرب الله مثلًا لبني آدم بما يعرفون به من التفرقة بين الأعمى والبصير والأصم والسميع، فإذا كان الأعمى والأصم ليس عندكم كالبصير والسميع، فكذلك لا يستوي الكافر والمؤمن عند الله، فمن يبصر الحق ويسمعه وينتفع به ليس كمن لا يبصر الحق ولا يسمعه.

فقد شبه الله الكافر بالأعمى والأصم، فهذا تمثيل للكافر بمثالين. وشبه الله المؤمن بالبصير والسميع، وهذا أيضًا تمثيل للمؤمن بمثالين.

وقال بعضهم: هذا تشبيه للكافر بمن جمع بين الوصفين: العمى والصمم، وتشبيه للمؤمن بحال من جمع بين الوصفين: السمع والبصر، وأن العطف من باب عطف الصفة على الصفة.

أركان التشبيه الأربعة في هذه الآية:

المشبَّه: حال الكافر والمؤمن.

المشبَّه به: الأعمى والأصم، والبصير والسميع.

أداة التشبيه: الكاف.

وجه التشبيه: شقاوة الكافر وعدم انتفاعه فهو بمنزلة الأعمى والأصم، وانتفاع المؤمن وسعادته فهو بمنزلة البصير والسميع.

ولهذه الآية نظائر في القرآن الكريم، قال الله: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [فاطر: 19]. وقال الله عن أهل النار أنهم يقولون: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك: 10]. نفوا السمع سمع الانتفاع، فصاروا كأنهم لا سمع لهم؛ لأنهم لم ينتفعوا بأسماعهم، وكأنهم لا عقول لهم؛ لأنهم لم ينتفعوا بها، فالكفار لا يسمعون ولا يبصرون سمع انتفاع وبصر انتفاع، وفي يوم القيامة يتحسرون ويندمون، وما أشد سمعهم وأبصارهم! قال الله: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) [السجدة: 12]. وقول: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) : 22].

من فوائد الآية:

-فضل العلم والإيمان.

-أن الجهل عمًى وظلمة.

-أن السمع والبصر وسيلتان لمعرفة الحق؛ فلهذا وبخ الله من لم ينتفع بهاتين الحاسَّتين.

-أن الحواس قد تفسد فيكون وجودها كلا شيء؛ لأنه لم ينتفع بها فيعرف الحق من الباطل والخير من الشر.

-ضرب مثل للمؤمن بالبصير والسميع.

-ضرب مثل للكافر بالأعمى والأصم، ومن كان هذا حاله، فإنه يتخبط في الظلمات والضلالات.

-وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس، فأعمى القلب شبه بأعمى البصر وأصم السمع، وبصير القلب شُبِّه بالبصير والسميع.

-نفي المساواة بين المؤمن والكافر.

- الحث على التفكر في هذه الأوصاف، وتدبر ضرب الأمثال، والانتفاع بالخير، والسعي في إزالة هذا العمى والصمم.