جديد الرسائل

الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

اختصار الدرس الخامس والعشرين من دروس التبيان في آداب حملة القرآن

 

من آداب المتعلم مع المعلم:

احترام المعلم:

هذا من حق المعلم احترامُه وتوقيره لما يبذله من  التعليم والصبر وتفريغ الوقت،ولأن  المعلم كالوالد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ» رواه أبو داود في «سننه»(8) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو في «الصحيح المسند» (1326) لوالدي رَحِمَهُ الله.

ومن الآثار عن السلف في احترام المعلم وتوقيره:

-        عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يقول: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ، قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ» ثم أخبره أنهما عائشة وحفصة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وساق الحديث، رواه البخاري (4913 ومسلم (1479).

-        عن شعبة بن الحجاج: «كُلُّ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيثًا فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ». رواه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (1/512).

-        قال الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1/182): «بَابُ تَعْظِيمِ الْمُحَدِّثِ وَتَبْجِيلِهِ» ثم أخرج بعض الآثار، ومنها: عن ابن سيرين، قَالَ: «رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى وَأَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُشَرِّفُونَهُ مِثْلَ الْأَمِيرِ».

- عن الرَّبِيع صَاحِب الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا الله: مَا اجتَرَأتُ أَن أَشرَبَ المَاءَ وَالشَّافِعِيُّ يَنظُرَ إِلَيَّ هَيبَةً لَهُ.

الربيع: هو ابن سليمان المرادي صاحب الشافعي وخادمه، كما روى ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه»(ص209) عن شيخه يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «مَا خَدَمَنِي أَحَدٌ مِثْلَ مَا خَدَمَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ».

ومع خدمته لشيخه وطول مدة ملازمته له لم تذهب هيبة الشافعي من قلبِه، والله هو الذي يجعل الهيبة في القلب لأهل العلم، لا أحد يستطيع أن يضع الهيبة لنفسه، هي بيد الله.

-    عن الشعبي قال: ذهب زيد بن ثابت ليركب، ووضع رجله في الركاب فأمسك ابنُ عباس بالركاب، فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لا، هكذا نفعل بالعلماء، والكبراء. رواه يعقوب بن سفيان رحمه الله في «المعرفة والتاريخ» (1/484)، وهذه الآثار كلها ثابتة، ولله الحمد والمِنَّة.

 

قال السخاوي في «فتح المغيث شرح ألفية الحديث» (3/286): وَلَا شَكَّ أَنَّهُ -أي: المعلم- بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ وَأَعْظَمُ. وَإِجْلَالُهُ مِنْ إِجْلَالِ الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا النَّاسُ بِشُيُوخِهِمْ، فَإِذَا ذَهَبَ الشُّيُوخُ فَمَعَ مَنَ الْعَيْشُ؟ اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنزال الناس منازلهم وملازمة الإنصاف:

وهذا هو الواجب على طالب العلم أن يسلك سبيل الإنصاف ولا يرفع أحدًا فوق منزلته. وما أحسن الإنصاف مع المعلم ومع غيره، يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط﴾[الحديد].

الإمام أحمد رَحِمَهُ الله يقول: «مَا أَحْسَنَ الْإِنْصَافَ في كلِّ شيءٍ».

لكنهم ذكروا في آداب الطالب مع شيخه أن يحسن الظن به، وأنه يستحق الأخذ عنه حتى يستفيد منه، لأن الذي لا يكون واثقًا بمعلمه وما يقوله قد لا يجد بركة مجالستِه.

وهذا هو الواقع إذا انتزعت الثقةُ بالمعلم انتزعتِ بركة علمه عن الطالب.

ومع كون الطالب يثق بمعلمه لا مانع من الاستفسار منه، والتأكد والرجوع إلى مراجع الشيخ لا مانع من هذا، والله المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء للمعلم:

مِنْ حق المعلم على تلميذه أن يدعو له ولا ينساه من صالح دعائه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا اللَّهَ لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» رواه أبو داود (5109 ومن أعظم صُنْعِ المعروف التعليم.

وفي «الفتاوى السعدية»(102) للإمام السعدي رحمه الله: وأي معروف أعظم من معروف العلم، وكل معروف ينقطع إلا معروف العلم والنصح والإرشاد. اهـ.

وجاء عن الإمام أحمد أنه قال: وَإِنِّي لأَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ مُنْذُ أَرْبَعينَ سَنَةٍ فِي صَلاَتِي. ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء»(10/82).

وجاء عن يَحْيَى بْن سَعِيدٍ القطان، يَقُولُ: «أَنَا أَدْعُو اللَّهَ فِي صَلَاتِي لِلشَّافِعِيِّ مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ» رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء»(9/93). ينظر في حال الاثرين.

وهذا يشير إلى حب السلف الشديد للعلم النافع ولمعلميهم، وأنهم لم يكونوا يتَّبَّعون العورات والانتقادات، فإن هذا من سبيل أهل النفاق وأصحابُ القلوب المريضة وليس من سبيل المؤمنين، ولهذا أهل العلم ينبِّهون طالب العلم أن يحضر حضور مستفيد لا حضور متتبع زلات وعثرات، وقد ذكر هذا المعنى ابن حزم رَحِمَهُ الله في «الأخلاق والسير» (ص92).

وَكَانَ بَعضُ المُتَقَدِّمِينَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى مُعَلِّمِهِ تَصَدَّقَ بِشَيءٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ استُر عَيبَ مُعَلِّمِي عَنِّي، وَلَا تُذهِب بَرَكَةَ عِلمِهِ مِنِّي!

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله: لأنه إذا رأى عيب معلِّمِه سقط من عينه بقدر ما رأى من عيبه.

(وَلَا تُذهِب بَرَكَةَ عِلمِهِ مِنِّي!) قال الشيخ ابن عثيمين: هذا أيضًا إذا لم يكن يرى الإنسان معلمه بأنه معلم حقيقة فإنه لا يجد بركة في تعلُّمِهِ منه،كما في «شرح مقدمة المجموع» (182).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلقاء السلام على المعلم:

يذكرون في آداب الطالب أنه إذا دخل مجلس علم يلقي السلام على من في المجلس (السلام عليكمثم يخص المعلم بالتحية، يقول مثلًا: السلام عليك.

وقال الشيخ ابن عثيمين في «شرح مقدمة المجموع» (138): يعني: ليس معناه أن تسلم عليه مثلًا تكرر السلام، لأن هذا فيه نوع من الاستخفاف به، لكن سلام عليكم، صبحك الله بالخير يا فلان، يا شيخ. اهـ.

أما تخصيص المعلم بالتحية دون بقية أهل المجلس فهذا ليس هو المراد، بل قد ثبت النهي عنه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» رواه البخاري (12ومسلم (39).

 والتخصيص بالسلام من علامات الساعة كما في «مسند أحمد» (3870والبخاري في «الأدب المفرد» (1049) عن ابن مسعود الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ» والحديث في «الصحيحة»(647).

وهكذا من باب التنبيه المصافحة، لا ينبغي أن تكون المصافحة إذا التقوا على المعرفة فحسب فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحث على المصافحة، ويقول: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فَيَتَصَافَحَانِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» رواه الإمام أحمد في «مسنده» (30/517) عَنِ الْبَرَاءِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 الجلوس أمام المعلم:

والدليل حديث جبريل أنه جلس فأسند ركبتيه إلى ركبتيه -أي: ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم- ووضع كفيه على فخذيه.

هذا يدل على أن من أدب الطالب في جلوسه عند شيخه: أن يجلس أمامه، وليس عن يمينه أو يساره، ويذكرون أنه أقرب إلى الانتفاع بالشيخ.

الإصغاء والوقار في مجلس العلم:

 على الطالب أن يكون مُصْغيًا ساكنًا في جلوسه بين يدي معلمه، فلا يشير بيده ولا يعبث بها ولا يومئ بعينه. قال تعالى: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)﴾[طه].

قال القرطبي رحمه الله في «تفسير هذه الآية»: وذلك أَنْ يَكُفَّ الْعَبْدُ جَوَارِحَهُ، وَلَا يَشْغَلَهَا. فَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ عَمَّا يَسْمَعُ، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ فَلَا يَلْهُو قَلْبُهُ بِمَا يَرَى، ويُحْضِرُ عَقْلَهُ فَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، وَيَعْزِمُ عَلَى أَنْ يَفْهَمَ فَيَعْمَلَ بِمَا يَفْهَمُ. اهـ.

وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) [غافر]. إنه الرمز بالعين، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ». رواه أبو داود في «سننه» (2683) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

ومعنى هذا الحديث كما قال ابن الأثير رَحِمَهُ الله في «النهاية» (2/89): أَيْ: يُضْمِرُ فِي نفسهِ غيرَ مَا يُظْهِرُه، فَإِذَا كَفَّ لِسَانَهُ وأومَأَ بعَينِه فَقَدْ خَانَ، وَإِذَا كَانَ ظُهور تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ قِبَل الْعَيْنِ سَمِّيت خَائِنَةَ الأعْيُنِ. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم ضرب أقوال العلماء بعضها ببعض:

من سوء الأدب أن الشيخ يقرِّرُ شيئًا في مسألة ثم يعترض عليه الطالب، ويقول: لكن الشيخ فلان يقول: كذا، وقد يكون في هذا ضرب أقوال العلماء بعضها ببعض.

أما إذا كان لا يقصد الاعتراض وفي حالات نادرة ما يكون هذا ديدنه فلا بأس، ومن أمثلة ذلك:

عن أبي صَالِحٍ الزَّيَّاتَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ»، فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: كُلَّ ذَلِكَ لاَ أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لاَ رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» رواه البخاري (2178ومسلم (1596).

وهكذا في غير وقت كلام الشيخ يذكر له من خالفه هذا ثابت عن بعض السلف، كما روى مسلم (1232) عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا» قَالَ بَكْرٌ-وهو ابن عبد الله المزني الراوي لهذا الحديث-: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: «لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ» فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا».

فلهذا يقول الشيخ ابن عثيمين في «شرح مقدمة المجموع» (186)عن هذه المسألة: إلا في وقت آخر فلا بأس، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الغيبة عند المعلم:

الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره.

هذا من آداب الطالب مع المعلم أنه لا يغتاب أحدًا عنده لا في مجلس علم ولا في غيره، إلا إذا كان هناك مصلحة شرعية فلا بأس بذلك.

روى البخاري (3405ومسلم (1062) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».

قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث من «فتح الباري»: فِيهِ بَيَانُ مَا يُبَاحُ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، لِأَن صورتهما مَوْجُودَة فِي صَنِيع ابن مَسْعُودٍ هَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ أَنَّ قصد ابن مَسْعُودٍ كَانَ نُصْحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِعْلَامَهُ بِمَنْ يَطْعَنُ فِيهِ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُ النِّفَاقَ لِيَحْذَرَ مِنْهُ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَى الْكُفَّارِ لِيُؤْمَنَ مِنْ كَيْدِهِمْ، وَقَدِ ارْتَكَبَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ بِمَا قَالَ إِثْمًا عَظِيمًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَةٌ. اهـ.

لكن على الطالب أن يتثبَّت وأن يصدقَ، فلا يكون هذا عن نية سيئة وهو التحريش والإفساد والتفريق بين الشيخ وتلميذه، أو بين الشيخ وبين الناس.

ولنعلَمْ أن الأصل في الغيبة أنها محرمة وأنها لا تجوز لا عند المعلم ولا عند غيره، ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) [الحجراتوالله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم المسارة  في مجلس العلم:

من أدب الطالب في مجالس العلم عدم المسارَّة فيها،وإذا كان المجلسُ مجلسًا عاديًّا كما ذكر الشيخ ابن عثيمين في «شرح مقدمة المجموع» (186):أنه إذا سارَّ الإنسانُ صاحبَه فيه لا يُعد سوء أدب، واستدل لذلك بحديث ابن عباس: إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟» قَالَ: لَا، فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بِمَ سَارَرْتَهُ؟»، فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا»، قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا» رواه مسلم (1579).

ثم قال الشيخ ابن عثيمين عقب ذِكْرِهِ لهذا الحديث: هذا لا بأس به، لكن في مقام الدرس وإلقاء الدرس، والطلبة مشْرئبُّون للعلم وتسارُّ أحدًا! هذا سوء أدب. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الأخذ بثوب المعلم:

قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «شرح مقدمة المجموع» (ص187): يعني: تجره، لأن هذا سوء أدب، ولا يفعله إلا الجفاة، ثم أشار إلى قصة الأعرابي، ونسوق اللفظ بتمامه:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ «أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ» رواه البخاري(3149 ومسلم(1057).

قلت: وربما يقع هذا أيضًا لشدة تلهف السائل أو الطالب، لكنه معدود في سوء الأدب مع الشيخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الإلحاح على المعلم إذا كسل:

قال ابن عثيمين في «شرح مقدمة المجموع» (187): إذا رأيته متعبًا كسلان إما من نطقه وإما من هيئته وإما من وجهه، فلا تلح عليه، اتركه إلى مقام آخر. اهـ.

وفي «الفتاوى السعدية»(102) للسعدي: ينبغي للمتعلم أن يلطف بالسؤال ويرفق بمعلِّمه، ولا يسأله في حالة ضجر أو ملل أو غضب، لئلَّا يتصور خلاف الحق مع تشَوُّشِ الذهن، وأقل الحالات أن يقع الجواب ناقصًا. اهـ المراد.

ويدل لهذا حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» رواه البخاري (527ومسلم (85) وفي رواية لمسلم «فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ».

وفيه أخذ العلم عن المعلم في حالة نشاطه وانشراح صدره. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طول الصحبة للمعلم:

فلا يقنع الطالب من مجالس دروس شيخه ومجالسه العلمية ما أمكن، فإنه بذلك يزداد الطالب إيمانًا وعلمًا وأخلاقًا وخيرًا.

وقد كان من السلف من يجالس شيخه ولا يرحل عنه سنين طويلة ،ومن هؤلاء:

§       أبو الخير كان لاَ يُفَارِقُ عُقْبَةَ. رواه البخاري (1866ومسلم (1644).

§       جَالَسَ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ أَبَا هُرَيْرَةَ عِشْرِينَ سَنَةً. رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/566).

§       قَالَ ابن جريج: جَالَسْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ بَعْدَ مَا فَرَغْتُ مِنْ عَطَاءٍ سَبْعَ سِنِينَ» رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/25).

§       قال الزهري: مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَةَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ثَمَانِ سِنِينَ. رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/631).

§        قال محمد بن جعفر غندر: لَزِمْتُ شُعْبَةَ عِشْرِينَ سنة لم أكتب فيها عن حد غيره. رواه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/201).

وإذا كانت مجالسة الصالحين نعمة من الله وسعادة عظيمة فكيف بمجالسة أهل العلم؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رد غيبة المعلم:

الحكم عام في رد الغيبة. وإنما خُص المعلم، لما له من الحق على المتعلم.

ومن الأدلة في رد التلميذ غيبة شيخه وكل مسلم:

-        عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ». رواه مسلم (49).

-        عن عتبان بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي فَقَالَ قَائِلٌ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَقُلْ ذَلِكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» رواه البخاري (425ومسلم (263).

-        عن كعب بن مالك في قصة توبته، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟» قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم». رواه البخاري (4418ومسلم (2769).

ومن لم يقدر على ردِّ الغيبة فيجب عليه أن يفارق ذلك المجلس، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)﴾[الأنعام].