سُئِلْتُ أنتِ درستِ
النحوَ فهل استفدتِ من علمِ النحو لأني ما أرى فيه فائدة بالنسبة لي؟
وقد رأيت أنه من
المناسب وضع جواب هذا السؤال في سلسلة اللغة العربية لتعمَّ الفائدة إن شاء الله،فأقول:
علم النحو فنٌّ عظيمٌ
يحتاجه كلُّ طالب علم،ولا يَزْهدُ فيه إلا جاهل،ولذلك حث سلفنا الصالح على تعلم
النحو،من ذلك:
كان عمر بن الخطاب
يقول:تعلموا العربية.رواه علي بن الجعد في «الجعديات» (996).
وقال شعبة: من طلب الحديث فلم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه بُرنس وليس له رأس. رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي»
(2/1080).
وقال إبراهيم الحربي يقول: من تكلم في الفقه بغير لُغةٍ تكلم بلسان قصير. رواه الخطيب في «الفقيه»
(2/663).
وكان عبد الله بن عمر
يضرب ولده على اللحن.والآثار ثابتة.
علم النحو من ثماره
وفوائده:
1-تقويم اللسان من
الاعوجاج قال شيخ الإسلام في«مجموع
الفتاوى»(32/252): وَمَعْلُومٌ أَنَّ
تَعَلُّمَ الْعَرَبِيَّةِ،وَتَعْلِيمَ الْعَرَبِيَّةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ وَكَانَ السَّلَفُ
يُؤَدِّبُونَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى اللَّحْنِ. فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَمْرَ
إيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ أَنْ نَحْفَظَ الْقَانُونَ الْعَرَبِيَّ؛
وَنُصْلِحَ الْأَلْسُنَ الْمَائِلَةَ عَنْهُ؛ فَيَحْفَظُ لَنَا طَرِيقَةَ فَهْمِ
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْعَرَبِ فِي خِطَابِهَا. فَلَوْ
تُرِكَ النَّاسُ عَلَى لَحْنِهِمْ كَانَ نَقْصًا وَعَيْبًا.اهـ
2-علم النحو وسيلة لفهم
الأدلة والمعاني واستخراج الاستنباطات قال الشافعي رحمه الله:أهل العربية جن الإنس
يعرفون ما لا يعرف غيرهم.
علَّق والدي رحمه
الله على هذا الأثر:يعني: أنهم غوَّاصون في المعاني يستخرجون من الدليل ما لايبصر
غيرهم ذلك الاستنباط.اهـ
قال شيخ
الإسلام في «مجموع الفتاوى»(7/116):فَمَعْرِفَةُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي
خُوطِبْنَا بِهَا مِمَّا يُعِينُ عَلَى أَنْ نَفْقَهَ مُرَادَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
بِكَلَامِهِ.
وسمعت والدي يقول:ينبغي
لطالب العلم أن يهتمَّ بعلم النحو حتى يسهل عليه كثير مما يشكل.
ولنتأمَّل هذه
الأمثلة كيف حروفها وكلماتها واحدة،ومعانيها مختلفة،كما استفدناه من دروس والدي
رحمه الله.
س: ما أحسنَ العلمَ؟
ما أحسنُ العلمِ؟
ما أحسنَ العلمُ؟
جـ: الأول: بفتح
النون والميم، ما تعجبية ولا يحتاج إلى جواب، والعلم مفعول به.
والثاني: بضم النون
وكسر الميم، وما استفهامية مبتدأ.
والجواب: علم الكتاب
والسنة.
وأحسن مضاف، والعلم
مضاف إليه.
والثالث:بفتح النون
وضم الميم، ما نافية، ولا يحتاج إلى جواب، والعلم فاعل.
مثالٌ آخر في قصة
لابنة أبي الأسود الدؤلي أنه قالت لأبيها-مع أن القصة لم تثبت-:
ما أحسنُ
السماء؟ فأجابها نجومها.
لأن
المعنى:أي شيء أحسن في السماء؟ فقال:نجومها. وهي لا تريد هذا،إنما تريد أن تتعجب
من حسن السماء، فقالت:لست أريد هذا،إنما أريد أن أتعجب من حسنها.
قال: يا
بنية! افتحي فاك فقولي: ما أحسنَ السماءَ! لأنها إذا قالت: ما أحسنَ السماء! صارت
الجملة جملة تعجب، وهذا هو المراد.وهذا ذكره الشيخ ابن عثيمين في «شرح ألفية ابن
مالك».
وعندما نقول مثلًا:إن
زيد منطلق-إن زيدٌ لمنطلق.
فرْق بين العبارتين
إن في المثال الأول نافية،وفي الثاني مخففة من الثقيلة.وعرفنا هذا باللام فاللام
فارقة أي: فرَّقت بين النفي والإثبات.فالمثال الأول نَفى انطلاق زيد،وفي المثال
الثاني أثبت انطلاق زيد،وهذا مثل قوله سبحانه:﴿وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ
(102)﴾[الأعراف].
3-يُسهِّل على طالبِ
العلم كثيرًا من العلوم
قال ابن عبد البر في
«جامع بيان العلم وفضله»:ومما يستعان به على فهم الحديث ما ذكرناه من العون على
كتاب الله وهو العلم بلسان العرب ومواقع كلامها وسعة لغتها واستعارتها ومجازها
وعموم لفظ مخاطبتها وخصوصه وسائر مذاهبها لمن قدر فهو شيء لا يستغنى عنه.اهـ
4-من ثمار علم النحو:علم
النحو هيبة،كما قال الشافعي: وَمَنْ تَعَلَّمَ النَّحْوَ هِيبَ.رواه أبو
نعيم في «حلية الأولياء»(9/123).
5-النحو زينة وحلية
جميلة وقوَّة .سمعت والدي رحمه الله يقول:الطالب الذي يلحن ما يكون كلامه مرغوبًا
، وقد يجعل لحنك مدخلا للعدو تتكلم فيعارضك ويقول لك أنت لحنت . فاجتهد وإذا قدر
الله واعتُرض عليك فقل المنكرات الموجودة أعظم.اهـ.
6-تقويم البَنان ففي
الكتابة يكتب كتابةً صحيحة.
فمثلًا إذا كان آخر
الكلمة حرف علة وتقدم عليها جازم فإنه يُحذف حرف
العلة،مثل:يدعو-يرجو-يخشى-يصلي-يرمي.
إذا تقدمه جازم يحذف
حرف العلة،ويصير:لم يدعُ-لم يرجُ- لم يخشَ-لم يصلِّ-لم يرمِ.
وكان والدي رحمه الله
يحث طالب العلم على النحو وقواعد الإملاء،ويقول:إذا كنت ضعيفًا في الإملاء إذا كتبت كتابةً ما يدري يُصَحِّح لك
الأخطاء اللغوية والإعرابية،أو يتنبَّه لموضوع بحثك.اهـ
وقد وجدتُ من هي
خرِّيجة من إحدى الجامعات-ثبتها الله امرأة متواضعة-وعندها أخطاء في الإملاء،فعدَّلْتُ
لها،فتألَّمت على ما مضى من كثيرٍ من عمرِها،وقالت:الآن نبدأ من حروف الهجاء..
7-يعين على القراءة
الصحيحة وعدم اللحن،ومعرفة المرفوع من المنصوب والمجرور من غير كلفة،فمثلًا:
يتكرر في القرآن
المساكين،مثل:
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾[البقرة:83].
﴿وَآتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾[البقرة:177]
﴿وَإِذَا حَضَرَ
الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ﴾[النساء:8].
كم يغلط فيه
القارئ،لكن إذا كان عنده علم النحو يميِّز.
ففي الأول:بجر النون
لأنه معطوف على مجرور.
الثاني:ينصب النون
لأنه معطوف على منصوب.
الثالث:برفع النون
لأنه معطوف على مرفوع.
وقوله سبحانه:﴿وَلَا
يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾[الأحزاب:51]،رُفِع
اللام في كلهن لأنه توكيدٌ لمرفوع وهو نون النسوة في ويرضين.وكم من قارئ يغلط
ويفتح اللام.لعدمِ معرفته بعلم النحو.
أيضًا:قوله سبحانه:﴿ وَمَا
كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾[آل
عمران:147]. فُتح اللام في قولهم لأنه خبر مقدم لكان وجملة أن وما دخلت عليه في
تأويل مصدر اسمها مؤخر،ولهذا نظائر.فبفضل الله النحو يُسَهِّل هذا الذي يقع فيه
الغلط كثيرًا.
يتكرر في القرآن:ابْن
مَرْيَمَ. مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا،مثل:
﴿ إِنَّمَا
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ﴾.
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ
شُبِّهَ لَهُمْ﴾[النساء:157].
﴿وَقَفَّيْنَا
عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾[المائدة:46].
فابن تابع يعرب صفة
أو بدلًا،والتابع يتبع المتبوع في الإعراب.
هذا،وإني لأُشفقُ على من
يتعلم القرآن من غير نحو لِما أجد من المشقة عنده وخاصة في المشتبهات،ما يدري يرفع
أو ينصب أو يجر،يمر معه(السماوات والأرض)فلا يدري يرفع أو.. وكما قال الفراء أحد أئمة اللغة: إني لأرحم رجلين بليدًا يطلب وذكيًا لا يطلب.رواه الخطيب في «الفقيه
والمتفقه» (2/838)،وقول الفراء(بليدا يطلب)لأنه يتعب ويشق عليه،(وذكيا لا
يطلب)لأنه فرَّط في سعادته ونجاحه.
انتهى الجواب مع اختصار،وأسأل الله
التوفيق لي ولكم.