جديد الرسائل

الاثنين، 6 مايو 2019

(11)اختصار الدرس السابع من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية



حكم مَنْ أكل أو شَرِبَ نَاسِيًا في نهار رمضان

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأكل أو شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

يستفاد من هذا حديث جملة من المسائل:

·         تحريم الأكل والشرب عمدًا للصائم، وكما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة:187]. فالأكل والشرب عمدًا من مبطلات الصوم.

·         أن من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم فصومه صحيح، وهذا قول جمهور العلماء.

وخالف المالكية وقالوا: من أكل أو شرب ناسيًا فإنه يبطل صومه وعليه القضاء، واحتجوا على بطلان الصيام بالأدلة التي فيها تحريم الأكل والشرب في حال الصيام، وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة:

منهم من قال: الحديث يدل على رفع الحرج والمؤاخذة، وليس المراد أن من أكل أو شرب ناسيًا صومه صحيح.

ومنهم من حمله على صوم النافلة دون الفريضة. ولهم أجوبة أخرى، وكلها مخالفة لظاهر الدليل.

·         أن من أكل أو شرب وهو صائم ناسيًا فهو «رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ».

·         وفيه كما في «فتح الباري» تحت رقم (1933): لُطْفُ اللَّهِ بعباده والتيسير عَلَيْهِم وَرفع الْمَشَقَّة والحرج عَنْهُم. اهـ.

ومن وجد صائمًا يأكل أو يشرب فعليه أن يُنَبِّهَه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهذا من النصيحة لدين الله.

·         ظاهر الدليل أنه لو أكل أو شرب ناسيًا حتى شبع فإن صومه صحيح «فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ».

_____________

حكم مَنْ جامع نَاسِيًا في نهار رمضان:

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأكل أو شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

ألحق جمهورُ العلماء بالذي يأكل ويشرب في نهار رمضان ناسيًا مَن جامع في نهار رمضان ناسيًا أنه لا يبطل صومه.

قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (6/323) : نصَّ -الدليل-على الأكل والشرب وقسنا عليه كل ما يبطل الصوم من الجماع وغيره. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (25/226) :الْمَجَامِعُ النَّاسِي فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَيُذْكَرُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْهُ:

أَحَدُهُمَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرِينَ.

وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ.

وَالثَّالِثَةُ: عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد.

 وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ  كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مُخْطِئًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يُؤَاخِذْهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إثْمٌ، وَمَنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا وَلَا مُرْتَكِبًا لِمَا نُهِيَ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا نُهِيَ عَنْهُ. وَمِثْلُ هَذَا لَا يُبْطِلُ عِبَادَتَهُ إنَّمَا يُبْطِلُ الْعِبَادَاتِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ فَعَلَ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ. اهـ.

وسئل والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله عن هذه المسألة كما في ش/بعض أحكام الصيام فقال: الله أعلم أيتَأتَّى الجماعُ في حال نسيانِه أنه رمضان أم لا؟ إذا كان ناسيًا فله حكمُ الناسي، وهو أنه لا قضاءَ عليه، لكن ما أظن أن يتأتَّى أنه في غير رمضان، والله أعلم. اللهم إلَّا ربَّما في أول يوم من رمضان فرُبَّما ينسى الشخص.

 بقي إذا نسيَ أتنسى هيَ؟! اهـ.

وفي كلام والدي استبعاد وقوع الجماع من الناسي إلا ربما في أول رمضان.

وكذا جاء هذا عن جماعة من العلماء. قال عَطَاءٌ -وهو عطاء بن أبي رباح -عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ قَالَ: «لَا يُنْسَى، هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ عُذْرًا».

وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (تحت رقم 1936) : دُخُولُ النِّسْيَانِ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله: أما الجماع ناسيًا فأمر لا أتصوره بين زوجين، أتصوره بالنسبة لأحد الزوجين الغافِلين المغرقين في غفلة، ولكن ما بال الزوج الآخر، وأنا لا أخص ذكرًا دون أنثى، أو أنثى دون ذكر. وإنما أقول: أحدهم ممكن يكون غافلًا والآخر كمان غافل. يعني: غفلة في غفلة تساوي جماعًا، هذا أمر لا يتصور أبدًا.

ولذلك: لا بد أن أتصور هناك تساؤلًا وقع من أحد الزوجين، وحينئذٍ فإذا افترضنا أن أحدهما فعلًا كان ناسيًا والآخر كان مُسْتَغلًّا لهذا النسيان الناسي حينذاك لا فرق بين أكله وشربه وجماعه، أما المتذكِّر فعليه أن يُقَدِّم الكفارة الكبرى[جامع تراث فقه الألباني].

قلت: ومما يدل على أنه لا كفارة على المجامع الناسي-إن قُدِّر وقوعُه- رواية «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ ناسيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» فهذا لفظٌ عام بأيِّ فطر ٍكان، فيدخل فيه الذي يجامع وهو ناسٍ، وَكما قال بعض الشافعية: إِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالذِّكْرِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ وُقُوعًا، وَلِعَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا. ويشمل ذلك أيضًا الأدلة العامة في العفو عن الخطأ والنسيان كقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]. وقوله: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 5]. وهنا لم يحصل تعمد بالقلب.




_________

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ؛ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 في هذا الحديث:

·         اجتناب الصائم المعاصي من الغيبة واللغو وهكذا سائر المعاصي كالنميمة والكذب والحسد والنفاق..

·    والصوم من فضائله أنه عون على تقوى الله وترك المعاصي. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾ [البقرة]، وروى البخاري (1904) ، ومسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «.. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ»(جُنَّةٌ) أي: وقاية عن النار، ووقاية عن الذنوب، وعن كلِّ الرذائل.

·     فالصيام فيه تربيةٌ لنا على طاعة الله، وعلى المعاملة الحسنة، والابتعاد عن المعاصي وعن الأخلاق السيئة، فلا بُدَّ للصائم أن يحقِّق ذلك ليكون استفاد من صيامِه هذه الثمرات وهذه الفضائل الجليلة.

«فَلَا يَرْفُثْ». قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (3/373) : الرَّفَثُ هُنَا الْكَلَامُ الْقَبِيحُ وَالشَّتْمُ وَالْخَنَا وَالْغَيْبَةُ وَالْجَفَاءُ وَأَنْ تُغْضِبَ صَاحِبَكَ بِمَا يَسُوءُهُ وَالْمِرَاءُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كُلِّهِ. اهـ.

ويأتي الرفث بمعنى: الجماع، ومنه قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]. وقوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ﴾ [البقرة: 197].

«وَلَا يَصْخَبْ» الْخِصَامُ وَالصِّيَاحُ.

والأصوات العالية المرتفعة من حيث هي مذمومة، ومن أخلاق الجاهلية حتى إنهم كانوا يتفاخرون بذلك، وقد ذم الله عز وجل الأصوات العالية، قال الله تعالى: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19].

فالصائم يحتاج إلى جهاد ومجاهدة، وخاصة مع كثرة مثيرات الغضب، ومع كثرة الانفعال من أدنى شيءٍ بسبب ما يثيره الجوع والعطش، حتى إن بعضهم ينقلب وحْشًا إذا كان صائمًا، والمجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله عز وجل.

«أو قَاتَلَهُ» قال ابن القاسم في «حاشية الروض المربع» (3/429) : نازعه ودافعه.

«لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ» قال الشوكاني في الشرح (4/ 247) :تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِّ.

«وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ » يفرح بإتمام صومه، وزوال جوعه وعطشه، وقد اجتمع في هذا الفرح الشرعي والفرح الطبيعي.

« وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (8/31) : قال العلماء:فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك.

-ظاهر قوله:«فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أو قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» أن الصائم، يقول هذه العبارة لمن يتعرض له بالسب والشتم، ولا يكفي كما قال بعضهم: يقول ذلك في نفسه.

·         وفيه الحلف من غير الاستحلاف لتقوية الأمر وتأكيده.

·         إثبات صفة اليد لله سبحانه.

·         مشروعية الفرح بإتمام الطاعة، وقد أمر الله سبحانه بذلك فقال: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) ﴾[يونس: 58].

-------------

الاستياك للصائم:

استدل بهذا الحديث « وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» مَن قال: الصائم لا يستاك بعد زوال الشمس،قالوا:لأن السواك يذهب الرائحة. وهذا قول الشافعية وقد ردَّ عليهم أهلُ العلم منهم ابن القيم أن السواك يُذهِب الرائحة التي في الفم والتي تكون على اللثة، ولا يُذْهب الرائحة بالكلِّية،لأن الرائحة الكريهة من المعدة لخلوِّها عن الطعام.

فيجوز للصائم أن يستاك بعد زوال الشمس. روى البخاري (887) ومسلم (252) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ». ولم يفرِّق الحديث بين أول النهار وآخره، ولا بين الصائم وغيره.

وهناك حديث: «إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَ لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وهو حديث ضعيف.

وأما استعمال معجون الأسنان للصائم فإليكم فتوى هذَينِ الإمامين: والدي، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.

قال والدي الشيخ مقبل رحمه الله: معجون الأسنان ننصحُ بتركِه في رمضان، وليس لدينا دليلٌ على أنه يُبطِلُ الصومَ، ويجبُ أن يتحرَّزَ مِن أن يتسرَّبَ إلى بطنِه شيءٌ، فالرَّسُولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» معناه: أنه إذا كان صائمًا فيُخشَى أن يتسرَّبَ الماءُ إلى بطنِه.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (19/228) : أما التسوك فهو سنة للصائم كغيره في أول النهار وآخره، وكذلك استعمال الفرشاة، ولكن الفرشاة لا ينبغي استخدامها في حال الصوم، لأن لها نفوذًا قويًّا، فأخشى إذا استعملها الإنسان مع المعجون أن يتسرب شيء من هذا المعجون إلى جوفه، فيكون في ذلك خلل على صيامه. اهـ.



--------

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ.

«قَوْلَ الزُّورِ» المراد به الْكَذِبُ كما في«نيل الأوطار» (4/ 248).

«وَالْعَمَلَ بِهِ» في رواية للبخاري: «وَالْجَهْلَ» أي: يعمل بعمل أهل الجهل من السَّفه والكذب والأخلاق الرذيلة والشقاق والنفاق وغير ذلك من المعاصي.

وفي هذا الحديث من الفوائد:

·     حث الصائم على الشعور بهذه العبادة العظيمة، والتأدب بآداب الصيام، بحفظ اللسان وصيانته، وحفظ البصر وحفظ السمع، وسلامة الصدر من الأمراض والمعاصي، وتصويم الجوارح عن المعاصي. وتصويمُ الجوارح عن المعاصي أشق وأشدُّ، فعلى الصائم أن يحرص على التحلي بتقوى الله والأخلاق الطيبة ليحافظ على صومه من نقص الأجر والثواب فإن المعاصي تنقص أجر الصيام.

وروى الإمام أحمد (8856) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ» وهو في «الصحيح المسند» (1372) لوالدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله.

 حث الصائم على الحِلْم والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة.

وفي جميع الأوقات يحث الشرع على الاتصاف بهذا الخلق العظيم، والابتعاد عن الأخلاق الذميمة كلِّها، ولكنه آكد في حق الصائم، فلهذا خُصَّ الصائم بالحثِّ عليه.

 كما ينبغي للصائم أن يشغل وقتَه بذكر الله عز وجل، وبقراءة القرآن الكريم وبالصلاة والاستغفار وغير ذلك من أنواع العبادات. وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكثر من العبادة في رمضان، كما ثبت هذا المعنى في الصحيحين من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.



___________

المضمضة للصائم

عَنْ عُمَرَ قَالَ: «هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: فَفِيمَ» ؟ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الحديث ذكره والدي رَحِمَهُ الله في «أحاديث معلة» (89).

«هَشَشْتُ يَوْمًا» قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (4/ 249): أَيْ نَشِطَتْ وَارْتَحْتُ. اهـ.

ولا شيء في المضمضة وكذا الاستنشاق للصائم لأدلةٍ، منها: عن عثمان بن عفان في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمضمض واستنثر الحديث وفي آخره «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري ومسلم. هذا دليل على المضمضة والاستنشاق للصائم، لأنه لم يفرِّق بين صائم ومفطر.

وعَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» رواه أبو داود (2366)،وهو في «الصحيح المسند» (2/ 25) وهذا دليل على الاستنشاق للصائم ولغيره، وأن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق.

وسواء تمضمض في وضوئه وغسله، أو تمضمض لإزالة العطش.. لا شيء في ذلك. ولكن لا يبالغ الصائم في المضمضة والاستنشاق حتى لا يصل إلى جوفه شيء من الماء.

قال ابن قدامة في «المغني» مسألة (132):مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ: اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى أَقْصَى الْأَنْفِ، وَلَا يَجْعَلُهُ سَعُوطًا، وَذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْوُضُوءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَلَا يُسْتَحَبُّ، لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. اهـ.

ولا يلزمه وهو صائم أن يبصق بعد المضمضة كما يتوهم بعضهم يبقى يبصق مرارًا بعد المضمضة، ولكن  لو أحسَّ باجتماع الماء في فمه بعد المضمضة لا بأس أن يبصق ،وله أن يكتفي بمجِّ الماء بعد المضمضة، لأنه لم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يبصقون بعد المضمضة، والله أعلم.

وقد تكلم على المسألة الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع» (6/423) وقال: لا يجب التفل بعد المضمضة، ولا عند تجمع الريق بسبب القراءة فإنه لم يعهد عن الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم بل هذا مما يسامح فيه. اهـ المراد.

-----------

الغسل للصائم سواء للتَّبَرُّدِ أو للنظافة أو غير ذلك

عَنْ أبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الحديث ذكره والدي رَحِمَهُ الله في «الصحيح المسند» (1459) .

قال الإمام البخاري في «صحيحه» : باب اغتسال الصائم، ثم أخرج (1931) من طريق أبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُنْتُ أَنَا وَأَبِي فَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ، ثُمَّ يَصُومُهُ».

قال: ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: مِثْلَ ذَلِكَ.

واستنبط الشوكاني في «نيل الأوطار» 4/574) من قوله: «يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ»:فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْسِرَ الْحَرَّ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ كُلِّهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَالْمُبَاحَةِ.

وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ لِلصَّائِمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الصَّائِمِ الْحَمَّامَ، وَمَعَ كَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. اهـ



الانغماس في الماء والسباحة للصائم

سُئِل والدي عن: السِّباحةُ مع الغَطْس- غَطْس رأسه-؟

ج/ المعتبرُ هو ألَّا يَنزلَ مِن حلقه شيءٌ، ولكن أيضًا البحرُ نفسُه يختلفُ، فإذا كان الماءُ غيرَ مالحٍ ممكن أنه لَا يتسرَّب، أما إذا كان مالحًا فقد سَبَحْنَا فيه وما يأتي أقلُّ من القليل إلا وهو يتسرَّبُ إلى الحلق، والشخص يسعُل، فننصحُ بالبعد عن هذا، وكذلك أيضًا إذا كان غيرَ مالح فرُبَّما أنه يتسرب، والمعتبرُ هو التسرُّب إلى البطن، هذا المعتبر، إن تسرَّبَ إلى بطنِه فقد أفسدَ صومَه. كما في «من أحكام الصيام» 41سؤالًا في الصيام. (ص10) .

وسُئِل الشيخ ابن عثيمين: ما حكم السباحة للصائم؟

فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس للصائم أن يسبح، وله أن يسبح كما يريد، وينغمس في الماء، ولكن يحرص على أن لا يتسرب الماء إلى جوفه بقدر ما يستطيع، وهذه السباحة تنشط الصائم وتعينه على الصوم، وما كان منشطاً على طاعة الله فإنه لا يمنع منه، فإنه مما يخفف العبادة على العباد وييسرها عليه، وقد قال الله تبارك وتعالى في معرض آيات الصوم: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه». والله أعلم. «مجموع الفتاوى» (19/284) للشيخ ابن عثيمين.