جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 3 مايو 2019

(10)اختصار الدرس السادس من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية




حكم القيء للصائم

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

هذا الحديث ضعيف، معلٌّ أعله جمع من الحفاظ، وذكره والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في «أحاديث معلة» (430).

 قوله رَحِمَهُ الله: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ» أي: غلبه وسبقه.

«وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا» أي: طلب إخراج القيء إما بإصبعه أو شمَّ رائحةً عمدًا تثير الغثيان، ونحو ذلك.

القيء للصائم فعلى قسمين:

-القيء بالغلبة وعدم التعمد، وقد نقل ابن عبد البر في «الاستذكار» (3/347) الاجماع على أن من ذرعه الْقَيْءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وكذا ابن المنذر في «الإجماع» فقرة (126).

-القيء عمدًا، قال ابن المنذر رحمه الله في كتابه «الاجماع» فقرة (126): أجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامدًا. اهـ. والواقع أن هذا قول الجمهور فقط. ولهذا تعقبَ نقْلَ الإجماع الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله كما في «فتح الباري» (1938).

واحتجوا بما يلي:

-عن أبي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ».

-عن أبي الدرداء رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ». وهناك رواية تفسر المراد أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استقاء. روى الإمام أحمد (45/525 والنسائي في «الكبرى» (3116) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفْطَرَ».

قال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «إرواء الغليل» (1/147): رجاله ثقات.

وهذا قول والدي الشيخ مقبل رحمه الله تعالى، و ذكر لي رحمه الله أن الفاء في قوله: «فأفطر» فاءُ السببية مثل: سها فسجد، أي: أن سبب الفطر القيء.

وَقال بعضهم: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا فَقَاءَ فَضَعُفَ فَأَفْطَرَ.



-عَنْ فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَشَرِبَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ كُنْتَ تَصُومُهُ قَالَ: «أَجَلْ، وَلَكِنْ قِئْتُ».

القول الثاني: ذهب بعضهم إلى أن من استقاء ليس عليه قضاء وأن صومه صحيح، كابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس وعكرمة ومالك في رواية عنه. وهو اختيار البخاري في «صحيحه»،

واحتجوا بما يلي:

-عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ لا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ، وَالقَيْءُ، وَالاِحْتِلامُ». رواه الترمذي (719) .

-أخرج البخاري بسنده تبويب حديث (1938) عن أبي هريرة موقوفًا عليهإِذَا قَاءَ فَلاَ يُفْطِرُ إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولِجُ».

-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، موقوفا عليه قَالَ: «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا يَخْرُجُ» .

-البقاء على الأصل.

وبعض الذين قالوا يفسد صوم من استقاء قالوا: يجب الكفارة مع القضاء. قال الخطابي رَحِمَهُ الله في «معالم السنن» (2/112): اختلفوا في الكفارة. فقال عامَّة أهل العلم: ليس عليه غير القضاء، وقال عطاء: عليه القضاء والكفارة، وحُكي ذلك عن الأوزاعي وهو قول أبي ثور. اهـ.

وقد قاسوا هذا الحكم على كفارة المجامع في نهار رمضان، والأصل براءة الذمة، فالقول بأن عليه كفارة يحتاج إلى دليل.

وأما رواية «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» رواه مسلم (1111) عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. هذه الرواية مبيَّنَةٌ بالروايات الأُخرى في «الصحيحين» أنه أفطر بجماع فلا يُستدل بها على ما ذُكِر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم الاكتحال للصائم

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَان بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَمَرَ بِالإثمد الْمُرَوِّحِ عَنْ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» رَوَاهُ أبو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ قَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ضَعِيفٌ. وَقَالَ أبو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: هُوَ صَدُوقٌ.

الحديث نقل أبو داود في «سننه» رقم (2377) عن ابن معين: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.

وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «إرواء الغليل» (936): منكر.

وقال شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في «حقيقة الصيام» (ص22) في التعليق على قول أبي حاتم الرازي: عبدالرحمن هو صدوق، قال: لكن من الذي يعرف أباه وعدالته وحفظه؟! اهـ.

يعني بأبيه: النعمان بن معبد، فهو مجهولٌ. من رجال «تقريب التهذيب». وشيخ الإسلام يضعف الأحاديث التي فيها اجتناب الصائم للكحل.

وقوله: «بِالإثمد » الإثمد: حجر الكحل الأسود.

وقوله: « الْمُرَوِّحِ» أَيِ: المُطيَّب بالمِسْك.كما في «النهاية» (2/275).

وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الكحل من مفسدات الصوم منهم ابن شبرمة وابن أبي ليلى واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن النعمان.

وذهب أكثر العلماء إلى أن الكحل ليس من المفطرات، ومن أدلتهم:

-عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَحَلَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ» رواه ابْنُ مَاجَهْ، وإسناده ضعيف وقد ذكره الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «السلسلة الضعيفة» (6108).

-عن أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ» رواه البيهقي(4/436) وإسناده ضعيف. فيه مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ وهو ضعيف.

-عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي، أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ». رواه الترمذي (726). 

-عن بَرِيرَةَ قَالَتْ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ». رواه الطبراني رَحِمَهُ الله في «المعجم الأوسط» (6911) و ذكره الألباني رَحِمَهُ الله في «الضعيفة» (13/249).

وقال الترمذي في «سننه» (726) عن أحاديث الاكتحال للصائم: وَلاَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا البَابِ شَيْءٌ.

قلت: الاكتحال للصائم ليس من المفطرات، لأن الأصل عدم الفطر فنبقى على استصحاب هذا الأصل.

وهذا اختيار شيخ الإسلام رَحِمَهُ الله في «حقيقة الصيام»، والشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (تحت رقم 1014) فقد نقل كلامًا متينًا لشيخ الإسلام في هذا الموضوع ثم قال: ومنه يتبين أن الصواب أن الكحل لا يفطر الصائم، فهو بالنسبة إليه كالسواك يجوز أن يتعاطاه في أي وقت شاء.

وهذا أيضًا قول الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في «الشرح الممتع».  ورجحه الشوكاني في شرح هذا الباب (4/244)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الترغيب في الاكتحال بالإثمد

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ، وَإِنَّ خَيْرَ أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ: يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» رواه الترمذي(3878)والحديث حسن.

قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «زاد المعاد» (4/260): الإِثْمِدٌ: هُوَ حَجَرُ الْكُحْلِ الْأَسْوَدِ يُؤْتَى بِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَهُوَ أَفْضَلُهُ وَيُؤْتَى بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، وَأَجْوَدُهُ السَّرِيعُ التَّفْتِيتِ الَّذِي لِفُتَاتِهِ بَصِيصٌ، وَدَاخِلُهُ أَمْلَسُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَوْسَاخِ.

وَمِزَاجُهُ بَارِدٌ يَابِسٌ يَنْفَعُ الْعَيْنَ وَيُقَوِّيهَا، وَيَشُدُّ أَعْصَابَهَا وَيَحْفَظُ صِحَّتَهَا، وَيُذْهِبُ اللَّحْمَ الزَّائِدَ فِي الْقُرُوحِ وَيُدْمِلُهَا، وَيُنَقِّي أَوْسَاخَهَا، وَيَجْلُوهَا، وَيُذْهِبُ الصُّدَاعَ إِذَا اكْتَحَلَ بِهِ مَعَ الْعَسَلِ الْمَائِيِّ الرَّقِيقِ، وَهُوَ أَجْوَدُ أَكْحَالِ الْعَيْنِ لَا سِيَّمَا لِلْمَشَايِخِ، وَالَّذِينَ قَدْ ضَعُفَتْ أَبْصَارُهُمْ إِذَا جُعِلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمِسْكِ. اهـ المراد.

وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في « الشرح الممتع» (1/157): الإثمد من أحسن الكُحْلِ تقويةً للنَّظر. يُقال: إِن زرقاء اليمامة كانت تنظرُ مسيرةَ ثلاثة أيام بعينها المجرَّدة، فلما قُتلَتْ نظروا إِلى عينها فوجدوا أن عروق عينها تكاد تكون محشوَّةً بالإِثْمِدِ.

وقال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (4/259) عن الكحل بصفة عامة: فِي الْكُحْلِ حِفْظٌ لِصِحَّةِ الْعَيْنِ، وَتَقْوِيَةٌ لِلنُّورِ الْبَاصِرِ، وَجَلَاءٌ لَهَا، وَتَلْطِيفٌ لِلْمَادَّةِ الرَّدِيئَةِ، وَاسْتِخْرَاجٌ لَهَا مَعَ الزِّينَةِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ، وَلَهُ عِنْدَ النَّوْمِ مَزِيدُ فَضْلٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْكُحْلِ، وَسُكُونِهَا عَقِيبَهُ عَنِ الْحَرَكَةِ الْمُضِرَّةِ بِهَا، وَخِدْمَةِ الطَّبِيعَةِ لَهَا، وَلِلْإِثْمِدِ مِنْ ذَلِكَ خَاصِّيَّةٌ. اهـ.

والمراد بالكحل: الكحل المفيد للعين وهو الكحل الطبيعي المعروف عند المتقدمين الخالي من المواد الصناعية.