جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 25 سبتمبر 2016

(1)أحاديث مختارة من الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين

   
     أول حديث في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»
                          لوالدي رحمه الله

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا، وَإِنْ قَزَّحَهُ، وَمَلَحَهُ فَانْظُرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ " رواه عبد الله بن أحمد في« زوائد المسند » (35/161).

قال والدي رحمه الله :هذا حديث حسن .

وقوله (وإن قَزَّحَهُ)قال ابن الأثير في النهاية (4/58):أَيْ تَوْبَلَه، مِنَ القِزْح وَهُوَ التابِلُ الَّذِي يُطرح فِي القِدْر، كالكمُّون والكُزْبرة وَنَحْوِ ذَلِكَ. يُقَالُ: قَزَحْتُ القِدْر إِذَا تركْتُ فِيهَا الأبَازِير.
وَالْمَعْنَى :أنَّ المَطْعَم وَإِنْ تَكَلَّف الْإِنْسَانُ التَّنَوقَ فِي صنْعَته وتَطْييبه فَإِنَّهُ عائِد إِلَى حالٍ يُكْرَهُ وَيُسْتَقْذَرُ، فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا المَحْرُوص عَلَى عِمارتها ونَظْم أسْبابها راجِعة إِلَى خَراب وإدْبار.اهـ.
وقال المنذري رحمه الله في الترغيب والترهيب (3/103): قزحه بتَشْديد الزَّاي أَي وضع فِيهِ القزح وَهُوَ التابل، وملحه بتَخْفِيف اللَّام مَعْرُوف .اهـ.

وهذا الحديث فيه ضرب المثَل للدنيا بما يخرج من ابن آدم ،فأول الطعام شهيٌّ ولذيذ ثم يخرج من ابن آدم  نتِنًا بَشِعًا قَذِرًا نجِسًا ،فكذلك الدنيا أولها نضرةٌ وبهاءٌ وزخارف ،وآخرها جيفةٌ ونتَن  وفناء  ومنظرٌ كريه ،مثل الذي يخرج من ابن آدم  ،فليكن فيه آية  وعبرة { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }، وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى :{ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ } أَيْ: إِلَى مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ.
وفي هذا الحديث التحذير من فتنة الدنيا  والحث على التزَهُّدِ فيها والترغيب في الآخرة.

هذه الدنيا التي ألهتْ وشغلتْ وفتنتْ ،وتباغض الأحباب من أجلها ،ووقع التهاجر والمعاداة بسببها، وتنافس  المتنافسون فيها .وكدح الناس لأجلها ،تفكيرهم تفكير دنيوي ،وحديثهم دنيوي،ومجلسهم دنيوي،وعملُهُم دنيوي ،  لها  يرضون،  ومن أجلها يغضبون .
وهذا من عبادة الدنيا . روى البخاري في صحيحه (2886) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ».

قال ابن القيم في تحفة المودود (114): أَرَادَ بِهِ الْوَصْف وَالدُّعَاء على من يعبد قلبُه الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَرضِي بعبوديتها عَن عبودية ربه تَعَالَى ،وَذكر الْأَثْمَان والملابس وهما جمال الْبَاطِن وَالظَّاهِر.اهـ.

هذه الدنيا التي أعطاها  فوق قدرِها كثيرٌ  من الناس، وانصرفت الهِمَمُ إليها ،فمَن ألهتْه وشغلته عن عبادة الله وطاعته  يكون عبدًا لها .

ولذلك فسدتِ القلوب ،وقست ، وغفلت عن آخرتها ومصيرها ،وضاعت الأوقات ، كأنهم في سُكْرٍ ،لأن الدُّنيا غطَّتِ على قلوبهم ومشاعرهم والله عزوجل يقول: { وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} ،ويقول  سبحانه :{ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} .

وروى  ابن ماجة في سننه(4105) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» والحديث صحيح.

والله لو أن القلوب سليمةٌ  ... لتقطعتْ أسَفًا من حِرْمانها
لكنها سَكْرى بحبِّ حياتها الدنيا ... وسوف تفيقُ بعد زمنِ

نسأل الله أن يقينا فتنة الدنيا  وفتنة المحيا والممات، اللهم عافنا ونجنا من الفتن وارزقنا القناعة .