جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 18 أبريل 2016

(14) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ

بسم الله الرحمن الرحيم

اختصارُ درسِ الثاني والعشرين من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)
* قصة الإفك ويقال حادثة الإفك: قال ابن الأثير في «النهاية» (1/56): فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْك مَا قَالُوا» الإِفْك فِي الْأَصْلِ الكذِب، وَأَرَادَ بِهِ هاهُنا مَا كُذِب عَلَيْهَا مِمَّا رُميت بِهِ.
* حادثة الإفك كانت عند رجوعهم من غزوة المصطلق حينما دنوا المدينة آذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرحيل، وتأخرت أم المؤمنين لالتماس عِقْدٍ لها فانصرفوا ولم يشعروا أنها ليست في الهودج الذي حملوه؛ لأن النساء إذ ذاك خفافًا، ولتساعد بعض الصحابة في حمله.
وكان صفوان بن المعطَّل في وراء الجيش فرآها وكان يعرفها قبل الحجاب فحملها على البعير وانطلق يقود بها حتى أتيا الجيش في نحر الظهيرة، فأثار وأشاع وتصدَّى عبدُ الله بن أبي بن سلول المنافق الطعن في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور:19]. وعادة المنافقين والذين في قلوبهم مرض أنهم يتحينون الفُرَص فيطيرون فرحًا ويُخرِجون ما في نفوسهم .وهذا من شدة عداوة ابن سلول للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه هو المقصود وليس المقصود في الأصل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وقد حزن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصابه كرب عظيم ، وكذلك أم المؤمنين، وأهلها، وسائرالصحابة. وزاد الابتلاء أن الوحي تأخر شهرًا كاملًا.
فلما رجعت عائشة من الغزوة مرضت شهرًا والناس يخوضون في الإفك ولم يخبرها أحد. فلما نقِهَت بعد شهر خرجت هي وأم مسطح رضي الله عنها قِبَلَ المناصع - موضع - قالت: وكان متبرزنا فعثرت أم مسطح، فقالت: تعس مسطح، فقالت عائشة رضي الله عنها: بئس ما قلت أتسبين رجلًا شهد بدرًا، قالت: أوما سمعت ما يقول، قالت: وما يقول: فأخبرتها، قالت أم المؤمنين رضي الله عنها: فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعتْ دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت عائشة: ائذن لي آتي أبوي فأذن لها. فقالت لأمها أم رومان: يا أماه ما يقول الناس؟ فقالت: يا بنية لا يضرك والله ما كانت امرأة لها ضرائر وهي وضيئة إلا أكثرن عليها، قالت: أوقد تحدث الناس بهذا، قالت عائشة: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع - أي: لا ينقطع - ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي. ثم دخلت علي امرأة من الأنصار فوجدتني أبكي فجلست تبكي معي، ثم دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان إذا دخل عليها يقول: كيف تيكم؟ قالت: ولا أشعر منه اللطف الذي كنت أراه منه, فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله عز وجل فإن العبد إذا أذنب ثم تاب تاب الله عليه. قالت: فقلت لأبوي أجيبا عني رسول الله. فقالا: والله ما ندري ما نقول لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت عائشة: والله لا أجد لكم مثلًا إلا قول أبي يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. قالت: فما برح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من مكانه حتى نزل الوحي قالت: فلما سُرِّي عنه فإذا هو يضحك، وقال: يا عائشة أبشري فقد برَّأك الله وأنزل الله عز وجل الآيات في سورة النور ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور:11]. الخ العشر الآيات كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها.
* استشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تأخر الوحي أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما واختصهما بالمشورة دون غيرهما؛ لأنهما من صغرهما ملازمان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،ولأن الصغير لا يحابي بخلاف الكبير فقد ينظر للعاقبة. واستشار بريرة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما.
* تقول عائشة رضي الله عنها: واستمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهرًا لا يوحى إليه أي في شأنها، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يتكلم مع علمه ببراءة عائشة ولم يدافع لحكمة أرادها الله عز وجل. لكنه قال :«مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي». فكان الرجل المتهم- صفوان السلمي -لا يعلم عنه إلا خيرًا ولا يعلم عن أم المؤمنين إلا خيرًا .وهذا قرينة على براءة أم المؤمنين عائشة. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، فإن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تستطيع قتله، ولو كان من رهطك لما أحببت أن يقتل. جاء هذا في الصحيحين أن المقاول لسعد بن عبادة هو سعد بن معاذ، وهذا من المشكلات التي أشكلت على كثير من أهل العلم بالمغازي، فإن سعد بن معاذ لا يختلف أحد منهم أنه مات إثر قريظة وقد كانت عقب الخندق.
وقال بعض أهل العلم: إنه أسيد بن حضير. لكن الرواية في «الصحيحين» أنه سعد بن معاذ، وقد قال ابن حزم: الصحيح أنه أسيد بن حضير. ورجحه ابن كثير، فالله أعلم.
* فلما أنزل الله تعالى براءة عائشة رضي الله عنه جُلِد الذين تكلموا في الإفك . وحد القاذف ثمانون جلدة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)﴾ [النور]. ولم يذكَر أنه جلد عبد الله بن أبي بن سلول المنافق.
* الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول فقد ثبت في «صحيح البخاري» (4749) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ [النور: 11]، قَالَتْ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ».
 * من فوائد القصة:
1.          ابتلاء الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد وأم المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم.
2.          الفرج بعد الشدة.
3.          فضيلة لعائشة وبراءتها. وأخرج البخاري من طريق ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ، قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ، فَقِيلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ وُجُوهِ المُسْلِمِينَ، قَالَتْ: ائْذَنُوا لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ، قَالَ: «فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ» وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلاَفَهُ، فَقَالَتْ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا.
4.          ولثبوت براءة أم المؤمنين أجمعوا أن من رمى أم المؤمنين بهذه الفرية فهو كافر خارج عن ملة الدين، ويا مصيبة الروافض كثير منهم يسيء القول في أم المؤمنين عائشة ويعتقد هذه العقيدة الخبيثة.قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم» (17/117): وَهِيَ بَرَاءَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَلَوْ تَشَكَّكَ فِيهَا إِنْسَانٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.
5.          جَوَازُ سَبِّ الْمُتَعَصِّبِ لِمُبْطِلٍ كَمَا سَبَّ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لِتَعَصُّبِهِ لِلْمُنَافِقِ وَقَالَ إِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَأَرَادَ أَنَّكَ تَفْعَلُ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُرِدِ النِّفَاقَ الْحَقِيقِيَّ كما قال النووي.
6.          قال بعض أهل السير شُرع التيمم في غزوة المصطلق وقد جزم به عدد من العلماء. ومنهم من قال كان سبب نزول التيمم في غزوة أخرى، والله أعلم.
وآية التيمم هي آية المائدة كما في «صحيح البخاري» (4608) .وهذا دليل أن آية التيمم في سورة المائدة ،وليست الآية التي في سورة النساء.