قِصَّةُ القِرْدَةِ التي زنت
قال
الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (7/160)
وَقَدْ
سَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُطَوَّلَةً مِنْ
طَرِيقِ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ كُنْتُ فِي
الْيَمَنِ فِي غَنَمٍ لأهلي وانا على شرف فجَاء قرد مَعَ قِرَدَةٍ فَتَوَسَّدَ
يَدَهَا فَجَاءَ قِرْدٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَغَمَزَهَا فَسَلَّتْ يَدَهَا مِنْ
تَحْتِ رَأْسِ الْقِرْدِ الأول سلًّا رَقِيقا وَتَبِعَتْهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا
وَأَنَا أَنْظُرُ ثُمَّ رَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تُدْخِلُ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّ
الْأَوَّلِ بِرِفْقٍ فَاسْتَيْقَظَ فَزِعًا فَشَمَّهَا فَصَاحَ فَاجْتَمَعَتِ
الْقُرُودُ فَجَعَلَ يَصِيحُ وَيُومِئُ إِلَيْهَا بِيَدِهِ فَذَهَبَ الْقُرُودُ
يَمْنَةً ويسرة فجاؤوا بِذَلِكَ الْقِرْدِ أَعْرِفُهُ فَحَفَرُوا لَهُمَا حُفْرَةً
فَرَجَمُوهُمَا فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجْمَ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ .اهـ.
تقول
السائلة أحسن الله إليكم ما صحة هذا القول الذي نُسب لابن حجر رحمه الله ؟.
نفيدكم أن
القصة بطولها مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ . وعيسى بن حطان بكسر المهملة
وتشديد المهملة الرقاشي مقبول كما في تقريب التهذيب .
ومعنى
مقبول عند الحافظ في تقريب التهذيب أي أنه إن توبع وإلا فليِّن .
وهذا
يرادف مجهول الحال .
وأصل
القصة في صحيح البخاري (3849)حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي
الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ،
فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ» .
ونعيم بن
حماد :قال الحافظ في مقدمة فتح الباري 630: نعيم بن حَمَّاد الْخُزَاعِيّ
الْمروزِي نزيل مصر مَشْهُور من الْحفاظ الْكِبَار لقِيه البُخَارِيّ وَلكنه لم
يخرج عَنهُ فِي الصَّحِيح سوى مَوضِع أَو موضِعين وعلق لَهُ أَشْيَاء أخر وروى
لَهُ مُسلم فِي الْمُقدمَة موضعا وَاحِدًا وَأَصْحَاب السّنَن إِلَّا النَّسَائِيّ
الخ .
وقد كان
نعيم بن حماد ضعيفا في الحديث ،لكن القصة في صحيح البخاري .
وقد دافع
عن القصة الحافظ في فتح الباري وردَّ على من أنكرها .
وذكر
رحمه الله أن للقرد مِنَ الْفِطْنَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ
الْحَيَوَانِ وَقَابِلِيَّةِ التَّعْلِيمِ لِكُلِّ صِنَاعَةٍ مِمَّا لَيْسَ
لِأَكْثَرِ الْحَيَوَانِ قال :وَمِنْ خِصَالِهِ: أَنَّهُ يَضْحَكُ وَيَطْرَبُ
وَيَحْكِي مَا يَرَاهُ .
وَفِيهِ
مِنْ شِدَّةِ الْغَيْرَةِ مَا يُوَازِي الْآدَمِيَّ وَلَا يَتَعَدَّى أَحَدُهُمْ
إِلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ فَلَا يَدَعُ فِي الْغَالِب أن يحملهَا ماركب فِيهَا مِنَ
الْغَيْرَةِ عَلَى عُقُوبَةِ مَنِ اعْتَدَى إِلَى مَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ مِنَ
الْأُنْثَى .
وَمِنْ
خَصَائِصِهِ: أَنَّ الْأُنْثَى تَحْمِلُ أَوْلَادَهَا كَهَيْئَةِ الْآدَمِيَّةِ
وَرُبَّمَا مَشَى الْقِرْدُ عَلَى رِجْلَيْهِ لَكِنْ لايستمر عَلَى ذَلِكَ .
وَيَتَنَاوَلُ
الشَّيْءَ بِيَدِهِ وَيَأْكُلُ بِيَدِهِ وَلَهُ أَصَابِعُ مُفَصَّلَةٌ إِلَى
أَنَامِلَ وَأَظْفَارَ وَلِشَفْرِ عَيْنَيْهِ أهداب .
وقد أنكر بعضهم القصة لكون الحيوانات غير مكلفة فكيف يقام عليها حد الزنا ؟.!
قال الحافظ ابن حجر :
وَقد استنكر ابن عَبْدِ الْبَرِّ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ هَذِهِ وَقَالَ فِيهَا إِضَافَةُ الزِّنَا إِلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْبَهَائِمِ وَهَذَا مُنْكَرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ فَإِنْ كَانَتِ الطَّرِيقُ صَحِيحَةً فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مِنَ الْجِنِّ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَسْبُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ صُورَةَ الزِّنَا وَالرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ زِنًا حَقِيقَةً وَلَا حَدًّا وَإِنَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِشَبَهِهِ بِهِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ إِيقَاعَ التَّكْلِيفِ عَلَى الْحَيَوَانِ.اهـ.