تابع سلسلة الفوائد...
عَبْدُ
اللَّهِ بن مسعود بن غافل أبو عبد الرحمن من حفاظ القرآن المتقنين، و قد أرشد
النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم إلى أخذ القرآن منه .
أخرج
البخاري (3548 ) ومسلم (2464) عن مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ
لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ
مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ بِهِ -، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ،
وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ
كَعبٍ» .
ويقول
النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم : (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ
فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ) رواه ابن ماجة(138).
غضًا: بمعنى طريًا .
عبد
الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كان خادمًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم، في صحيح البخاري(3742) من طريق
إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ
قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى
جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ،
فَقُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا،
فَيَسَّرَكَ لِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ،
قَالَ: أَوَ لَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ
وَالوِسَادِ، وَالمِطْهَرَةِ، وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ
الشَّيْطَانِ، - يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ:
كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى؟ فَقَرَأْتُ
عَلَيْهِ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا
تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى قَالَ: «وَاللَّهِ لَقَدْ
أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِيهِ
إِلَى فِيَّ».
وفي
رواية للبخاري(6278) (أوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالوِسَادِ -
يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ ).
وقولُ
علقمة (اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا) يدعو علقمة بن قيس تلميذ
عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن الله ييسر له بجليس صالح؛
لأن الجليس الصالح نعمة من الله و سعادة عظيمة؛ ولأن الجليس الصالح في مجالسته منافع
كثيرة.
(فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ) استجاب اللهُ دعوتَه.
(مَا زَالَ بِي هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ
شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
يعني أنهم يحفظون القراءة المشهورة { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}،
وأبو الدرداء وكذا عبدالله بن مسعود سمعا من النبي ـ صلى الله عليهوعلى
آله وسلم ـ { والذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} و هذه قراءة أخرى.
الشاهد
ذكرُ أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه(
صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ، وَالمِطْهَرَةِ، والسواك) أي
أنه كان يحملها للنبي ـ صلى الله عليه وعلى
آله وسلم ويُنظف سواكه.
وفائدة
هذا الكلام من أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ (أَلَيْسَ فِيكُمْ، أَوْ
مِنْكُمْ) ليحث علقمة على الاستفادة من شيوخ بلده .
و هذا شأن المخلصين إرشاد الطلاب إلى الاستفادة من أهل الشأن.
و هذا شأن المخلصين إرشاد الطلاب إلى الاستفادة من أهل الشأن.
من
مناقب ابن مسعود ما في صحيح مسلم (2169) عن ابنِ مسعودٍ قَالَ لِي
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ
الْحِجَابُ، وَأَنْ تَسْتَمِعَسوَادِي،
حَتَّى أَنْهَاكَ» .
قال
ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل (1/330)
وَمعنى الحَدِيث: إِذا رفع الْحجاب وَسمعت كَلَامي الْخَفي
فَادْخُلْ إِلَّا أَن تسمع الْمَنْع.
و كان
عبدالله ـ رضي الله عنه ـ عالمًا بالتفسير حتى إنه يقول كما في صحيح البخاري:
(وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ
سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ،
وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ
أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ،
تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ).
وقد كان
الصحابة - رضي الله عنهم - يهتمون بالتفسير.
وهذا
هو الذي ينبغي لمن يطلب العلم ألَّا يكون حفظه للقرآن مجرد حفظ ألفاظ ، بل
يعتني بالتفسير.
الذين
يدرسون العلوم الدنيوية مثل الطب، و الهندسة يحرصون على أن يفهموا و يطلبوا
الشرح، و من يتعلم كتاب الله عز وجل أولى
بذلك؛
لأن هذه هي السعادة والفلاح و النجاة.
و كان
عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ دقيقَ الساقين فجاءت ريح فمالت به فضحِك
الصحابة فقال النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( مِمَّ
تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ) مسند
أحمد (3981).
وهذا
من الأدلة على أن الجسم يوزن يوم القيامة، و العبرة بالعمل الصالح وليس بضخامة
الجسم.
قال
الحافظ ابن حجر في الإصابة : أمه أمّ عبد اللَّه بنت عبد ودّ بن سواءة- أسلمت وصحبت أحد
السابقين الأولين.
أسلم قديما وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد بعدها، ولازم
النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم،
وكان صاحب نعليه.
هذه بعضُ مناقب هذا الصحابي
الجليل رضي الله عنه وعن سائر صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .